كيف ينظر رئيس وزراء الاحتلال إلى أزمة الفلسطينيين الاقتصادية والحل السياسي معهم؟

هآرتس – بقلم: عاموس هرئيل       “تجري في الأسابيع الأخيرة من خلف الكواليس اتصالات غير مباشرة، مفاجئة لدرجة ما، بين إسرائيل والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية. وضع السلطة الاقتصادي السيئ يقلق الأمريكيين والإسرائيليين. ومدخولات السلطة من الضرائب والمساعدات الخارجية تنخفض، ويزداد عجزها بوتيرة سريعة، حتى البنوك الفلسطينية تخاف من إعطائها المزيد من الائتمان. هكذا يجد بينيت نفسه يناقش طرق تأمين بقاء قيادة السلطة.

كانت إدارة بايدن ستسر بضخ المزيد من الأموال لصالح بقاء رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لكن عائقاً جوهرياً يقف في الطريق على شكل قانون تيلر فورس، وهو القانون الذي صادق عليه الكونغرس قبل ثلاث سنوات في عهد إدارة ترامب والمسمى على اسم الرجل العسكري الأمريكي الذي قتل في عملية أثناء زيارته تل أبيب في 2016. هذا القانون يمنع أمريكا من تحويل مساعدات اقتصادية للسلطة طالما بقيت تمول سجناء أمنيين في إسرائيل وتساعد عائلات مخربين قتلوا.

 طرح الأمريكيون مؤخراً أفكاراً مختلفة لتغيير ترتيبات دعمهم للسلطة لئلا يخرقوا القانون. وتم الحديث عن تبني نموذج اجتماعي من المساعدة طبقاً للصعوبات الاقتصادية للعائلة، ولكنه نموذج قد يكون مقروناً بمخصصات لسجناء جنائيين، وهو الأمر الذي ستجد السلطة صعوبة في تلبيته. إن أي تراجع لعباس عن دعم “الإرهابيين” سينظر إليه الفلسطينيون على أنه خيانة للروح الوطنية، وذلك سيخدم حماس.

ناقش بينيت أيضاً مشاريع اقتصادية وبنى تحتية في الضفة الغربية، على أمل تحسين الوضع في مناطق السلطة. ووجد جهاز الأمن صعوبة في تحديد مشاريع يمكن تسريع تنفيذها. الأحد القادم، ستصادق الحكومة على 15 ألف تصريح عمل أخرى في إسرائيل لفلسطينيين من الضفة يعملون في فرع البناء. كل ذلك يحدث على خلفية ما يوصف في إسرائيل كصافرة إنذار حقيقي، وانخفاض حاد في تأييد الفلسطينيين للسلطة، الذي يظهر في استطلاعات الرأي العام.

القضية التي تواصل ملاحقة عباس تتعلق بموت أحد معارضي السلطة، وهو نزار بنات، في سجن السلطة بالخليل قبل شهر تقريباً. وعبرت الإدارة الأمريكية عن اشمئزازها من الحادث الذي يذكر رجالها بقتل الصحافي المعارض للنظام السعودي، جمال خاشقجي، في تركيا. الإدارة الديمقراطية أقل تسامحاً مما كانت عليه الحال في عهد ترامب إزاء خرق حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، كما يفعل الآن جنرالات في مصر.

في الوقت الذي يستعد فيه بينيت لإظهار سخاء تجاه الفلسطينيين اقتصادياً، لا يبدو أنه مكترث باستئناف العملية السياسية ولا مصلحة له في ذلك. أحد الحجارة الأساسية التي بنى عليها بنيت الشراكة مع يئير لبيد هو التفاهم بأن الحكومة الهجينة غير قادرة على التقدم في المسائل المختلف عليها، وعلى رأسها حل النزاع مع الفلسطينيين. في المقابل، يحتاج عباس إلى إنجاز علني ليظهر للأمريكيين إرادة جيدة بخصوص العملية السياسية. من هنا جاءت محاولاته لتنسيق لقاء وصورة مع رئيس الدولة الجديد، إسحق هرتسوغ، وهو أمر لا يتحمس له رئيس الحكومة. استجاب الأمريكيون لطلب بينيت، وأجلوا إعادة فتح القنصلية في شرقي القدس رغم مطالبات عباس.

