بقلم: بكر أبوبكر
زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة كانت حافلة بالتوقعات والافتراضات. فمن قائل أو محلل أنها ستؤسس لناتو عربي-اسرائيلي، ومن قائل أنها بداية النهاية للأمة العربية التي بدأت تنجرف نحو التطبيع الكامل مع إسرائيل دون أدنى اعتبار للقضية الفلسطينية، وبالاتجاه الآخر اعتبر العديد أن المصالح السياسية-الاقتصادية يجب ان تسود بين دول المنطقة بما فيها إسرائيل دون عُقَد! وان الدول العربية تعرف ما تفعل.
الأصوات المغايرة من الصحافة الاجنبية وخاصة الاميركية ركزت على الوضع الداخلي الأميركي وما يمكن أن يحققه الرئيس بايدن بهذا الشأن فيما تحدث عنه في مقاله “بواشنطن بوست”، ثم لاحقًا بإشاراته في جدة، حول مواجهة عدوه الرئيس الصين وروسيا، والاهتمام بالطاقة وسلاسل التوريد والممرات، والانتخابات لديه، وتكتيل المنطقة في مواجهة القوة العالمية الصاعدة وضد إيران، إضافة لسعيه الحثيث لتثبيت إسرائيل قوة مركزية محورية في المنطقة.
لا شك أن فكرة المصافحة لولي العهد السعودي كانت مثار نقاش على عادة الصحف الاجنبية التي تجعل الآخر متوترًا ويقف على قدم واحدة، فيقدم أقصى ما لديه مسبقًا إرضاء للسطوة الاميركية القادمة كهبوب الريح تكتسح المنطقة، ما لم يحصل من ولي العهد السعودي.
ما بين الحفاظ على أمن إسرائيل وتواصل دعمها الذي هو سياسة أميركية منذ موافقة الرئيس الاميركي ولسون على وعد بلفور عام 1917، فإن فكرة التطبيع العربي التي يسعى لها الاميركي مع الإسرائيلي تجعل الأميركي كما الإسرائيلي يتحلل شيئا فشيئا من القيام بدوره في القضية الفلسطينية، في سعي لعكس ذلك على العربي.
ما حصل من الزيارة للرئيس الاميركي بالمنطقة، أثبت بما لا يدع مجالا للشك 4 نقاط رئيسة هامة يمكن البناء عليها:
أولاها: أن الانحياز الاميركي الرسمي وعبر الحزبين لإسرائيل هو قرار يدخل في صلب الامن القومي الاميركي، فلا خلاف عليه عندهم، وإنما تتنوع العروض والعزف على ذات وتر تعزيز قوة وهيمنة وامن إسرائيل بالمنطقة بشكل أو بآخر، رغم بعض الأصوات اليسارية الاميركية المنصفة.
اما النقطة الثانية فلقد أثبتت جولته في المنطقة العربية أن العرب رغم ضعفهم وخلافاتهم مازالوا يعتبرون فلسطين أو القضية الفلسطينية شأنا من شؤونهم، وإن تم التعبير عن ذلك بأشكال متفاوتة من التراخي أوالاعتدال أو الانسحاب الخجول، ما ظهر في كلمات الامراء والرؤساء في قمة جدة وماذاك إلا لأن القضية عادلة، ولن يستطيع اي زعيم أن يتخطى رقاب المصلين جميعًا ليقفز للصفوف الأولى دون فلسطين مهما فعل أو ظن بذلك أنه يخدم عرشه أوشعبه أو أمته.
اما النتيجة الثالثة فهي أن المطالب الفلسطينية مازالت كما كانت منذ استقر الرأي العربي والفلسطيني على الحل المرحلي ممثلًا بالصيغة الأمثل والأدق سياسيًا أي استقلال دولة فلسطين -القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني- تحت الاحتلال، والتي يتم التعبير عنها جدلًا باسم حل الدولتين.
اما رابعًا ولربما المفاجأة لدى الأميركي أن كل إشارات الإزدراء أو الاستخفاف وإظهار عدم الاحترام للعرب قد انعكست ضده، فالأمة رغم كل ما يقال باتت تفهم مصالحها جيدًا ولو كان لديها فقه الوحدة السياسية الاقتصادية الثقافية لوقفت كالنمر العربي الأبيض لتقول “لا” بالفم الملآن للكثير،… عمومًا هو باعتقادي أبصر إشارات لم تعجبه، فإن كانت المصالح الاقتصادية هي الحكم فلنا مصالح مع روسيا والصين وإيران.
قال حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل في أحد خطاباته أن: “العربي بكسله وسذاجته يحول البستان المزدهر إلى صحراء مقفرة”! وما أظن الاميركي-الصهيوني المتفاخر بصهيونيته إلا وشهد كذب هذه المقولة ، ما يستدعي منّا البناء بالحائط العربي الاستنادي بقوة ، والتحرك وعدم إبقاء المنطقة في فراغ القطيعة أو الافتراق العربي، بتكبير عوامل الاتفاق وتوسيع مساحات اللقاء، ففلسطين أكبر منا جميعًا.
Comments are closed.