عشية انتخابات الكنيست الإسرائيلي الخامسة، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، يتهدد “القائمة المشتركة” خطر تفكيك وانقسام جديد جراء خلافات سياسية وتنظيمية بين مركباتها.
ومنذ أعلن عن انتخابات مبكرة في إسرائيل ساد توتر داخل “المشتركة” بعدما أبلغت الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة (الحزب الشيوعي) المركبين المشاركين في “المشتركة”، وهما “التجمع الوطني الديموقراطي”، برئاسة سامي أبو شحادة، و”الحركة العربية للتغيير”، برئاسة أحمد الطيبي، بأنها ستحفظ لنفسها أربعة مقاعد من بين المقاعد الستة الأولى في قائمة المرشحين. وتعلل الجبهة، برئاسة أيمن عودة، ذلك بالقول إنها تتمتع بشعبية واسعة، مما يعني أن الترتيب الجديد سيأتي على حساب “العربية للتغيير”، التي ستجد نفسها مع مرشح واحد ضمن الستة الأوائل، بينما هي ممثلة اليوم بنائبين (الطيبي والسعدي). وهكذا مع “التجمع الوطني الديموقراطي”، الذي أعلن رفضه لهذه المحاصصة، لكنه يشدد أكثر على ضرورة التوافق على موقف سياسي بين مركبات “المشتركة”. ويؤكد “التجمع الوطني الديموقراطي” هذه المرة على رفض كامل للمشاركة في دعم أي ائتلاف إسرائيلي لا من الخارج ولا من الداخل، منبهاً لعدم وجود فارق حقيقي بين المعسكرين الصهيونيين المتنافسين على السلطة من ناحية القضية الفلسطينية.
في شريط متلفز يوضح النائب سامي أبو شحادة أن “التجمع” يطرح الآن بناء تيار ثالث مختلف ببرنامجه السياسي عن الفترة التي كانت في السنوات الأخيرة، منبهاً لحيازته برنامجاً سياسياً بين نهجي “المشتركة” و”الموحدة”. ويتابع أبو شحادة في الفيديو: “التجمع يطرح بناء تيار ثالث مختلف.. نريد أن نتحدث إلى عقول وقلوب ووجدان أهلنا وناسنا في كل قرية ومدينة”.
وأبرز ما جاء في كلمة النائب أبو شحادة: “أولًا: نحن بحاجة لمراجعة جدية لمشروع “المشتركة”، عدة أخطاء تتطلب ذلك. وهناك تراجع كبير في نسبة التصويت والخطاب السياسي والمشروع المطروح للناس.
ثانيًا: القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني وحالتنا السياسية في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل في أزمة جدية، بسبب ضيق الأفق تكون الحاجة للعمل السياسي والتنظيم السياسي أكبر بكثير من أي ظروف عادية.
ثالثًا: نحن في التجمّع راجعنا التجربة، ولماذا وصلنا إلى ظرف فقدان الثقة بالعمل السياسي.
رابعاً: وصلنا إلى حالة تدهور فيها الخطاب السياسي بشكل كبير جدًا، وكان النقاش بيننا وبين اليسار واليمين الصهيوني والحركة الصهيونية هو على ميزانيات وأموال، وليس نضالاً ضد مشروع استعماري استيطاني يعزز الفوقية والعنصرية.
خامسًا: التشديد على شخص نتنياهو كان خطأ، ويجب أن نعترف بذلك، المشكلة هي سياسات نتنياهو التي تحملها كل الأطراف السياسية بيسارها ويمينها، وغياب نتنياهو لم ينه الاحتلال والتمييز والعنصرية والأراضي وتوسيع مسطحات بلداتنا.
سادسًا: مشروع “المشتركة” وصل إلى مرحلة لم نكن نريدها، فنحن أردناها كجزء من مشروعنا لتنظيم الأقلية الفلسطينية في الداخل على أساس قومي، وهي ليست كذلك.
سابعًا: نحن لسنا جزءاً من اليمين واليسار الصهيوني، بل جزء من الحركة الوطنية، ونمثل شعبنا أمام حكومات إسرائيل ولن نكون جزءًا منها أو شبكة أمان لها.
ثامنًا: علينا أن نعترف بالأخطاء، من أجل أن نتعلم منها، ونعود للناس بخطاب وطني ديمقراطي واضح نطلب فيه ثقة الجمهور.
تاسعًا: لا نريد تهميش أحد، وأي شريك يرى في برنامجنا السياسي مناسبًا له نحن نرحب بذلك وفقًا لاتفاق على البرنامج الذي سنتوجه فيه لنيل ثقة الناس في الانتخابات.
عاشرًا: لا نقبل دعم أي حكومة لا من الداخل ولا من الخارج، ولا شريك في الساحة السياسية في إسرائيل، وجميع الأسماء المطروحة لا تقدم أي شيء جدي لإنهاء العنصريّة والفوقية اليهودية.
واختتم كلمته: “شعبنا مسيس ومدرك، ولديهم قراءة ويعرفون حقيقة أنه لا شريك في الخارطة السياسية في إسرائيل، ولذلك لن نبيع الناس أوهاماً وسنكون واضحين مع الناس، الهدف هو رفع نسبة التصويت وتصويب الخطاب السياسي للمجتمع الفلسطيني في الداخل”.