مثل السلطة، حماس قلقة أيضاً من وضعها الاقتصادي. عيد الأضحى مر، ومع ذلك لا حل حتى الآن لتحويل الأموال القطرية إلى قطاع غزة. ورغم ذلك، الهدوء يسود القطاع، لكن من الواضح لإسرائيل أن وضعاً كهذا لن يستمر لفترة طويلة.

       وقت الإصلاح

لقد حدثت مشكلة لبينيت في بداية الأسبوع، التي سارع إلى إصلاحها. الأحد، حيث حج مئات اليهود إلى الحرم بمناسبة 9 آب اندلعت مواجهات عنيفة بين المصلين المسلمين والشرطة. وسيطر رجال الشرطة على الوضع، وأصدر رئيس الحكومة بيان إشادة لوزير الأمن الداخلي والمفتش العام للشرطة، ووعد بحماية حرية العبادة للمسلمين واليهود في الحرم.

ولكن بيان بينيت تجاوز الوضع القائم الحساس في الحرم. فقد حرصت حكومات إسرائيل خلال سنوات  إلى الحفاظ على حرية زيارة اليهود للحرم وليس على حرية الصلاة. البيان الذي ترتبط صياغته المتسرعة بغياب تجربة كافية في المكتب، استقبلته إدارة واشنطن والقصر الملكي في عمان بدهشة (عشية لقاء الرئيس جو بايدن والملك عبد الله) ومثلهما قيادة “راعم” في إسرائيل. في اليوم التالي، اضطر مكتب رئيس الحكومة إلى إصدار بيان تعديلي: سيبقى الوضع القائم على حاله، وسيتم تأمين حق اليهود في الزيارة فقط.

في موازنة الاعتبارات بين الانتقاد من اليمين وبين الغضب الدولي والتوتر في الائتلاف، اختار بينيت وبحكمة المخرج الأقل خطراً. ولكنها مشكلة تدل على مشكلة أعمق. يبدو أن بينيت في كثير من خطواته كان مدفوعاً بمسألة ما الذي كان سيفعله نتنياهو لو كان في مكانه أكثر مما هو على استعداد للاعتراف به. هذه الزلات لا تبشر بالخير، ويفضل أن يتذكر أنه وصل إلى منصبه بالصدفة، نتيجة أحداث سياسية مع حد أدنى من الاحتمال. بينيت في السلطة بفضل تحالف غير ممكن من التناقضات، التي حدثت لسبب واحد، وهو إقصاء الشخص الذي ما زال يخاف منه، عن الحكم.

تدل القضية أيضاً إلى التحالف الإجباري مع قائمة “راعم”، التي ما زالت ملتزمة بشدة بالحركة الإسلامية. شخصيات كبيرة في الحزب تفاخرت بنجاحها في التأثير على الحكومة، لكن بقي الكثير من العقبات المحتملة، من إخلاء الخان الأحمر ومروراً بالبناء غير القانوني في النقب، وانتهاء بموقف “راعم”، ومن تصعيد محتمل في القطاع، هذا إلى جانب الخطر الأكثر شدة على الحكومة في هذه الأثناء الذي يكمن في إعادة تفشي كورونا.

كرئيس للحكومة، يتخذ بينيت موقفاً معاكساً: حكومته ترد على الزيادة في الإصابة بضبط نفس معين، الذي يعكس تشويشاً أيضاً. من يحاول استغلال ذلك هو سلفه في هذا المنصب. فقد كشف نتنياهو أول أمس أنه توجه إلى المدير العام لشركة فايزر ومدير عام شركة موديرنا لينقلا وجبة تطعيمات ثالثة لإسرائيل، رغم أن الخبراء المختصين لم يبلوروا حتى الآن أي موقف في هذا الشأن. سيحاول نتنياهو الإمساك بكل قشة تلوح له، وكلما استمر الوباء في الازدياد فسيعمل على انتقاد الحكومة بذريعة أنها تهمل حياة المواطنين دون أن يذكر بأن 6400 شخص منهم ماتوا في فترة حكمه.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.