بمشاركة الرجل المقرب عباس إبراهيم ترسيم حدود لبنان وإسرائيل البحرية: “حزب الله” حاضر في المفاوضات

تهتم بعض الأوساط السياسية في لبنان التي تترقب نتائج الزيارة الأخيرة للوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل في ملف ترسيم الحدود البحرية، آموس هوكشتاين إلى اهتمام “حزب الله” العلني هذه المرة بهذا الملف، ليس فقط من باب توجيهه الإنذارات لإسرائيل بوجوب وقف استخراج الغاز من منطقتها الاقتصادة الخالصة، بل أيضاً من زاوية اهتمامه المباشر بالمفاوضات الجارية. حسب موقع “اندبندنت عربية”.

ومع أن زيارة هوكشتاين في 13 و14 يونيو (حزيران) إلى بيروت جاءت بعد تصاعد التهديدات المتبادلة بين إسرائيل و”حزب الله” حين لوح أمينه العام حسن نصر الله بمنع السفينة التي وصلت إلى المياه الإقليمية من استخراج الغاز من حقل “كاريش”، ورد عليه الجانب الإسرائيلي مهدداً بقصف آلاف الأهداف في لبنان، فإن وقائع لقاءات الوسيط الأميركي كشفت بعض المظاهر التي تؤشر إلى أن الحزب ليس بعيداً من المفاوضات الجارية.

هوكشتاين تلقى جواباً عن تصعيد “حزب الله” 

كان “حزب الله” يكتفي في السابق بترك عملية التفاوض لحليفه الأقرب في “الثنائي الشيعي” رئيس البرلمان نبيه بري، فيطلع منه على أدق التفاصيل التي تتخللها، فضلاً عن تلقيه تقارير عنها من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي قال عنه نصر الله، إنه موثوق وصلب… لكن زيارة هوكشتاين الأخيرة رافقتها وقائع عن موقع الحزب في هذه المفاوضات.

وفضلاً عما تسرب بأن هوكشتاين نفسه طرح أسئلة حول موقف “حزب الله” من المفاوضات والعرض اللبناني الذي قدمه رئيس الجمهورية باقتراح خط للترسيم هو “أكثر من الخط 23″ المتفق منذ أكثر من سنة على أنه الذي يضمن حق لبنان، و”أقل من الخط 29 ” كما قال مصدر رسمي، فإن إشارات عدة أفادت بأن الحزب واكب كافة التفاصيل.

 وكرر مسؤول لبناني لـ”اندبندنت عربية” القول، إنه حين “نسأل قادة الحزب عن بعض التصريحات النارية التي يدلون بها في شأن ترسيم الحدود يردون بأن على السلطة ألا تتوقف كثيراً أمام هذه التصريحات، وينصحون بمتابعة التفاوض بجدية”.

اللقاءات الفرنسية مع الحزب: تجنب التصعيد

كما أن هوكشتاين الذي التقى في بيروت السفيرة الفرنسية آن غريو، التي كانت التقت قبل أسبوعين من قدومه قياديين من “حزب الله” في إطار اللقاءات الدورية التي يجريها الجانب الفرنسي معهم، أطلعته على ما توفر لديها من معلومات في هذا الصدد، خصوصاً أن دبلوماسيين من السفارة عادوا فالتقوا هؤلاء القياديين مجدداً بعد تصريحات نصرالله في 9 يونيو، التي لوح فيها بمنع السفينة “إينرجين باور” من بدء استخراج الغاز بالوسائل العسكرية، قبل معالجة الخلاف على المنطقة البحرية المتنازع عليها.

وإذ تكتمت مصادر السفارة الفرنسية على ما نقلته السفيرة غريو إلى هوكشتاين، فإن مصدراً دبلوماسياً فرنسياً أوضح “أن لقاءاتنا ليست سرية بل دائمة كما نلتقي سائر الفرقاء في هذه المرحلة، لا سيما بعد حصول الانتخابات النيابية لنناقش الاستحقاقات التي تليها والاتفاق مع صندوق النقد الدولي وضرورة تسريع تأليف الحكومة المقبلة، وكذلك أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها الدستوري، وكذلك موضوع التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، الذي بحثناه معهم، باعتباره واحداً من عناصر حفظ الاستقرار في المنطقة الذي يجب الحرص عليه وعدم القيام بما يؤدي إلى تقويضه أو تصعيد التوتر، بل السعي إلى توحيد الموقف لتحديد ما يريده سائر اللاعبين اللبنانيين والتعاطي بجدية ووضوح. وقد عبر هوكشتاين عن ذلك بقوله، إنه وجد جدية لدى الجانب اللبناني أكثر.