مرحلة حساسة تحتاج إلى أوسع شراكة كفاحية حقيقية على أسس واضحة
في المقابل أصدر الأمين العام للحزب الشيوعي الإسرائيلي، ورئيس الطاقم الانتخابي للجبهة، عادل عامر، بياناً أكد فيه “أن المرحلة المقبلة على درجه عالية من الحساسية بحيث تتطلب أوسع شراكة كفاحية على أسس واضحة”.
وقال عامر، في تعقيب غبر مباشر على تصريحات سامي أبو شحادة: “في طبيعة الأجواء السياسية التي نعيشها في البلاد، وهي في حالة تصعيد الأزمات بشكل دائم، وفي مقدمتها، تعميق الاحتلال والاستيطان، والسياسات العنصرية على كافة أشكالها، وأولها وأخطرها تلك التي تستهدف الجماهير العربية، فإن الحاجة لأوسع شراكة كفاحية على أسس واضحة، تصبح أكثر إلحاحاً، لأن التشرذم يخدم فقط من يقودون تلك السياسات على مختلف تصنيفاتهم وتسمياتهم السياسة”.
وتابع عامر في بيانه: “على هذا الأساس، أعلنا طيلة الوقت تمسكنا بـ “القائمة المشتركة”، على أسس سياسية واضحة وملزمة، مع السعي لتوسيعها. قلنا على مدى عشرات السنين، إن النضال الأساسي هو النضال الميداني المتشعب على مدار الأيام، وأكدنا بالتوازي أن العمل السياسي البرلماني، يشكل دعماً للنضال الميداني الأساسي، ومن دون نضال ميداني دائم الحضور، فإن العمل البرلماني يكون ضعيفا منقوصا”.
وأكد عامر عدم إمكانية خوض الانتخابات البرلمانية بعقلية المقاطعة، زاعماً أن هناك فرقاً شاسعاً بين أن تزاول المناورة البرلمانية، وبين المقايضات السياسية، والتخلي عن المواقف الجوهرية، مقابل أوهام، وأن تجارب السنوات الثلاث الأخيرة أثبتت هذا الفرق.
ويعتقد بيان الحزب الشيوعي الإسرائيلي أن من الواضح للعيان أن المنظومة الإسرائيلية غارقة في أزمة سياسية، رغم أن المنافسة فيها باتت تتركز في الأساس في ملاعب اليمين، والحكومة الحالية قلصت الفوارق إلى حد التطابق مع سياسات اليمين الاستيطاني المتطرف.
تجربة السنوات الأخيرة
كما قال عامر إنه في السنوات الثلاث الأخيرة نشأت ظروف أتاحت فرصة أن نخوض المناورة البرلمانية، وكان دورنا أن نخوضها بشروط، ومن سقط في الامتحان هو بيني غانتس ويائير لبيد وليس نحن، وقد أثبتنا أن التوصية شيء، والحكومة شيء آخر.
ويرى أنه على هذا الأساس صاغت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي موقفها يوم 6 آب الجاري، وقد أقر المجلس القطري للجبهة الديمقراطية هذا الموقف، في جلسته المنعقدة يوم 13 آب الجاري، وهو كالتالي:
يستند موقفنا في التوصية بالتكليف لتشكيل الحكومة، ومن أية حكومة على الثوابت السياسية، وفي صلبها:
-العودة إلى مفاوضات جدية مع القيادة الفلسطينية، تقود إلى إنهاء الاحتلال والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته ذات السيادة وعاصمتها القدس.
-ثانياً إنهاء معاناة الجماهير العربية من ويلات العنصرية والتمييز، التي تضرب حقهم في الحياة الكريمة على أرضهم، في مختلف المجالات، ومن ضمنها سياسات الأرض والمسكن والتخطيط، ومسألة فرض العقوبات وفقاً لقانون كامنتيس وغيره من القوانين العنصرية، وعلى رأسها قانون القومية الذي يجب إزالته من كتاب القوانين، والنهج السياسي الحاكم.
وأكد عامر خاتما، أن من الأهمية بمكان التأكيد على أن الخارطة السياسية والحزبية الحالية في إسرائيل تخلو من أية شخصية يمكن لها أن تقود إلى أية تشكيلة حكومية تتوافق وتتجاوب مع مطالبنا وثوابتنا الأساسية. وكان “التجمع الوطني الديموقراطي” قد قدم ورقة سياسية مكونة من ست نقاط لـ “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة”، ويرفض الدخول في مفاوضات معها قبل تلقيه رداً عليها.
يذكر أن “القائمة المشتركة” تأسست عام 2015، وتفككت مرتين حتى الآن الأولى؛ يوم خاضت الانتخابات “الجبهة” و”العربية للتغيير” في قائمة واحدة (ستة مقاعد)، بينما خاض “التجمع الوطني” و”القائمة العربية الموحدة” في قائمة أخرى (ستة مقاعد). وفي المرة الثانية انفصلت “الموحدة” برئاسة منصور عباس عن “المشتركة” وخاضت الانتخابات لوحدها عام 2021 وحازت أربعة مقاعد، وشاركت في الائتلاف الحاكم. وهذه المرة تمنح استطلاعات الرأي “القائمة المشتركة” ستة إلى ثمانية، مقاعد، بينما تمنح “الموحدة” أربعة إلى خمسة مقاعد.
Comments are closed.