الشراكات العربية وانفكاك اقتصادنا

بقلم: الدكتور سعيد صبري– مستشار اقتصادي– شريك وممثل لصندوق دعم المشاريع الناشئة- فاستر كابتل–دبي

غالبًا ما نصف الحياة على أنها سلسلة من التحديات والمعارك، تظهر العقبات والصعوبات التي نواجهها ومحاولاتنا للتغلب عليها. إذا ‏كانت هذه الجوانب كلها معارك، فما هي الحروب الرئيسية؟ اليأس والإحباط هما أكبر عدوين للبشرية.‏
يعد التكيف الهيكلي والانتقال إلى اقتصاد السوق من أهم الموضوعات في العالم العربي، حيث يوضح لنا هذا الموضوع كيف ترتبط ‏التنمية الاقتصادية بالتكيف الهيكلي للاقتصادات الوطنية والانتقال إلى اقتصاد السوق، وكيف يمكن أن يؤدي هذا التحول إلى زيادة ‏معدلات النمو الاقتصادي وتحسين مستوى جودة إنتاج السلع والخدمات؟ هل ستقلل من عجز الموازنة العامة؟ وذلك لتقليل العبء ‏الضريبي على المواطنين والتخلص من الآثار السلبية للتضخم؟ هل سيؤدي إلى زيادة الادخار مما يؤدي بدوره إلى زيادة الاستثمار؟ ‏هل ستؤدي عملية توزيع حقوق الملكية بين صغار المدخرين والمستثمرين إلى عدالة أكبر واستغلال اقتصادي أفضل؟

فهل نستطيع كفلسطينيين ان نخلق تلك النواة لتكيف الاقتصادي، وأن نعمل نحو استقلال الاقتصاد الوطني الفلسطيني؟ يختلف كثير ‏من المحللين والخبراء حول جدوى وقدرة السلطة الفلسطينية في تحقيق ذاك الطلب، بين سياسية التدرج نحو الوصول للهدف ‏المنشود، وبين سياسة المواجهة يبقى السؤال الأهم، كيف سنحقق الهدف المنشود بأقل التكاليف؟
فما هي التحديات التى تواجهنا حكومة وشعباً، اتفاق باريس الاقتصادي، إن الاقتصاد الفلسطيني يفتقر لسياسة اقتصادية ترفع من ‏مستوى المعيشة وتقضي على نسب البطالة وتحقق التشغيل العام في المجتمع من خلال تحسين نسب النمو الاقتصادي، والسبب ‏الرئيسي هو تحكم الاحتلال الإسرائيلي بكل مصادر السلطة الفلسطينية التمويلية والعينية والتي من خلالها تعمد على تشغيل الاقتصاد ‏ووفق بيانات سلطة الطاقة الفلسطينية، يستورد الفلسطينيون من إسرائيل 93% من الكهرباء المستهلكة، و85% من مياه الشرب، ‏و100% من الوقود والغاز المنزلي. إن اعتماد الاقتصاد الوطني والمستهلك الفلسطيني من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة على أكثر ‏من 70% المنتجات والسلع التقليدية الاستهلاكية الإسرائيلية أو المستوردة من خلال وكلاء إسرائيليين، وهو ما يدرّ على الاحتلال ‏دخلاً مالياً كبيراً، حتى باتت مصانع إسرائيلية مستمرة في عملها، بسبب السوق الفلسطينية التي تمدّها بالحياة لبقائها، وهذا يقودنا الى ‏الواقع الذي يؤشر ان الحكومة والشعب الفلسطيني يستورد بقيمة 5 مليارات سنويا من إسرائيل للأرض الفلسطينية مقابل تصدير لا ‏يتجاوز 750 مليونا سنويا فقط. ومن الواضح تماماً أن العملة الاسرائيلية والمتداولة بالاسواق الفلسطينية عززت من مكانة الاقتصاد ‏الاسرائيلي، حيث اصبحت الملجأ الوحيد للمواطن الفلسطيني بالحفاظ على مدخراتة الذاتية وتعاملاتة التجارية، فهل نستطيع أن ننتقل ‏نحو عملة أخرى كالدينار الاردني الذي يعتبر العملة الثانية بسلم التداولات البنكية. ‎وتشير الاحصائيات الصادرة عن سلطة النقد ‏الفلسطينية أن ارتفاعا واضحاً على قيمة الودائع بالشيكل خلال السنوات العشر الأخيرة لتصل الى 40% من قيمة الودائع، بينما ‏أظهرت الاحصائيات السابقة أن قيمة الودائع وصلت الى 15% . وفي هذا السياق علينا العمل على تغيير النمطية لدى المستهلكين ‏والتركيز على الحلول العملية والتى تتمثل في التوجه نحو الدفع الالكتروني، والحد من التعاملات النقدية.‏

