“يسرائيل هيوم”: هكذا تفسر إسرائيل عزوف إدارة بايدن عن “ملفات” الشرق الأوسط

 بقلم: أيال زيسر       “سافر الرئيس بايدن الأسبوع الماضي في زيارة أولى إلى خارج حدود بلاده. الرسالة التي سعى لإطلاقها لمواطنيه وللعالم كله هي أن “الولايات المتحدة عادت” لتؤدي دوراً فاعلاً ورائداً في الساحة الدولية إلى جانب أصدقائها وحلفائها الذين هجرتهم، حسب بايدن، في عهد الرئيس ترامب.

لا يتزين بايدن بإجراء زيارته الأولى للخارج في إسرائيل، بل سيزور أوروبا كي يلتقي شركاءه في حلف الناتو، وبينهم الحليف المخلص، الرئيس التركي أردوغان، كما سيلتقي الرئيس بوتين الذي وصفه قبل وقت غير بعيد بـ “القاتل”.

واختار التجاوز عن إسرائيل. قد نبرر الأمر بالدوامة التي تعيشها الساحة السياسية في الدولة في السنوات الأخيرة وبشدة أكبر في هذه الأيام. ولكن الحقيقة هي أن بايدن اختار أن يتجاهل أيضاً دولاً أخرى في المنطقة، وعلى رأسها حلفاء واشنطن في الخليج. كما يذكر، بدأ ترامب ولايته بزيارة هذه الدول، إلى جانب زيارته إلى إسرائيل، وسعى للتعبير بذلك عن الالتزام الأمريكي الراسخ بأمنها في وجه التهديد الإيراني.

لقد أثار انتخاب بايدن بالرئاسة في تشرين الثاني الماضي نقاشاً شائقاً في مسألة التزامه، وكذا التزام حزبه، بالصداقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. في هذه الأثناء، لا توجد أدلة على تقليص التأييد المبدئي من بايدن لإسرائيل. ولكن ليس هذا هو الموضوع. إذ ليس مثل أمريكا في التمييز بين المشاعر، والمصالح السياسية والاقتصادية الباردة. وعموماً، تعد رسالة بايدن قاطعة وواضحة في كل ما يتعلق بالممارسة: الشرق الأوسط لا يعني الولايات المتحدة، وكل ما تسعى إليه بل وتخطط له هو أن تفك ارتباطها عنه وعن مشاكله، لقد همس بهذه الأمور في الغرف المغلقة منذ عهد أوباما وقالها ترامب بشكل فظ، الذي وصف سوريا كما يذكر كـ “دولة ليست سوى رمال وموت”، وبالتالي ليس للولايات المتحدة أي مصلحة للتدخل في النزاعات القبلية التي تجري على أراضيها. ولكن بخلاف ترامب، الذي نفذ فك ارتباطه عن الشرق الأوسط من خلال تعزيز المحور المناهض لإيران في المنطقة وترسيخ أمن حلفاء أمريكا، يترافق فك ارتباط بايدن بالتراجع عن الالتزامات وبالمصالحة مع أعدائها.

المرحلة الأولى في فك الارتباط هي بالطبع تحقيق اتفاق نووي مع إيران، يبعد تهديد الاشتعال الذي من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع إيران. اتفاق كهذا سيهيئ التربة أيضاً لتخفيض مستوى الوجود الأمريكي في المنطقة. وبالتوازي، بدأ الأمريكيون بالانسحاب من أفغانستان بعد أن وقعوا على اتفاق مع حركة طالبان. ويدور الحديث عملياً عن بيع تصفية سيدفع ثمنها حلفاء واشنطن الأفغانيون. فبعد كل شيء، ليس لأحد أوهام، وفي اللحظة التي سينسحب فيها الأمريكيون من أفغانستان، ستسيطر عليها “طالبان” وستقيم فيها حكم إرهاب ظلامي وإجرامي.

في اليمن أيضاً يسعى الأمريكيون للوصول إلى اتفاق مع الحوثيين، مبعوثي طهران. من الصعب الافتراض بأن يتنازل هؤلاء عن العلاقة مع إيران، وعليه فإن وقف القتال سيسمح لهم، مثلما لحماس وحزب الله في حينه، للتزود بترسانة من الصواريخ سيهددون بمعونتها كل دول المنطقة، بل وحتى إسرائيل.

بعد ذلك سيأتي دور سوريا، حيث سيترك الأمريكيون حلفاءهم الأكراد لمصيرهم، الذين ساعدوهم على إسقاط خلافة “داعش”، تحت رحمة بشار الأسد. وأخيراً، سيخرج الأمريكيون من العراق ويتركونه في أيدي طهران بل وسيقلصون وجودهم في الخليج الفارسي.

يأمل بايدن إذن في أن تذكر ورديته كوردية خرجت الولايات المتحدة في أثنائها من الوحل الذي غرقت فيه في الشرق الأوسط. غير أنه وكما تفيد تجربة إسرائيل في غزة ولبنان، يمكن للأمريكيين أن يفكوا ارتباطهم عن الشرق الأوسط، ولكن انفجارات العنف والإرهاب التي مصدرها في المنطقة ستواصل ملاحقتهم حتى الولايات المتحدة البعيدة.

يأتي التغيير في الولايات المتحدة في فترة حساسة لإسرائيل، فترة تبادل الحكومات. فبعد كل شيء، كل شيء في الشرق الأوسط شخصي، ويكمن الموقف من الدولة في الشكل الذي ينظر فيه إلى من يقف على رأسها. ربما لم يحبوا نتنياهو، ولكنهم احترموه بفضل تجربة عظيمة السنين في هذه الساحة المعقدة.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.