كتب: هاني عوكل
تعود سياسة التكتلات والأحلاف إلى الواجهة من جديد مع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وسعي الولايات المتحدة الأميركية إلى «شيطنة» كل من موسكو وبكين، والاقتراب أكثر إلى الاتحاد الأوروبي بجعل روسيا أكبر تهديد يواجهه العالم وأوروبا الغربية على وجه الخصوص.
ثمة تغيرات سريعة واستراتيجية تحدث وستحدث في خريطة القارة الأوروبية بسبب الحرب الحالية على أوكرانيا، وهي تغيرات تسهم في ضمان التفوق الأميركي في العالم مع توسيع نفوذه في أوروبا وبيع ونشر الأسلحة الأميركية في هذه القارة.
منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، أرسلت الولايات المتحدة حوالي 40 ألف جندي لتعزيز وجودها العسكري في دول حلف «الناتو»، وتقضي الاستراتيجية الجديدة بإعادة توزيع الجنود والأسلحة الأميركية في دول أوروبا الشرقية تحت بند حمايتها من أي تهديدات روسية.
لأول مرة في التاريخ تتفق دول الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» على اعتبار روسيا أكبر تهديد لها، ومن شأن هذا الاتفاق أن يعيد أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين برز مصطلح المعسكرين الغربي والشرقي إبان صعود القوتين العظميين آنذاك الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي السابق.
تسليح أوروبا الشرقية المنتمية إلى المعسكر الغربي سيعني بالنسبة لروسيا تهديدا يستدعي نشر صواريخها الباليستية وربما النووية باتجاه أقرب الدول الأوروبية على حدودها، وكذلك باتجاه الدول المهمة وصانعة السياسة في الاتحاد الأوروبي.
«الناتو» أخذ قراره بزيادة عدد أعضائه مع موافقة تركيا على انضمام كل من السويد وفنلندا إلى الحلف، وقرّر كذلك تحشيد وجوده العسكري من بحر البلطيق إلى البحر الأسود بزيادة عدد قوات التدخل السريع إلى 300 ألف جندي.
ويقضي قرار «الناتو» بإجراء إصلاح جذري في مفهوم الدفاع الجماعي، وتسهيل إقامة القواعد العسكرية الأميركية في دوله، ومن غير المستبعد أيضاً أن يبحث إلى جانب الاتحاد الأوروبي في سبل توسيع نطاقه الجغرافي باحتمال انضمام دول مثل جورجيا.
ستشهد الأيام والأشهر المقبلة إعادة انتشار القوات والسلاح الروسي من جهة، وكذلك القوات والسلاح الأوروبي والأميركي من جهة أخرى في القارة الأوروبية، وربما تلجأ موسكو إلى تزويد حلفائها من الدول مثل روسيا البيضاء بصواريخ باليستية يتجاوز مداها 500 كيلومتر وقادرة على حمل رؤوس نووية.
وفي هذه الحالة، سيسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التقرب أكثر من الصين والهند لتسويق النفط والغاز الروسي، في ظل الضغط الأميركي على الشركاء الأوروبيين لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية من موسكو.
حتى يتمكن بوتين من مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، عليه أن يعتمد على حليف قوي يتفق معه في الموقفين السياسي والاقتصادي، وبالتالي قد تكون بكين هي منقذ روسيا من ورطة المواجهة التي تشتد يوماً بعد يوم مع الغرب.
وفي حين تندفع واشنطن بقوة إلى أوروبا لتعزيز السيطرة عليها، لا تجد موسكو من مهرب سوى بتأكيد التقارب مع الحلفاء التقليديين في كوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وسورية، وستعمل على إحياء منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها إلى جانب روسيا البيضاء وأرمينيا وكازخستان وقرغيزستان وطاجيكستان.
الآن، سيكون لأوروبا الغربية والشرقية حصة كبيرة في صادرات سوق السلاح الأميركي، وسيعني ذلك أن هذه الدول ستزيد الإنفاق العسكري وسنكون أمام محطة قديمة جديدة من السباق نحو التسلح وأوروبا هي مسرح هذا السباق.
وقد يؤدي هذا التسخين بين الولايات المتحدة وأوروبا بمظلتيها الاتحاد الأوروبي و»الناتو»، إلى التفكير الروسي بإعادة تغيير خريطة أوكرانيا الجغرافية والتواجد الدائم هناك على خلفية هذه الأجواء المتوترة، وبالطبع تتمنى واشنطن أن ترابط روسيا في أوكرانيا حتى وقت طويل.
منذ استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، كان حلف «الناتو» في سبات عميق ولم يتجاوز عدد جنوده في أوروبا حوالي 13 ألف جندي. أما، اليوم، ومع تعزيز الوجود العسكري الأميركي هناك، يوجد ما يقرب من 100 ألف جندي والعدد في تزايد مستمر.
قد تشهد التطورات في المستقبل القريب ولادة أحلاف جديدة وإعادة الاصطفافات الدولية في المعسكرين الشرقي والغربي، لكن الأهم من كل ذلك أن الولايات المتحدة تحارب روسيا والصين بالوكالة عبر حليفها الأوروبي، ولا عجب أن توسع شبكة الحلف مع دول قريبة وبعيدة حتى تبقى الدولة الأقوى والمسيطرة على العالم إلى أطول فترة ممكنة.
Comments are closed.