كتب: حسن عصفور
مع بداية شهر يونيو 2022، انتشرت تصريحات للرئيس محمود عباس، أنه لن يقبل باستمرار الوضع الحالي، بعدما أغلقت دولة الكيان كل سبل أمام “حل الدولتين”، وأوغلت في سياسة القتل والاعتقالات والنشاط الاستيطاني، وهدد بصوت واضح، أنه سيذهب لاتخاذ “قرارات صعبة” بتنفيذ قرارات المجلس المركزي.
ورغم أن الرئيس لم يحدد “خيارا واحدا” من تلك الخيارات التي رسمها المجلس المركزي منذ عام 2015، لكن “نبرة” الغضب كان أعلى مما سبقها من “تهديدات”، فسارع وزير الخارجية الأمريكية بالاتصال هاتفيا بالرئيس عباس، وأرسل وفدا “برقيا”، ثم تبعه الممثل الدائم للعلاقات مع الفلسطينيين هادي عمرو.
ويبدو، أن “المناورة الأمريكية” حققت نجاحا أسرع من التوقع، بعدما قدمت “رشوة سياسية” بتغيير مسمى “وحدة شؤون الفلسطينيين” في الخارجية الى “مكتب شؤون”، ولم تعد جزءا من سفارتها بدولة الكيان، مع بعض “وعود” جديدة مقابل ان لا يذهب الرئيس أبعد من القائم.
“الرشوة الأمريكية” تحمل في طياتها ليس خطر “كبح جماح” تنفيذ قرارات المركزي الفلسطيني فحسب، بل هي خطوة مسمومة لتكريس “شرعنة القرار الأمريكي” بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الفصل العنصري، وبالتالي شطب البعد التفاوضي حول “القدس الموحدة”، وتلك مسألة ما يجب أن تغيب عن الرئيس وفريقه، خاصة وأن أمريكا ذاتها لم تسحب اعترافها، كما دولة الكيان، باتفاق اعلان المبادئ 1993، الذي أكد وجوب التفاوض على “القدس الموحدة”، وليس شرقها، كما كرست الخطوة الأمريكية الأخيرة.
تراجع الرئيس عباس خطوة الى الوراء عن “التهديد الغاضب”، سيصبح أداة استخدام سياسي لأعداء المشروع الوطني، بمسارعة العمل لاستغلال التردد والارتباك ليس في الموقف العام، بل في اتخاذ خطوات تمثل “سياج حماية” المشروع وأداته منظمة التحرير الفلسطينية، المصابة بوهن وعوار لا يمكن لها أن تنهض للتصدي لأطراف المناورة وهي في حالتها الراهنة.
تراجع الرئيس عباس عن “التهديد الغاضب”، سيزيل كل مصداقية عن أي “تهديد جديد”، وسيبدو أنه كلام من أجل الاستجداء وليس التصدي الحقيقي، ما يمثل قوة دفع للمتربصين بردم تاريخ الثورة والقضية واستبداله بتاريخ مسخ مشوه، لتكريس “التهويد والتوراتية” على حساب القضية الوطنية الفلسطينية، مقابل ثمن لن يزيد عن ثمن الانقلاب الأول.
تراجع الرئيس عباس عن “التهديد الغاضب”، رسالة لن تتركها دولة العدو تمر دون استغلال بالحد الأقصى لتمرير أخر “مداميك” تهويد القدس والحرم القدسي، ووضع حجر الأساس لبناء هيكلهم، لن ينفع معه كل “العويل التهديدي” بأن ذلك سيشعل “حربا دينية”، ويحرق الأخضر واليابس، كلام أصبح سماعه تجسيدا للسخرية المطلقة.
تراجع الرئيس عباس عن “التهديد الغاضب” رسالة لحكومة “الفاشية الجديدة” في تل أبيب، بأنها حققت بعضا من هدفها السياسي نحو حصار كامل للرسمية الفلسطينية، وشل قدرتها عن حراك كان له أن يضعها في “قفص الارتباك”، والرد على ما سيكون.
