قالت أربعة مصادر مطلعة، إن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى تهيئة الأجواء وتمهيد الطريق أمام تحالف أمني مع دول عربية يربط أنظمة الدفاع الجوي بينها في مواجهة الهجمات الإيرانية بالطائرات المسيرة والصواريخ في الشرق الأوسط.
وقال مصدران على دراية بالخطة إن الفكرة التي ستعتمد على استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية قد تكتسب قوة دافعة جديدة خلال رحلة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية من 13 إلى 16 يوليو تموز.
وتصاعد التوتر الإقليمي بسبب برنامج طهران النووي، فيما تعرضت إسرائيل والسعودية والإمارات وأجزاء من العراق لضربات جوية باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ أعلنت ميليشيات مدعومة من إيران مسؤوليتها عنها.
وقالت المصادر الأربعة إن المناقشات ما زالت في مرحلة مبكرة وإن الفكرة تواجه بالفعل معارضة في عواصم عربية عدة ترفض التعامل مع إسرائيل.
لكن وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس قال الشهر الماضي إن تحالف الدفاع الجوي الناشئ برعاية الولايات المتحدة “في طور التشغيل والعمل” ويمكن لزيارة بايدن أن تضخ الدماء في عروقه. وأضاف أن النظام أحبط بالفعل محاولات هجوم إيرانية.
وقال مسؤول إسرائيلي لرويترز طالبا عدم نشر اسمه إن الدول المشاركة تجعل أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها تعمل بالتزامن من خلال الاتصالات الإلكترونية عن بعد، دون استخدام المنظومات نفسها.
وقدمت إسرائيل في السنوات القليلة الماضية عروض تعاون دفاعي للدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة التي تشاركها المخاوف إزاء إيران، لكن التقديرات الأمريكية تشير إلى أن غانتس يبالغ على ما يبدو في تقدير مدى تقدم هذا التعاون الأمني.
من جانبهم، أبدى عرب الخليج تحفظهم وتجنبوا الحديث عن الفكرة في العلن.
وقال مصدر مطلع في واشنطن إنه في حين أن بايدن سيناقش التنسيق الأمني الإقليمي الأوسع نطاقا، والذي يشمل إسرائيل حليفة واشنطن الوثيقة، في قمة خليجية ترأسها السعودية الأسبوع المقبل، فمن غير المتوقع الإعلان عن اتفاق رسمي.
وبحسب ثلاثة من المصادر، تتضمن الخطة إقامة شبكة رادارات وأنظمة رصد واعتراض بين السعودية وسلطنة عمان والكويت والبحرين وقطر والإمارات والعراق والأردن ومصر، بمساعدة التكنولوجيا الإسرائيلية والقواعد العسكرية الأمريكية.
* عزل إيران
تتيح المنظومة لهذه الدول، وخاصة إسرائيل والسعودية والإمارات، رصد التهديدات الجوية قبل الوصول لحدودها.
وقال أحد المصادر إن مسؤولين إسرائيليين طرحوا فكرة نظام الدفاع الإقليمي في اجتماع للقيادة المركزية الأمريكية حضره مسؤولون عسكريون من السعودية وقطر والإمارات ومصر في شرم الشيخ في مارس آذار.
وأضاف أحد المصادر، طالبا عدم نشر اسمه، أن “الاقتراح يتعلق بمنظومة رصد مشتركة، تقوم كل دولة فيها بإخطار الآخرين في حالة رصد هجوم”.
ووصف مسؤول إسرائيلي كبير في واشنطن على اطلاع برحلة بايدن جهود تشكيل تحالف بأنها “هدف تم تحديده”.
وأضاف “أمامنا طريق طويل، والولايات المتحدة تدعم ذلك”.
وتأمل واشنطن أن تساعد زيادة التعاون في اندماج إسرائيل في المنطقة وعزل العدو اللدود إيران.
تأتي خطة الدفاع الإقليمي وسط جمود على مدى شهور في محادثات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي يحد من أنشطة إيران النووية. وتقول واشنطن إن إيران أحرزت تقدما بصورة تنذر بالخطر في مجال تخصيب اليورانيوم، وهو وسيلة محتملة لصنع أسلحة نووية. وتنفي إيران سعيها لامتلاك أسلحة ذرية.
كان للمخاوف الإسرائيلية من نتيجة المفاوضات النووية، وتهديداتها باتخاذ إجراءات عسكرية أحادية الجانب ضد إيران، صدى في العواصم الغربية.
