جرائم القتل … إلى متى؟

بقلم: المحامي راجح أبو عصب ‏
ما زال مسلسل جرائم القتل البشعة, وإزهاق أرواح بريئة مستمراً في القدس والضفة الغربية وقطاع ‏غزة وداخل الخط الأخضر. وجرائم القتل هذه غريبة ودخيلة على المجتمع الفلسطيني المحافظ, ‏المعروف بتمسكه بعاداته وتقاليده وأخلاقه وأعرافه التي تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون في ‏السراء والضراء واحترام حقوق الجار والنسب والمصاهرة, وقبل ذلك التمسك بتعاليم الدين الحنيف ‏التي ترفض كل أشكال الاعتداء على النفس البشرية, دون اسباب حددتها الشريعة الاسلامية, ‏وهذه لا تطبق من خلال الافراد ولا الجماعات ولا العشيرة, ولكن من سلطة القضاء فقط. ومن منطلق ‏احترام الاسلام الحنيف لحرمة الدم, وصون النفس البشريه فقد حرم الله سبحانه وتعالى قتل النفس ‏البريئة وسفك الدم وتوعد القاتل العمد بعذاب شديد. حيث قال: “ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه ‏جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”، سورة النساء آيه 93 . فهذه الآيه ‏الكريمه تنهى المؤمن نهيا قاطعا أن يقتل نفسا بريئة, وتوعد من يفعل ذلك بغضب إلهي عليه وطرده من ‏رحمته, وإلحاق العذاب العظيم به يوم القيامة.                                                                        
كما اعتبر الله سبحانه وتعالى قتل نفس بريئه كقتل الناس جميعا, وبالمقابل ‏اعتبر من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. وإحياء النفس يكون بإنقاذها من اسباب الهلاك من قتل أو ‏غرق أو حريق أو هدم أو من مجاعة أو وباء, وغير ذلك. وفي هذا وعيد لمن يقدم على قتل ‏نفس بريئة معصومة الدم  ووعد لمن انقذ نفسا من هلاك محقق. وإضافه الى العديد من الآيات القرآنيه ‏التي تحرم قتل النفس البريئة, وتتوعد القاتل العمد بأغلظ العقوبات, هناك العديد من الأحاديث النبوية ‏الشريفة الصحيحة التي تحرم القتل بكافة اشكاله وصوره، من ذلك قوله عليه السلام: “أول ما يقضى بين ‏الناس يوم القيامة في الدماء”. وقوله :” لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم”. وقوله: من ‏أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة, جاء يوم القيامه مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله”. فإذا ‏كان من ساعد على قتل مسلم ولو بنصف كلمة جاء يوم القيامه ‏مكتوب بين عينيه أنه يائس من رحمة الله, اي لا يدخل الجنة, فكيف بمن قتل مسلما بريئا معصوم الدم‏‏. ورغم كل هذه التهديدات والتوعدات لمن يمارس القتل العمد, فإن جرائم القتل ما زالت مستمرة تحصد ‏أرواحا بريئة, وتشعل العداوات والبغضاء بين أبناء المجتمع الفلسطيني, وتخلف كثيرا من المآسي ‏والمصائب والأحزان, كأن يقتل شاب في يوم خطبته بعد أن قام بتوزيع بطاقات دعوات الخطبة الى الاهل ‏والأصدقاء والأحباء, فتعم الاحزان بدلا من الافراح, وينقلب الفرح الى مأتم, ويفجع الوالد والوالدة ‏بابنهما الكبير, وهما يستعدان للفرح بخطوبته.

ومن جرائم القتل البشعة, وكل جرائم القتل بشعة ومدانة, أن يقوم شاب في ‏العشرين من عمره بقتل والده, ومن ثم يقوم بدفنه قرب البيت ويقوم بصب ‏الباطون على جثته. وزعم القاتل أنه لم يعد يشعر بالألم والحزن على قتل والده. أي ‏عقوق بعد هذا؟!

والواقع أنه لا مبرر أبدا لارتكاب جرائم القتل العمد, مهما تذرع القتلة ‏بالاسباب, فإن القتل ليس حلا كما يزعم القتلة, بل إنه يثير العداوات والبغضاء, وقد يؤدي الى أحداث ‏ومصائب بالغة الخطورة, كالأخذ بالثأر وإحراق محال ومنازل لذوي القاتل وأقاربه, وطبعا هذا ايضا ‏سلوك مرفوض اسلاميا ومجتمعيا, حيث ان الاسلام الحنيف يقول: “ولا  تزر وازرة وزر أخرى”. اي ‏لا تؤخذ نفس بريئة بجريمة ارتكبها غيرها. ‏

وجرائم القتل ايضا منتشرة في قطاع غزة, خاصة خلال مشاجرات عائلية. فقد ذكر الجهاز المركزي ‏للاحصاء الفلسطيني أن 29 قتيلا سقطوا في قطاع غزة منذ بدايه العام الجاري في شجارات عائلية ‏وكذلك على خلفية الأخذ بالثأر. وأما الجرائم داخل الخط الاخضر في صفوف الأهل عرب 48 فأصبحت ‏يومية او شبه يومية, حيث يسقط الضحايا من رجال ونساء وأطفال على يد عصابات الجريمة المنظمة. ‏فقد ذكر موقع عرب 48 أن عدد ضحايا جرائم القتل في البلدات العربية داخل الخط الاخضر في عام ‏‏2021 بلغ 111 من بينهم 16 امرأة. بينما بلغ عدد القتلى منذ بداية العام 2022 وحتى منتصف شهر ‏حزيران الماضي بلغ 25 قتيلا.

 ولا ‏شك أن السبب الرئيسي وراء جرائم القتل هو انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه, خاصة في مناطق “ج” التي لا وجود أمني فيها للسلطة الفلسطينية, وكذلك اندلاع المشاجرات لأتفه الاسباب, مثل ‏المشاجرة على وقف سيارة في مكان معين. كما أن انتشار المخدرات والجريمة المنظمة وعصابات تلك ‏الجريمة تساهم في حث الشباب على ارتكاب جرائم القتل دون ‏النظر في عواقب تلك الجرائم. كما أن غياب العقوبات الرادعة ضد القتلة تشجع على اقتراف جرائم القتل، ‏‏ولا ننسى في هذا المجال ايضا العصبيات العائلية والعشائرية التي لها دور في ذلك ايضا.‏
والمطلوب لوقف جرائم القتل, أو على الأقل وضع حد لها, تشديد العقوبة على القتلة ليرتدعوا، حيث ‏يقول الله سبحانه وتعالى: “ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب”، وكذلك للإعلام المرئي والمسموع ‏والمقروء, وخطباء المساجد والكنائس دور في التحذير من جرائم القتل, اما الدور الاساسي فيقع على ‏الأسرة التي عليها تنشئة الابناء تنشئة سليمة تخدم التقاليد والعادات والأعراف, وقبل ذلك تعاليم الدين ‏الحنيف. والله الموفق. ‏

Comments are closed.