أما فيما يتعلق بموضوع اتفاق باريس الاقتصادي الذي يعتبر عبئا اقتصاديا على الشعب الفلسطيني، فعلينا أن نبدأ بالعمل على برمجة ‏الاستغناء عنه تدريجياً وذلك بإتاحة المجال من خلال القيام بسياسات تجارية وصناعية، وكذلك تدخلات قطاعية تخص الزراعة ‏والصناعة والطاقة والتجارة والإيرادات، وتوجيه الاستثمارات المحلية. ولدعم تلك القطاعات الإنتاجية بفلسطين علينا أن نبدأ سريعا ‏بتقليل ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الوطنية من أجل تشجيعها، لأن نظام الضرائب المعمول به وفق اتفاقية باريس يزيد ‏اعباء الناس. يجب العمل وبشكل سريع على تقليل نسبة الضريبة المضافة  والتي يسمح بها بموجب اتفاق باريس الاقتصادي بنقطتين ‏عن المعدل المعمول به بإسرائيل ودعماً للقطاع الاقتصادي مما سيشكل رافعة اساسية للاقتصاد الوطني، وبما ينسجم مع الواقع ‏المعيشي للشعب الفلسطيني، وأيضا يمكن تقليل ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الوطنية من أجل تشجيعها، لأن نظام الضرائب ‏المعمول به وفق اتفاقية باريس يثقل كاهل الناس. ‏

أما على صعيد تصدير المنتجات الصناعية والزراعبة وحركة التجارة، فإن الاتفاقيات التجارية المعقودة بين السلطة الفلسطينية مع ‏الدول العربية والأجنبية والتي تتضمن الإعفاء الضريبي على المنتجات الفلسطينية لم يستفد منها بسبب القيود الإسرائيلية على ‏المنتجات الفلسطينية وتطبيق حظر على خروجها.

وفيما يخص معدلات النمو فإن النمو في الاقتصاد الفلسطيني في الأعوام الأخيرة يكون في القطاعات الخدماتية كالأمن والصحة ‏والتعليم بينما لا يوجد أي مؤشر على وجود نمو في مجالات الانتاج والتصنيع والاستتثمار‎

.‎
إن اتفاقية باريس تجعل التعاون الاقتصادي بين الأشقاء مهمة شبه مستحيلة، علينا العمل على خلق سوق تكاملي بين فلسطينيي ‏الداخل (1948) والعمل على خلق تكامل مع الدول العربية المجاورة كالاردن ومصر. ‏

إن الدول العربية تستورد سنويا من أميركا وأوروبا ما قيمته 340 مليار دولار‎,‎‏ فلماذا لا نستطيع أن نحتل كمنتجات فلسطينية مكانة ‏مرموقة تليق بقيمة منتجانتنا الزراعية والصناعية. وعليه، فعلينا جميعا العمل على تذليل ذاك المستحيل وخلق أسواق تتناسب مع القيمة ‏العالية لمنتجاتنا الصناعية والزراعية.‏

أتقدم للجهات المسؤولة في السلطة الفلسطينية بمجموعة من الاقتراحات التى ستمثل عنواناً اقتصادياً للعمل من خلاله:-‏
أولاً:- التكامل ما بين المنتج (المصنع) الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والمستهلك الفلسطيني في الداخل المحتل.‏

ثانيا:- العمل وبشكل حثيث على بناء شراكات حكومية وقطاع خاص بين الدول العربية ودولة فلسطين لتصدير المنتجات المصنعة ‏والزراعية أُسوة بالشراكة الحديثة بين فلسطين والاردن لتسويق المنتجات الزراعية.‏

ثالثا:- العمل على إعادة تفعيل الملحقين التجاريين في الدول الاوروبية والعربية لكي يصبحوا عنواناً في عملية التشبيك للقطاعات ‏الانتاجية الفلسطينية.‏

رابعا:- دعم القطاع الخاص لما له من ريادة في الإصلاح والبناء المؤسساتي وإحراز تكنولوجيا متطورة ومستقلة. ‏

‏ خامسا:- إصلاح وتوسيع القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية ودعمها حيث سيؤدي ذلك لتعزيز التخصص وتنويع الإنتاج ‏وتصحيح الخلل في هياكل الإنتاج، مما سيؤدي لتغطية حاجة السوق المحلي مكان السلع المستوردة من جهة وتصدير السلع ذات القدرة ‏التنافسية للأسواق الخارجية.‏

لا لليأس والاحباط ، سنبقى نعمل وننجز المستحيل لكي نرى فلسطين منارة مشعة على خارطة العالم.‏

Comments are closed.