وعما إذا كان الحزب منخرطاً بالمفاوضات بشكل أو بآخر قال المصدر الدبلوماسي الفرنسي، “هم حاضرون في المفاوضات حول الترسيم”.

مشاركة الرجل “الموثوق”

مؤشرات حضور الحزب في المفاوضات يعددها أكثر من مصدر سياسي بارز بالإشارة إلى دور المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في صلبها هذه المرة أكثر من أي لقاءات سابقة مع الجانب الأميركي حول الترسيم. وإضافة إلى اطلاع الحزب من خلال علاقته الخاصة مع بري ومع عون، فإنه يتعاطى مع اللواء إبراهيم على أنه مسؤول أمني كبير موثوق من قبله. وتعدد هذه المصادر السياسية وقائع عدة كالآتي:
   

ليونة لبنانية بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل

– أن اللواء إبراهيم كان زار واشنطن قبل إيفادها هوكشتاين إلى لبنان لتحريك المفاوضات الجامدة منذ أكثر من 4 أشهر. وهو شارك في حث المسؤولين الأميركيين على إيفاده إلى بيروت لأن لدى المسؤولين أفكاراً جديدة من أجل تفعيل التفاوض على الترسيم، لا سيما بعد انتقال إسرائيل إلى مرحلة الإنتاج من حقل كاريش، فيما لبنان لم يتمكن بعد من بدء الحفر في حقل قانا الذي يطالب بالحصول عليه كاملاً من دون أن يتشارك مع إسرائيل فيه باعتباره يتخطى الخط 23.

– أنه على تواصل دائم مع هوكشتاين هاتفياً. ولذلك زاره الأخير فور وصوله إلى بيروت، وقبل اجتماعه مع الرؤساء الثلاثة المولجين بالتفاوض على الترسيم، لاستطلاع الموقف منه. وكان اللواء إبراهيم اجتمع إلى بري قبل يومين من وصول الوسيط الأميركي.

– أن اللواء إبراهيم حضر اجتماع هوكشتاين والوفد المرافق مع عون، الذي عرض خلاله الأخير اقتراح لبنان بترسيم الحدود على خريطة أطلعه عليها، وفق خط جديد يضمن حصول لبنان على كامل حقل قانا، ثم حضر اجتماعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

وفي معلومات المصدر السياسي نفسه أن إبراهيم من “مؤسسي حالة الوساطة التي يقودها هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل، من خلال اتصالاته ذات الطابع الأمني مع رجالات في المؤسسات الأميركية”.

كما يلفت إلى أن منصب هوكشتاين في الخارجية الأميركية هو “كبير المستشارين في شؤون أمن الطاقة”، وهو موقع يجعله على تماس مع اللواء إبراهيم، الذي لم تقتصر زيارته الأخيرة إلى واشنطن على البحث في المساعدة في سبل الإفراج عن رهائن أميركيين في سوريا، منهم المصور الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي احتجز فيها في عام 2012 ، وما زال مصيره مجهولاً، بل تعدتها إلى أمور أخرى.

“الكنز في البحر”

لكن المؤشرات عن انغماس الحزب في مفاوضات الترسيم لم تقف عند هذه الوقائع. فرئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد علق في 17 يونيو للمرة الأولى في كلمة له، “إن اللبنانيين يترقبون بحذر كبير النتائج التي ستسفر عنها تدخلات المبعوث الأميركي في ملف الحدود البحرية للبنان”. 