تراجع الرئيس عباس عن “التهديد الغاضب” رسالة سلبية لشباب حركة فتح، الذين يعيشون زمنا، ربما هو الأصعب في تاريخ “أم الجماهير”، وسط عثرات داخلية وتوترات وتشرذم أصاب بعضا منها، وبحثا عن “محاصصة” لما سيكون مستقبلا، رغم أنها الحركة التي تدفع ثمنا في مواجهة سلطات الاحتلال أضعاف لغيرها، المعتاشين على “مقاومة الذباب الإلكتروني”، دون أن يقدمون جريحا، بل يشاركون تآمرا.
تراجع الرئيس عباس عن “التهديد الغاضب”، رسالة للدول العربية من أي التزام بالمواجهة التي كان يفترض أن تكون، لو أكمل الرئيس عباس “حركة الغضب” بخطوات سياسية محددة.
وكي لا يخسر الرئيس عباس كل ما تبقى له “رصيدا سياسيا”، عليه أن يتخذ “خطوات قصيرة” تعطي لغضبه بعضا من صدقيه، وتبقى على أدوات الاستخدام لغيرها ممكنا، ويربك بها “مشهد الركون – البلادة” القائم، خاصة وأن حكومة الإرهاب في تل أبيب قدمت له كل مبررات لها.
خطوات قصيرة، لن تذهب لفتح معركة كبرى، وبعد رفض الفاشي بينيت لقاء الرئيس عباس منها:
* وقف الاعتراف بدولة الكيان وفقا لرسالة “الاعتراف المتبادل” حتى تعود الى الاعتراف بالممثل الشرعي.
* الغاء استخدام “السلطة الفلسطينية” من كل الأوراق الرسمية والمعاملات، وتصبح دولة فلسطين، دون أن يذهب الى إعلان مباشر “دولة تحت الاحتلال”، ويمكن يتم تأجيلها الى حين زمن سياسي متفق عليه وطنيا.
* اعتبار الحكومة حكومة لدولة فلسطين، وليس حكومة سلطة.
* اعتبار المجلس المركزي، برلمان الدولة وهو “المرجعة القانونية التشريعية” لدولة فلسطين الى حين.
* إعادة النظر كليا في آلية التنسيق الأمني والمدني، بما يعيد الاعتبار لمفهوم “الندية السياسية”، أي لا توجد “خدمات مجانية”.
* وقف الاتصال بالممثلين الأمريكان الى حين رفع منظمة التحرير من “قوائم الإرهاب”، وهذه ليس مسألة يتم التعامل معها بـ “نطالب” بل يجب اتخاذ قرار محدد بذلك.
“خطوات صغيرة قصيرة” ليس وفق المطلوب تنفيذه من قرارات “فك الارتباط”، لكنها تعيد الاعتبار لمصداقية الرسمية بأنها بدأت العمل نحو ما قررت، وتسير وفق معادلة “اللا صدام الشامل”، نحو إعلان دولة فلسطين، دولة تحت الاحتلال على طريق تثبيت عضويتها عاملا وليس مراقبا في الأمم المتحدة.
دون ذلك، الطريق يصبح مفتوحا ومشرعا أمام نهاية تاريخ وطني واستبداله بتاريخ مسخ جديد، من قوى بلا تاريخ في المشروع الوطني.
ملاحظة” كشفت “غزوة القرية البدوية” لقوات أمن “حكم المرشد” في غزة، فضيحة سياسية مضافة لهدم البيوت، عندما حاولت استنفار قطيعها لحماية “مشروعهم” من “العدو”..حكومة ترى أهل غزة عدوها ليست سوى “حكومة لقيطة”..زمنها لن يطول!
تنويه خاص: خلال تواجدها للمشاركة في مهرجان بأندونيسيا، أقدمت ملكة جمال فلسطين “لورين امسيح” على ارتداء زي أسرى القضية في سجون الاحتلال، في خطوة سياسية – إعلامية فاقت آلاف الكلمات المبعبعة..لورين أكدت أن “الفلسطنة” جين وليس هوية فقط!
Comments are closed.