كتب: د . أسامه الفرا
الفلتان الأمني الذي يطل علينا بوجهه القبيح بين فترة وأخرى هو عمل مرفوض جملة وتفصلاً، ولا يمكن لنا إلا أن نضعه في خانة العمل المشبوه الذي يتقاطع بنتائجه مع ما يرمي إليه الاحتلال بغض النظر عن شكله ولونه ودوافعه وأدواته، والفلتان الأمني كل لا يتجزأ حتى وإن تباينت نتائجه السلبية بين شكل وآخر، والتصدي له وإجتثاثه واجب وطني بغض النظر عن الجغرافيا التي يتواجد فيها، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة فلا بد وأن نقف جميعاً معها في ملاحقتها لمفتعليه ومشعلي نار الفتنة ومن يقف خلفهم ومن يوفر الحاضنة لهم، كونه لا يهدد فقط أمن المواطن الذي لا يجوز تحت أي سبب من الأسباب المساس به بل له تداعياته الخطيرة على النسيج المجتمعي والسلم الأهلي، وهو بمثابة خلايا سرطانية تنهش عظام الوطن.
إن التهاون في التعامل مع كل مظاهر الفلتان الأمني لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة، ولا يمكن القبول بارتداء مرتكبيه ثوب الوطنية، ومن غير المقبول على أي فصيل أن يشكل ملاذاً لهم وألا نسمح بالخلط تحت أي حجة بين البندقية المقاومة الموجهة نحو الاحتلال وتلك التي تستهدف أمن وأمان المواطن، فالرصاصة التي لا تكون وجهتها الاحتلال هي رصاصة مشبوهة بغض النظر عمن أطلقها، واستخدام السلاح في غير مقاومة الاحتلال يفقده شرعيته ويجعل منه أداة جريمة تستهدف الوطن قبل الأفراد.
لطالما منحت الفصائل الفلسطينية غطاءاً تنظيمياً للزعرنة من قبل أفرادها وكوادرها، وأخذتها العزة بالإثم في الدفاع عنهم ومنع ملاحقتهم القضائية، بل أن غالبية الزعران انتمت إلى هذا الفصيل أو ذلك لأنها وجدت فيه ملاذاً آمناً ليكون فوق القانون، ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا بأن ذلك يقف خلف فوضى إستخدام السلاح وعدم انضباطه للمهمة التي وجد من أجلها، وهو السبب الرئيسي في ظاهرة الفلتان الأمني التي نعاني منها، والفلتان الأمني الذي نقصده هنا لا يتوقف فقط على ذلك المتعلق بالجريمة المكتملة الأركان بغض النظر عن دوافعها، بل يشمل أيضاً استخدام السلاح في المشاجرات التنظيمية والعائلية وفي الأفراح وعند ظهور نتائج الثانوية العامة ولدى استقبال الأسرى المفرج عنهم وعند تشييع الشهداء، ناهيك عن العبث بالسلاح والذي راح ضحيته الكثير من أبناء شعبنا، ألم يكن السلاح المستخدم في كل ذلك هو سلاح تنظيمي كما نطلق عليه؟، ألم نجعل منه سلاحاً مقدساً لا يجوز الاقتراب منه حتى وإن استخدم في غير موضعه؟
سنبقى نعاني من ظواهر الفلتان الأمني طالما قبلنا بمبدأ أن التنظيم فوق القانون وسلاحه يتمتع بحصانة لا تسمح لأحد بزعزعتها، وعلينا أن نقر بأن سلاح المقاومة “الذي يجب أن نحافظ عليه” مرتبط بأن تكون وجهته الاحتلال ومتى إنحرف عنها فقد شرعيته وقدسيته، فالسلاح المستخدم في المشاجرات العائلية لا يمكن أن يحتمي بتنظيم، واستخدام السلاح في الزعرنة في المناسبات المختلفة لا يجوز السماح له بأن يلتصق بسلاح المقاومة، وسياسة الباب الدوار المتعلقة بالسلاح المنفلش يجب أن تنتهي، وأن إستخدام السلاح من قبل أي شخص مهما علا شأنه في غير العمل المقاوم المتفق عليه يعرض صاحبه لملاحقة قانونية لا يحميه منها لا تنظيم ولا عشيرة ولا عرف وعادة ولا أصحاب نفوذ وسلطان.
ما تعرض له د ناصر الدين الشاعر هو عمل مدان ومستنكر من الكل الفلسطيني ويتقاطع مع سياسة الاحتلال، كما هو الحال ما كل الجرائم الناجمة عن الفلتان الأمني بمسمياته المختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي تصب في خدمة الاحتلال، ومن غير اللائق بأي حال من الأحوال أن تواصل الفصائل الفلسطينية سياسة تسجيل النقاط على الآخر أمام ظاهرة يمكن أن يتجرع الجميع مرارتها “وإتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”، ويجب ألا يغيب عنا الأيدي الخفية للاحتلال التي تحاول العبث في جبهتنا الداخلية، ومن الحكمة أن ننبذ كل مظاهر الفلتان الأمني في شقي الوطن ونعمل سوياً على إنفاذ القانون وملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة وفي ذلك نجاة للوطن من هذه الآفة.
Comments are closed.