هآرتس: لبنان أمام “اللغم الوطني” ولا خيار إلا الغاز الإسرائيلي.. لماذا يسكت “حزب الله”؟

هآرتس – بقلم: تسفي برئيل   “توقفت محطات توليد الطاقة الكبيرة في لبنان عن العمل في نهاية الأسبوع الماضي. وانزلق لبنان إلى ظلام قد يستمر لبضعة أيام. لم يكن هذا مفاجئاً. وقد حذر وزراء وخبراء في لبنان هذا الشهر بأن إذا لم يتم إيجاد مصدر فوري لتمويل الوقود أو الحصول عليه بالمجان، فسيغرق لبنان في الظلام أياماً. عدد كبير من المنازل في المدن الكبيرة والقرى لم يعد يعتمد على شركة الكهرباء الحكومية، الغارقة في ديون بمليارات الدولارات للمزودين. وأوجد أغلبية السكان في السنوات الماضية شبكة بديلة من المولدات، لكن إزاء أسعار الوقود التي عادت إلى الارتفاع قبل بضعة أسابيع، يتوقع أيضاً اختفاء هذه الشبكات الخاصة.

المزودون الوحيدون للبنان الذين بقوا هم إيران وروسيا. في أيلول، وصلت ناقلتا نفط من إيران إلى ميناء بانياس في سوريا، وقبل حوالي أسبوع وصلت ناقلة أخرى أنزلت حمولتها في الميناء، ومن هناك يتوقع أن تصل هذه الحمولة إلى لبنان عن طريق المعابر غير القانونية. الوتيرة وكمية النفط التي تصل من إيران لا يمكنها إحياء شبكة الكهرباء في لبنان، أو حتى الاحتياطي القليل الذي بقي لدى الجيش اللبناني، الذي ربما يتم تحويله لشركة الكهرباء في محاولة لتشغيل محطات توليد الطاقة.

يبدو أن النفط الإيراني يخدم حزب الله أكثر مما يخدم الدولة. في الوقت الذي عقد فيه “حزب الله” صفقة لإنقاذ لبنان. تم نقل جزء من النفط ليكون تحت سيطرته وإلى نقاط التوزيع التي يسيطر عليها. وقد يحصل “حزب الله” الآن على مكاسب سياسية مهمة باعتباره الجسم الوحيد القادر على تزويد لبنان بالحياة.

إن نقل النفط من إيران إلى سوريا يخرق منظومات العقوبات: الأولى، المفروضة على إيران والتي تحظر عليها بيع النفط، والثانية هي التي فرضها دونالد ترامب على سوريا في 2019 والتي تحظر عقد الصفقات مع النظام السوري، بما في ذلك نقل النفط من سوريا إلى لبنان أو إلى أي دولة أخرى. ولكن الرئيس الأمريكي جو بايدن والإدارة الأمريكية يحافظون الآن على الصمت إزاء خرق العقوبات. والسبب العلني هو الجانب الإنساني الكامن في نقل النفط، حيث لا تريد واشنطن أن تظهر كمن تضر بأداء المستشفيات والعيادات والمؤسسات الحيوية الأخرى في لبنان، إذا منعت ناقلات النفط القادمة من إيران بالقوة.

تقوم الإدارة الأمريكية مؤخراً بحياكة مشروع أكبر، هدفه هو نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان بشكل منظم وعلني. الأربعاء الماضي، التقى في عمان ممثلون عن لبنان وسوريا ومصر والبنك الدولي للتوقيع على اتفاق إطار لتزويد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، سيمر أنبوب غاز من مصر عبر الأردن إلى سوريا ومنها إلى لبنان، وسيربط الأردن شركة الكهرباء فيه مع شبكة الكهرباء في لبنان عبر سوريا.

هذا ليس حلاً فورياً، وسيستغرق تنفيذه أسابيع أو بضعة أشهر، لكن المشروع أصبح يثير علامات استفهام. نقل الكهرباء والغاز عبر الأنبوب بسوريا، ومنها إلى لبنان، يعني خرق العقوبات المفروضة على سوريا. سيحتاج جو بايدن إلى تبرير ذلك أو مبادرة لسن قانون يعفي مسألة تزويد الوقود من العقوبات. المشكلة الثانية هي أن الغاز المصري “مختلط” بالغاز الإسرائيلي، والكهرباء الأردنية يتم إنتاجها بواسطة الغاز الإسرائيلي. ولا طريقة للفصل بين الغازين، كي يتم نقل غاز عربي “نقي” إلى لبنان.

قبل أسبوع نشر ماثيو زايس، الذي شغل منصب كبير في وزارة الطاقة الأمريكية، وهو الآن باحث في المجلس الأطلسي، نشر مقالاً شرح فيه “العلاقة الإسرائيلية” مع الغاز اللبناني. تعرف الحكومة اللبنانية هذا اللغم الوطني، ويعرف “حزب الله” أيضاً مصدر الغاز الذي سيصل من مصر ومصدر الكهرباء من الأردن، لكن مثلما سمح لحكومة لبنان بإجراء المفاوضات مع إسرائيل حول ترسيم الحدود الاقتصادية بينهما، فإنه يصمت الآن في موضوع الغاز. لا يمكن أن يضع “حزب الله” الآن شروطاً تفشل هذا المشروع، حتى لو كان المشروع بدعم من الإدارة الأمريكية، خوف أن يعرض مكانته الشعبية للخطر، باعتبار المشروع عجلة إنقاذ للدولة.

سيطرح السؤال مرة أخرى كما يبدو عندما سيتم التوقيع على الاتفاق النووي الجديد بين الدول الغربية وإيران، الذي سيتم في إطاره رفع العقوبات والسماح بالانتقال الحر للنفط والغاز إلى لبنان عبر سوريا. في هذه الأثناء، يعد الرابح السياسي الأكبر من المشروع سوريا، التي أصبحت شريكة حيوية في المشروع، والتي لا يمكن للمشروع من غيرها أن يكون.

سبق واخترقت سوريا القناة السياسية عندما قامت البحرين والإمارات باستئناف نشاط ممثلياتها الدبلوماسية، وأعلنت أبو ظبي نيتها المشاركة في إعمار سوريا. في الأسبوع الماضي، أجري بشار الأسد مكالمة هاتفية أولى منذ أكثر من عقد مع ملك الأردن عبد الله، بعد أن زار في الأسبوع الماضي وزير الدفاع السوري الأردن، وقررت المملكة فتح الحدود مع سوريا. مكتب الأسد والمتحدثون باسم عبد الله، قالوا بعد المكالمة بأنهما تحدثا حول “تعزيز التعاون بين الدولتين والشعبين”. من المثير كيف ستنظر واشنطن إلى التعاون الاقتصادي بين الأردن وسوريا، الذي سيكون متناقضاً مع قانون العقوبات، في حين تسمح الإدارة بنقل الكهرباء والغاز عبر سوريا إلى لبنان.

المفارقة هي أن أزمة لبنان العميقة والظلام الذي هبط عليه يمكنهما إعادة سوريا إلى قلب الإجماع العربي الذي طردت منه بعد أن تبين حجم المذبحة التي نفذها الأسد ضد المدنيين في سوريا.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.