وتقول إيران التي تملك واحدة من أكبر منظومات الصواريخ في المنطقة إن الأنشطة العسكرية المشتركة بين إسرائيل ودول عربية في الخليج تحركها “دوافع اليأس”.
* مقاومة عربية
رغم الضغط الأمريكي باتجاه التعاون في مواجهة إيران، هناك مقاومة في دول عربية مثل العراق وقطر والكويت لمثل هذا التوجه.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن طلب عدم كشف هويته “هناك وجهات نظر متباينة في عواصم مختلفة”.
وأضاف “لا نحاول إنشاء منظومة ذات تسلسل هرمي تديرها قيادة عليا.. وإنما نحاول البناء على العلاقات الموجودة، بعضها ظاهر، وبعضها خفي”.
والعراق مثال رئيسي لمدى صعوبة انضمام دول عربية إلى التحالف. فلطهران نفوذ واسع من خلال الجماعات المسلحة والساسة الشيعة بما يجعل في حكم المؤكد أنها ستمنع أي مسعى للمشاركة في اتفاق أمني.
وفي مايو أيار، وافق البرلمان العراقي على قانون يحظر تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في وقت أقامت دول عربية عدة علاقات رسمية معها.
لم يعترف العراق قط بإسرائيل منذ إنشائها سنة 1948، ولا يمكن للمواطنين والشركات العراقية زيارة إسرائيل، لكن القانون الجديد يذهب لما هو أبعد من ذلك، إذ “يجرم” أي محاولات للتطبيع مع إسرائيل.
وقال مستشار أمني عراقي كبير إنه لم تُقدم أي خطة رسمية إلى بغداد للدخول في اتفاق يضم إسرائيل في مواجهة إيران، وبالتالي فإن فكرة التحالف غير واردة من الأساس.
وقالت المصادر إن السعودية والإمارات تحسبان خطواتهما بحذر شديد للحفاظ على العلاقات الوليدة مع طهران.
* مشكلة الثقة
قالت حكومة الإمارات إنها ليست طرفا في أي تحالف عسكري إقليمي ضد أي دولة بعينها وليس لديها معلومات عن أي محادثات رسمية. ولم ترد السعودية والكويت وعمان والبحرين ومصر والأردن على طلبات للتعليق.
وتحلم واشنطن بأن تمهد زيادة التعاون على صعيد الأمن الإقليمي الطريق أمام مزيد من اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، التي أقامت علاقات مع الإمارات والبحرين سنة 2020.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن الصيد الثمين والجائزة الكبرى هي التطبيع مع السعودية، لكن الرياض تقول إن مثل هذا التطبيع يجب أن يكون مقرونا بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية. ويقول مسؤولون أمريكيون إن التطبيع بين السعودية وإسرائيل حلم بعيد المنال.
وربما يساعد التعاون السعودي الإسرائيلي أيضا في إصلاح العلاقات بين واشنطن والرياض بعد أن توترت بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وحرب اليمن وزيادة أسعار النفط.
ويقول خبراء إن إسرائيل تتمنى لو يثمر تحالف دفاعي عن صفقات لبيع أنظمة دفاع صاروخي للخليج، بما في ذلك منظومة القبة الحديدية ومقلاع داود التي يمكن لها أن تعمل مع بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية التي تستخدمها دول الخليج منذ زمن.
وقال جيريمي بيني، المتخصص في شؤون الدفاع بالشرق الأوسط في شركة جينيس، إن وجود الرادارات على سواحل الخليج سيمنح إسرائيل ميزة الحصول على إنذار مبكر إضافي في حالة وقوع هجمات، مما يجعلها على الأرجح المستفيد الأكبر من أي تحالف.
وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن بايدن سيزور قاعدة بلماحيم الجوية في إسرائيل لتفقد منظومات الدفاع ومنها أنظمة “أرو” و”مقلاع داود” و”القبة الحديدية” ونظام اعتراض يعمل بالليزر.
وقالت ياسمين فاروق من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن فكرة الدفاع الصاروخي المتكامل تعود إلى سنوات خلت وإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة حاولت التغلب على مشكلة غياب الثقة عند دول الخليج فيما يتعلق بتبادل معلومات المخابرات.
وأضافت أن التهديدات المتزايدة من إيران وحلفائها الحوثيين في اليمن قد تحتل موقع الصدارة في سلم الأولويات متقدمة على “مشاكل الثقة” لدى دول الخليج العربية.
وأضافت “لكن العمل مستمر”.
Comments are closed.