شهدت الضفة الغربية عودة لافتة لظاهرة المطاردين المطلوبين من المقاومين لقوات الاحتلال، التي تحاصر البيوت التي يتحصنون فيها، ويخوضون معهم اشتباكات عسكرية طويلة، تمثل للفلسطينيين نموذجا يحتذى في التصدي للاحتلال، وعدم الاستسلام له.
أعادت هذه المشاهد للإسرائيليين أيام انتفاضتي الحجارة 1987، والأقصى 2000، حتى بات مشهد اعتقال كل مطلوب مسلح يتحول إلى مواجهة عسكرية تسترعي انتباه الجميع، ما يكشف عن زيادة في عدد حوادث إطلاق النار واستخدام الأسلحة النارية أثناء الاعتقالات والمداهمات التي باتت تنتهي في معظم الأحيان بأحداث متفجرة.
دانا بن شمعون مراسل الشؤون الفلسطينية في صحيفة “إسرائيل اليوم”، أكدت أن “هذه الأحداث الميدانية المتصاعدة في الضفة الغربية بالذات تتعارض مع توجهات السلطة الفلسطينية بدعم المقاومة الشعبية “فقط” ضد إسرائيل، بزعم أنه لا مكان لانتفاضة مسلحة، تتخللها البنادق، بل الاقتصار فقط في أغلب الأحوال على الحجارة والتظاهرات وأعمال الاحتجاج في البؤر الساخنة، أما على الأرض فهناك شيء آخر يحدث”.
وأضافت “أنه “بجانب الاحتجاجات الشعبية الأسبوعية في القرى الفلسطينية، فإن من الممكن في الأشهر الأخيرة الكشف عن زيادة في عدد حوادث إطلاق النار واستخدام الأسلحة النارية من قبل المسلحين الفلسطينيين في المناطق، وفي الآونة الأخيرة تصاعدت مع محاولات متكررة لإطلاق النار على أهداف ونقاط عسكرية إسرائيلية، وهذه الخلايا الفلسطينية تعمل بشكل علني ليل نهار، وباتت ظاهرة المطلوبين الفلسطينيين المسلحين تعاود الظهور.
وأشارت إلى أنه “لا تكاد تمرّ ليلة بدون اعتقالات، فكل عملية اعتقال معقدة بحد ذاتها، وتنطوي على احتمالية حدوث مضاعفات عند دخول الأراضي الفلسطينية، ولكن إذا اعتدنا في الماضي على رؤية اعتقالات سريعة وهادئة نسبيًا، مصحوبة بمواجهات مع شبان فلسطينيين يرشقون سيارات الجيش الإسرائيلي بالحجارة، فإن الإسرائيليين اليوم باتوا يعتقدون أن كل عملية اعتقال في المناطق المستهدفة، في نابلس وجنين، ستتحول إلى صراع مسلح”.
وتفيد التقارير التي يرفعها الضباط الإسرائيليون الميدانيون إلى قيادتهم العسكرية بأن المطلوبين الفلسطينيين يخوضون اشتباكات دامية مع قوات الاحتلال لساعات متتالية، حتى بات هدفهم القتال حتى آخر قطرة من دمهم، ولا يفضلون تسليم أنفسهم، ويواجهون حتى آخر رصاصة، مع العلم أنهم في معظمهم لا ينتمون لأي منظمة، بل يطلق عليهم الإسرائيليون “المطلوبين الجدد”، وقد باتوا أكثر خطورة بسبب التسلح الذي يحوزونه، ولذلك يصعب كسرهم أيضًا.
في الوقت ذاته، تشير المعطيات الإسرائيلية المتوفرة من الميدان الفلسطيني إلى أنه على عكس الماضي، فلم يعد الانتماء التنظيمي أساسيا لهؤلاء المطلوبين، لأنهم لا يرون أنفسهم يعملون في مهمة هذه المنظمة أو تلك، ولا يعتبرون عضويتهم فيها مقدسة، وفي بعض الحالات يكون التنظيم مجرد منصة للقيام بأعمال مقاومة، وقد تكون العضوية فيه مؤقتة، ما يشير إلى أن بعضهم قد يكون ولاؤه التنظيمي لفصيل ما، لكنه يحصل على السلاح من فصيل آخر.
الخلاصة الميدانية أن ظاهرة المطلوبين الفلسطينيين المسلحين باتت تشكل لدولة الاحتلال تحديًا صعبًا، وقد بات الفلسطينيون ينظرون إليهم باعتبارهم الأجدر على حمايتهم من بطش الجنود وإجرام المستوطنين وملاحقات السلطة الفلسطينية التي لا تجرؤ على مواجهة قوات الاحتلال، وبعد أن توهمت هذه أنها تخلصت من مصطلح “مطلوب مسلح” منذ وقت طويل، إبان الانتفاضتين الأولى والثانية، فقد عاد من جديد أكثر قوة وصلابة.
والنتيجة أنه بعد أن زعمت قوات الاحتلال أنها قضت على ظاهرة الناشطين الفلسطينيين الصغار في الشوارع الذين يلقون “فقط” قنابل المولوتوف، فقد صعدت ظاهرة جديدة ترتبط برجال مسلحين لا يستمعون إلى أحد، باستثناء أنفسهم وما يجري في الشارع، ولا سيطرة للسلطة الفلسطينية عليهم، وقد تحولوا مع مرور الوقت إلى أبطال، والاحتلال مجبر على مواجهتهم وحده.
Comments are closed.