ومع أنه وصف الوساطة بـ”التدخلات” لأن الحزب لا يعتبر هوكشتاين وسيطاً نزيهاً، فإنه أشار إلى أن من حق اللبنانيين “أن يتمكنوا بأقل كلفة وأقصر وقت وأيسر السبل، من أن يستثمروا ثروتهم الوطنية من الغاز الطبيعي، وأن يستخرجوها دون عوائق أو مكابدة نزاع”. 

وبات معروفاً كما أعلن نصر الله قبل أكثر من أسبوع، أن الحزب شكل فريقاً لمتابعة قضية ترسيم الحدود وملف ثروة لبنان الغازية والنفطية. ويعتبر الحزب أن استغلال ما سماه “الكنز في البحر” هو “الأمل الوحيد” للبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها، لأنه يعتبر أن الوسائل الأخرى ومنها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يطرح الشروط على السلطة اللبنانية بضغط من واشنطن على لبنان مقابل تقديم المساعدة المالية إليه وهدفها إخضاعه سياسياً.

فهي تشمل ضبط مداخيل الدولة اللبنانية بما فيها الحدود بين لبنان وسوريا من أجل منع التهريب الذي يستنزف الخزينة ويحرمها من المداخيل الجمركية. والحزب هو المتهم الأول بالتسبب بإبقاء الحدود سائبة، أولاً لأنها معبره العسكري المفتوح إلى سوريا من أجل نقل مقاتليه الذين يشاركون في القتال هناك، وفي الانتشار مع الميليشيات الموالية لإيران في مناطق نفوذها في بلاد الشام، وثانياً لأنها الوسيلة الرئيسة لتهريب الأسلحة والصواريخ التي تنقلها إيران إلى سوريا، لمصلحته، كي ينقلها إلى لبنان.

الاستعداد للاحتمالين

في انتظار الجواب الإسرائيلي على العرض اللبناني، الذي وعد هوكشتاين بالحصول عليه خلال أسبوع، تذهب بعض الأوساط المراقبة لسلوك “حزب الله” حيال التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، إلى القول، إن قيادته وضعت نفسها في موقع التهيؤ لكل الاحتمالات في هذا الملف.

وإذا كان اللبنانيون اعتادوا على أن يستخدم الحزب نفوذه في لبنان من أجل ممارسة الضغط على الغرب وأميركا، لمصلحة إيران، بفتح بالتلويح بمجابهة مع إسرائيل، أو بتوتير الجبهة في الجنوب اللبناني، فإنه قام بربط نزاع حين هدد نصر الله بمنع السفينة اليونانية من مباشرة عملها في استخراج الغاز من حقل كاريش بالوسائل العسكرية، بحجة أن استمرار النزاع على الحدود يمنع لبنان من استغلال ثرواته الدفينة.

ويكون الفتيل هو تعقيد المفاوضات حول الترسيم. وهذا الاحتمال مرتبط بمدى حاجة طهران إلى استخدام الحزب عسكرياً، إذا تصاعدت الضغوط الأميركية الإسرائيلية عليها بسبب انسداد أفق محادثات فيينا ورفع درجة تخصيبها لليورانيوم وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي في مفاعلاتها النووية. ومقدمات تصعيد إسرائيلي عسكري، مدعوم أميركياً قائمة كل يوم. ولذلك يتم التعامل مع المفاوضات التي يقودها هوكشتاين على أنها تتم على صفيح إقليمي ساخن، لا يمكن لأحد التنبؤ بتداعياته، خصوصاً من الجانب الإيراني.

أما إذا كانت طهران ترى الإبقاء على “الستاتيكو” الراهن، وعلى تجميد مفاوضات فيينا في سياق سياسة ربح الوقت في انتظار الانتخابات الأميركية النصفية، فإن الحزب أخذ موقع التناغم مع هذا التوجه لمجرد قول النائب رعد باستخراج الغاز من دون أن “يكابد” الشعب اللبناني جراء النزاع. وهو يكتفي في هذه الحال بمواكبة دقيقة لمفاوضات الترسيم، التي قد تسمح بإنتاج اتفاق قريب، يريده حليفه الرئيس ميشال عون كإنجاز في آخر عهده يفتح آفاقاً إيجابية للبنان والاستثمارات فيه”.

Comments are closed.