قطر ودبلوماسية الرياضة

 بقلم: د. دلال صائب عريقات

تشكل قطر نقطة التقاء العالم هذا العام حيث تقود العلاقات الدولية من خلال ما يجمع الشعوب من شغف لرياضة كرة القدم. قطر تستضيف كأس العالم FIFA أحد أهم بطولات العالم التي تقام كل أربع سنوات. حيث تتأهل المنتخبات عبر التصفيات القارية والبطولة تمثل فرصة رائعة للشعوب من أنحاء المعمورة للالتفاف كجمهور واحد حول الكرة. وتعدّ نسخة 2022 من كأس العالم المقامة في قطر استثنائية، فهي الأولى التي تُنظّم في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها الأولى في هذا التوقيت من العام، في نوفمبر، حيث عادة ما تقام في فصل الصيف، وتنطلق مباريات هذا العام في 21 من نوفمبر وتُختتم في 18 من ديسمبر بمشاركة 32 منتخبًا من جميع قارات العالم الست.


إختيار  قطر أن تكون المضيف لكأس العالم، يُعد إنجازاً جديداً يضاف إلى سجلها الحافل بالنجاحات على صعيد الاستدامة في شتى مجالات الشباب والتعليم والريادة والاعمال والطاقة، ومن الجدير بالذكر أن قطر حصلت على شهادة الأيزو 20121، وهو المعيار العالمي في استيفاء المتطلبات الخاصة بأنظمة الإدارة خلال تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى. حصول قطر على هذه الشهادة العالمية تؤكد مدى الالتزام بأفضل الممارسات العالمية، على سبيل المثال أعلنت FIFA عن نيتها استخدام التكنولوجيا شبه الآلية لتحديد وضعيات التسلل في مباريات كأس العالم قطر ٢٠٢٢ لدعم الحكام في اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة.

لقد فازت قطر بحق استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 بتاريخ 2 ديسمبر 2010. اي قبل ١٢ عاما، وفي عام 2011، استحدثت دولة قطر اللجنة العليا للمشاريع والإرث بهدف تنفيذ مشاريع البنية التحتية اللازمة لاستضافة نسخة تاريخية استثنائية من بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. تأسست اللجنة لوضع المخططات والقيام بالعمليات التشغيلية  لتساهم في تسريع عجلة التطور وتحقيق الأهداف التنموية للدولة، وترك إرث دائم لقطر والشرق الأوسط وآسيا والعالم. ستساهم المنشآت الرياضية والاستادات ومشاريع البنية التحتية التي تشرف اللجنة العليا على تنفيذها، في استضافة بطولة ترتكز على مفهوم الاستدامة وسهولة الوصول بشكل شامل. بعد انتهاء البطولة، ستتحول الاستادات والمناطق المحيطة بها إلى مراكز نابضة بالحياة المجتمعية، لتشكل أحد أهم أعمدة الإرث الذي تعمل الدولة على بنائه لتستفيد منه الأجيال القادمة. تتولى اللجنة العليا للمشاريع والإرث، من خلال العمل عن كثب مع اللجنة المحلية المنظمة قطر 2022، مسؤولية الإشراف على العمليات التخطيطية والتشغيلية لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، ليعيش الضيوف أجواء البطولة بكل أمان، متمتعين بكرم الضيافة الذي تُعرف به دولة قطر والمنطقة العربية.
على مستوى الضيوف، راج خبر على منصات التواصل وعبر ‘الجزيرة’ في يوم فتح المنصات الالكترونية لشراء الرزم السياحية، أن موقع “الفيفا” استخدم وصف الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يذكر “إسرائيل”، في الصفحة المخصصة لبيع “رزمات الاستضافة” الخاصة بألعاب كأس العالم. أي لدى الدخول الى موقع اللجنة المنظمة، يعثر كل من يبحث بين أسماء البلدان على توصيف الأراضي الفلسطينية المحتلة وتغيب ‘اسرائيل’ عن القائمة.
مما أثار غضب الجهات الاسرائيلية المختلفة الذين احتجوا ورفضوا هذه الخطوة واعتبروها وصمة عار، وقد أثارت هذه التفاصيل حفيظة دولة الاحتلال حتى اضطرت الفيفا كما كان متوقعاً للاستجابة وادراج اسم اسرائيل على القائمة النهائية !

هنا لا بد من قول عدة كلمات في حق دولة قطر وأميرها وشعبها:
شكراً قطر، لقد قدمت قطر نموذجاً لما يحلم به الجيل العربي الشاب من تقدم وتطور وتفوق بوطنية عالية حيث أصبحت اول دولة في الشرق الاوسط تستضيف كأس العالم بشكلٍ استثنائي يعكس موروثها الثقافي الانساني العروبي الاسلامي .
– في ظل تقاعس العديد من الأنظمة العربية وبعد تصاعد اتفاقيات التطبيع بين الحكومات العربية ودولة الاحتلال بشكل ثنائي bi lateral يقوم على خدمة مصالح بعيدة عن الالتزامات الاخلاقية والقانونية والعربية. قد يرى البعض في هذا مبالغة ويقولون أن هذه حركة رمزية، احترم رأيكم ولكن في ظل التراجع في الانتماء القومي والعربي الذي نشهده كشعوب عربية،   علينا الاعتراف بحقيقة واضحة كوضوح الشمس وهي أن دولة قطر تمارس الدبلوماسية بأسمى أشكالها، لا يسعني كفلسطينية إلا أن أعبر عن الشكر والفخر والاعتزاز بهذا النموذج الراقي التقدمي العميق الذي تقدمه دولة قطر مشكلة مركز جذب للعالم يعكس الهوية العربية والاسلامية التي تعبر عن الشعوب العربية بأبهى صورة. قد تكون الحركة إلكترونية ورمزية ولكنها أثارت جنون دولة الاحتلال كما أن قطر وفي وسط انشغالها بالتحضيرات الاخيرة لكأس العالم، تلتزم بإعطاء القضية الفلسطينية عُمقاً فقد جسدت من خلال هذه الحركة الالكترونية الحقيقة التاريخية وهي بوجود فلسطين على الخارطة.

الرياضة تشكل أحد أهم أشكال القوة الناعمة، فهي اللغة التي تفهمها كل الجماهير دون استثناء ومن هذا المنطلق فإن دولة قطر تقدم من خلال استضافة كأس العالم لكرة القدم هذا العام إنجازاً للشرق الأوسط بأكمله، وهذه فرصة تاريخية لتغيير صورة المنطقة عالمياً من خلال توفير مساحة للتفاعل الايجابي بين المنطقة والعالم.  في تعريف الدبلوماسية والقوة الناعمة، يقول جوزيف ناي من هارفارد أن تعريف المنتصر ليس من ينتصر في أرض المعركة العسكرية بل من يفوز اليوم هو من تنتصر رسالته…
شكراً قطر
في ظل ندرة الانتصارات، إنها الانتصارات الالكترونية الصغيرة وإن كانت مؤقتة هي التي تشفي غليل الشعوب …

دلال عريقات: استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.

Comments are closed.