بقلم:د. هاني العقاد
ليس بين شهداء غزة ونابلس مسافة ,وليس بين دم الشهداء في غزة وشهداء نابلس أية فوارق ,فالدم هو الدم , والشهداء كالجغرافيا الفلسطينية حية تقاوم الاحتلال كل يوم , والقاتل هو نفسه يستكمل مخططه بحقد صهيوني اجرامي ملعون ، بضع ساعات تفصل وقف الهجوم على غزة بعد الوساطة المصري التي نجحت بالتوصل لاتفاق هش قد لا يستمر طويلا لكونه لم ينزع كل عوامل التوتر المستمرة التي لا تريد دولة الاحتلال التنازل عنها ما قد يفجر ازمة جديدة وبالتالي نشوب قتال جديد بين المقاومة في غزة ودولة الاحتلال لان الاتفاق يعتبر من وجة نظري اتفاقا يؤجل المواجهة ولا ينهيها ككل الاتفاقات السابقة التي لم تتحول حتى اللحظة لاتفاقات تحترمها دولة الاحتلال وغالبا ما تفضي لمواجهة اشهد ضراوة تهدف لتفتيت قوة المقاومة ووحدتها لصالح برنامج تحويل برامج المقاومة وفصائلها الى فصائل سياسية تسعي للحكم تتخلي عن استراتيجية تمسك المقاومة بإسناد مسارات المقاومة الفلسطينية وتعزيزها وتطوير خلاياها على الأرض وتفعيل كل عوامل الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني أينما تواجد .
انتهت العملية العسكرية في غزة بعد ان ارتكبت دولة الاحتلال جرائم إبادة حقيقية بحق المدنيين الفلسطينيين لإجبار قادة المقاومة وخاصة الجهاد الإسلامي بالقبول بهذه الهدنة الهزيلة بشروط هزيلة يعرف الجميع ان اسرائيل لن تحققها حتى لو نشب قتال اخر , من حيث انتهت إسرائيل في غزة بدأت بالضفة الغربية بالهجوم على نابلس أولا لتختبر مدى التزام غزة بالتهدئة وعدم اللجوء الى توعد قوات الاحتلال برد على جريمتهم في نابلس وبالتالي يفكر الاحتلال بحسابات اخرى وثمن يهدد الامن والهدوء على حواف غزة ومدن الوسط الإسرائيلي نتيجة هذا العدوان , وثانيا استكمال الحملة الأمنية الصهيونية على الضفة الغربية ( كاسر الأمواج) لمحاولة تفتيت كل كتائب المقاومة المسلحة التي تشكلت خلال الأشهر الأخيرة هناك ووضع كامل الضفة الغربية تحت الوصاية الأمنية الإسرائيلية سعيا لتطبيق الحل الابراهيمي الذي اوصت به إدارة بايدن العرب خلال اجتماع القمة العربي بحضور جو بايدن الشهر الماضي, وعلى ما يبدو ان الهجوم على نابلس هو الجولة الاولى من مسلسل هجمات واقتحامات قادم لمدن الضفة الغربية على التوالي وحسب ما تسمح به الحالة الامنية هناك , وحسب حسابات المستوى السياسي الاسرائيلي لاي عملية اقتحام واغارة جديدة على مناطق تواجد المقاومين الفلسطينيين . صحيفة (يدعوت احرنوت ) قالت مؤخرا ان “إبراهيم النابلسي” واحد من عدد من المطلوبين من مناطق متفرقة بالضفة الغربية قد لا يكونوا يتبعون الى تنظيم معين لكنهم يعملوا بشكل منظم لاستهداف قوات جيش الاحتلال التي تنفذ في كثير من الأحيان عمليات امنية وبدت تلك الخلايا تنشهر كثيرا لاستهدافها قوات الاحتلال , هذا يوحي بان قوات الاحتلال لن تتراجع عن تنفيذ حملتها الأمنية دون ان تعرف الى اين يمكن ان تأخذها هذه الحملة المعادية والتي تستهدف ايضاً سيادة السلطة الفلسطينية على الأرض وتضعف سيطرتها الأمنية على مناطق كثيرة وفي ذات الوقت تضرب ما تبقي من ثقة بين المواطن في الضفة ومؤسسات السلطة الأمنية والمدنية .
وزير جيش الاحتلال في اخر تصريح اعرب ان حكومته لم تقدم باي تعهدات لأطلاق سراح الاسيرين (بسام السعدي وخليل عواودة )في اطار تفاهمات وقف اطلاق النار الا انه يبدو ان مصر بدأت تربط ملف العواودة والسعدي بملف صفقة تبادل اسرى كبيرة قريبة مع حركة حماس وبالتالي تتفادى دولة الاحتلال أي نقد باعتبارها قدمت تنازلات لحركة الجهاد وهذا بالطبع سيأخذ وقت الى حين نضوج التفاهمات حول الصفقة التي بدأت تتحرك منذ فتره في اتجاه احداث اختراق حقيقي وخاصة بعد تصريحات حماس المتتالية حول الجنود الإسرائيليين الاسرى لديها .
الخطير ان (بيني غانتس) قد ادلى بتصريحات اخطر في المؤتمر الصحفي المشترك مع (يائير لابيد) تعقيبا على العملية العسكرية ضد غزة مدعيا بان جيشه حقق ثلاثة اهداف من خلال هذه العملية أولها انها حيدت أي تهديد يأتي من قبل حركة الجهاد في غزة لمستوطنات الجنوب ,وثانيها ان يعمل الجيش في الضفة الغربية على استهداف وتصفية الشبان المقاومين دون ان يسمع ولو كلمة واحدة من فصائل المقاومة في غزة , والأخطر انه وجه تهديدا جديدا للجهاد الإسلامي قائلاً “انه لا توجد اية قيود امام جيشه لمطاردة وتصفية عناصر الجهاد الإسلامي سواء في غزة او بالضفة الغربية حتى بعد وقف إطلاق النار” ,هذا يعني ان دولة الاحتلال لم تصف حساباتها مع الجهاد الإسلامي بعد …!!! وعلينا ان نتوقع المزيد من العمليات الأمنية بحق قادة وعناصر فصائل المقاومة بمن فيهم كتائب شهداء الأقصى وعناصر الجهاد بالضفة وغزة على السواء، بالرغم من ان هذا المؤتمر كان بالدرجة الاولى مؤتمرا انتخابيا الا انه أوصل رسائل خطير للمقاومة الفلسطينية.
لا اعتقد ان دولة الاحتلال استطاعت ان تحقق تلك الاهداف التي تحدث عنها (بيني غانتس) وحديثة هذا ليس أكثر من خطاب انتخابي لجمهور المستوطنين في الجنوب وكل سكان دولة الاحتلال الذين باتوا يعرفوا ان قادة دولتهم يكذبوا أكثر من قبل لان كل قوة الأرض لا يمكن ان تثني الفلسطينيين عن مقاومة الاحتلال وإسرائيل وكل مخططات إسرائيل ودهائها لا يمكن ان يفتت وحدة المقاومة الفلسطينية ويجعل بين غزة والضفة مسافة تمكن دولة الاحتلال من تنفيذ برامج تصفوية بحق القضية الفلسطينية وقضاياها ,ولن تنتهي مقاومة هذا الشعب الا بإنهاء الاحتلال فكلما استشهد مقاوم جاء اخر وحمل البندقية والراية التي ستتوارثهما الأجيال الى ان يسقط الاحتلال ويعترف بحق تقرير المصير لهذا الشعب الفلسطيني العظيم.
Comments are closed.