المسجد الأقصى وخطة التهويد

بقلم: نهى نعيم الطوباسي
عندما أحرق المسجد الأقصى، على يد متطرف من أصل أسترالي في آب 1969، يروى أن رئيسة وزراء اسرائيل آنذاك غولدا مائير قالت ” لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستسحق، لكن عندما حلّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق!”

ومن الواضح أن اسرائيل بحكوماتها المتعاقبة، قد أدركت أن العرب مازالوا غارقين في سباتهم، بل إنها أمِنَت جانبهم بعد التطبيع مع بعض دولهم. فاستفرد الاحتلال الإسرائيلي بفلسطين، وصعّد اعتداءاته الوحشية وإجراءاته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في كافة المناطق، وبخاصة على القدس ومقدساتها، مستغلا ازدواجية المعايير الدولية في تطبيق القانون الدولي، وعدم محاسبة اسرائيل على جرائمها وانتهاكاتها.

التصعيد الأخير في المسجد الأقصى وعموم المناطق الفلسطينية، والاقتحامات المتكررة، وتدنيس المسجد الأقصى من خلال استخدام القوة المفرطة ضدّ المصلين والمرابطين، وإدخال أعداد كبيرة من المتطرفين لساحات الحرم ليست مجرد استفزازات عابرة للشعب الفلسطيني بل هي جزء من أجندة الحركة الصهيونية، أخذت اسرائيل بتنفيذها منذ احتلال القدس، لطمس الهوية الوطنية للمدينة وتغيير طابعها التاريخي وتهويدها. ضاربة بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بعدم المساس بالوضع القانوني للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها. وتنفيذ التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى لتمرير الإستيلاء عليه بالكامل في المستقبل.

على سبيل المثال، عام 1967 قام الجنرال الإسرائيلي مردخاي غور باقتحام المسجد الأقصى ورفع العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة، ومنع رفع الآذان ودخول المصلين إليه لمدة أسبوع. وفي آب من عام 1969 قام المتطرف الأسترالي المتأثر بالفكر والكتابات الصهيونية مايكل دينيس روهان بإحراق المسجد الأقصى على أمل أن يساهم ذلك في التسريع بإعادة بناء الهيكل ومجيء المسيح المخلص. وفي عام 1976 قررت قاضية إسرائيلية، أن لليهود الحق في الصلاة داخل المسجد الأقصى. وفي عام 1981 اقتحم مجموعة من حركة “أمناء جبل الهيكل”، المسجد الأقصى وهم يحملون كتب التوراة والعلم الإسرائيلي. واندلعت شرارة الانتفاضة الثانية عندما اقتحم زعيم الليكود آنذاك أرئيل شارون، المسجد الأقصى تحت حراسة مشددة وحماية الجيش الإسرائيلي في أيلول 2000. وغير ذلك من أعمال الحفر تحت المسجد الأقصى، ومحاولات الاستيلاء على البلدة القديمة، وكل الطرق والأبواب المؤدية إلى المسجد الأقصى وتكثيف الإستيطان حول المدينة المقدسة.

ليس غريبا أن تسير حكومة نفتالي بينت، الذي ينتمي إلى تيار الصهيونية الدينية المتطرف، على نهج الحكومات السابقة منذ احتلال القدس، بمحاولة كسب تأييد المستوطنين والمتطرفين، واستمالة تعاطفهم وتأييدهم لأي عمل تقوم به الحكومة، بحجة تحقيق النبوءة المزعومة بالاستيلاء على ما يسمى جبل الهيكل، وتنفيذ خطة التقسيم المكاني والزماني للأقصى والتي وردت في وثيقة عام 2013 تحت اسم ” قانون ونظم المحافظة على جبل الهيكل مكانا مقدسا”، أعدتها مجموعة من متطرفي حزب الليكود. حيث ترمي الخطة إلى تغيير هوية المسجد الأقصى، وإعادة بناء الهيكل المزعوم مكان مسجد قبة الصخرة. وتبدأ الخطة بتخصيص مساحات من المسجد الأقصى وساحاته لليهود وتحويلها لكنس يهودية، وتحديد أوقات وأماكن للمسلمين للصلاة في المسجد وأخرى لليهود، وتحاول دولة الاحتلال حصر حقوق المسلمين في المسجد القبلي واعتبار باقي مساحة الحرم الشريف منطقة مشتركة لليهود حصة كبيرة فيها. ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يشمل انتزاع صلاحية الإشراف على الحرم من دائرة الأوقاف، وإلحاقه بمسؤولية وزارة الأديان الإسرائيلية.

من المؤكد أن إسرائيل أساءت تقدير الموقف، فحتى لو كان العرب في سبات عميق، فإن الشعب الفلسطيني يقظ وواع لمخططات اسرائيل، ولن يتردد بالدفاع عن القدس وهويتها ومقدساتها ويفتديها بكل ما يملك.

إن المشهد المهيب لاعتكاف أكثر من ربع مليون مصلٍّ في المسجد الأقصى وساحاته، ومن كل المدن الفلسطينية، كسروا الحصار الخانق، والحواجز الإسرائيلية والبوابات الإلكترونية، وتحملوا ساعات الانتظار الطويلة، وتسلقوا الجدران، واخترقوا الأسلاك الشائكة، وتحدوا أسلحة جنود الاحتلال، لهو مشهد تقشعر له الأبدان من الثبات والإصرار وتحدي الإحتلال. مشهد يرُدّ الروح للقدس ومقدساتها وأهلها. إن هذا الإصرار بالوصول إلى القدس والأقصى والرباط في ساحاته، كان ردا واضحا وحازما من الشعب الفلسطيني، أن القدس والمسجد الأقصى خط أحمر، والمساس بهما سيؤدي الى انفجار كبير في كل المنطقة. وقد يكون المساس بالمسجد الأقصى ومكانته ومحاولة تغيير وضعه القانوني، الصفعة القوية التي توقظ العرب من سباتهم. فمحاولات تحويل الصراع إلى صراع ديني سيشعل النار في كل المنطقة وفي قلوب كل المسلمين.

المطلوب أن لا يقتصر الرباط بالمسجد الأقصى على شهر رمضان المبارك، ولا بد من الاستمرار بالحشد والرباط، لكسر الحصار والعزلة عن المدينة، وأن لا يهدأ الغضب الفلسطيني في وجه المحتل، وأن لا تتراجع الهمة العالية لجميع فئات الشعب الفلسطيني، في كافة المدن الفلسطينية بما فيها مدن الداخل.

أخيرا، آن الأوان لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، إذا لم تتوحد الأحزاب والفصائل الفلسطينية، ولم توحد أهدافها وأولوياتها، وبرنامجها الوطني والنضالي من أجل الأقصى والقدس فما الذي سيوحدها؟ غير ذلك لن تتوقف اسرائيل عن خططها للاستيلاء على كل الأرض والمقدسات. وتنفيذ مشاريعها الاستيطانية والتهويدية حتى لو أبادت الشعب الفلسطيني بالكامل، طالما أن العرب والمنظومة الدولية في سبات، والانقسام الفلسطيني يتعمق أكثر، وينخر في المشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.