مجلة إسرائيلية تنشر شهادات من جنود الاحتلال بتعمد قتل الأطفال في غزة

كشف جنود سابقون في جيش الاحتلال الإسرائيلي، كيف يسمح قادتهم بشن ضربات في غزة وهم يعلمون أن المدنيين سيقتلون ومن بينهم الأطفال والنساء.

ونشرت مجلة “+972” الإسرائيلية تقريرا، تفاخر فيه مسؤولون في جيش الاحتلال بنسبة القتلى من غير المقاتلين في قطاع غزة.

ويأتي التقرير مهما؛ إذ إن الرواية الإسرائيلية الأكثر تداولا داخليا وخارجيا، بأن القتلى من المدنيين لاسيما الأطفال والنساء، مجرد أخطاء غير مقصودة في أثناء تنفيذ الضربات الصاروخية على قطاع غزة، إلا أنه يكشف تعمد جيش الاحتلال قتلهم بحجة إصابة هدف، حتى لو كان بين المدنيين.

وبحسب الموقع، فقد نقل موقع “واي نت” الإخباري الإسرائيلي عن مسؤولين بالجيش تفاخرهم بأن نسبة القتلى بين “غير المقاتلين” والمقاتلين، كانت “أفضل مما كانت في جميع العمليات السابقة”؛ حيث تعترف إسرائيل بأنها قتلت ما لا يقل عن 11 شخصا لا علاقة لهم بأنشطة المسلحين، بما في ذلك طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات في العدوان الأخير.

وأوضح معد التقرير يوفال أبراهام؛ الصحفي والناشط المقيم في القدس، أن جيش الكيان الإسرائيلي اعترف بأنه أطلق النار على أشخاص عزل؛ وذلك بحسب ضابطة أجرت مقابلة مع الموقع ذاته الذي تعاون مع المجلة الإسرائيلية.

وقالت؛ إنه خلال الهجوم الأخير: “نزل عنصر من حركة الجهاد الإسلامي من بيته وكان أعزل، ولكنني فتحت النار عليه، وعندما سقط، أطلقت النار أكثر”.

ويكشف الموقع عن أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أن أي أطفال أو أُسر مدنية قتلوا في غزة خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، يُقتلون عن غير قصد، حيث يذهب التفكير إلى أن القوات الإسرائيلية لا تقتل الأبرياء عن علم.

وقال؛ إن هذه الآلية تتيح للمجتمع الإسرائيلي أن ينسى مشاهد الدم والرعب، وأن يطرد من الوعي مئات الأطفال الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي في غزة على مر السنين.

ويؤكد الموقع أن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك بكثير؛ حيث تكشف المحادثات مع الإسرائيليين الذين خدموا في وحدات مختلفة من فيلق المخابرات الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية، أنه خلال عملياته العسكرية، وفي كثير من الحالات، يعرف الجيش قبل الهجوم أنه سيقتل المدنيين العزل.

وتكشف الشهادات أن قرار قتل المدنيين ليس بالخطأ، بل هو قرار محسوب وواع؛ حيث شهد الجنود السابقون بأن رؤساءهم أخبروهم أنه يسمح للجيش بقتل عدد معين من “غير المقاتلين” – أي العائلات والأطفال – في أثناء الأنشطة العملياتية؛ وطالما أنه لم يتم تجاوز هذا الحد، فيمكن الموافقة على القتل مسبقا.

وينقل الموقع عن دانا -التي استخدمت اسما مستعارا؛ مثل جميع الجنود السابقين الذين تمت مقابلتهم في هذا المقال- وهي معلمة روضة أطفال تعيش في شقة مفروشة من الخشب، مليئة بكتب الفلسفة في وسط تل أبيب؛ أنها خلال خدمتها العسكرية، شاركت في عملية اغتيال قُتِلَ فيها طفل يبلغ من العمر خمس سنوات في غزة.

وقالت: “عندما خدمت في قسم غزة، كنا نتبع شخصا من حماس؛ لأن الجيش كان يعلم أنه يخفي الصواريخ، ولقد اتخذوا قرارا بالقضاء عليه”.

ويبين الموقع أن دانا عملت كضابطة تحليل حركة المرور في غرفة العمليات؛ حيث كانت وظيفتها تأكيد أن الصاروخ أصاب الشخص المناسب.

وقالت: “أرسلنا طائرة بدون طيار لمتابعة الرجل لقتله، لكننا رأينا أنه كان مع ابنه، الذي كان صبيّا، في الخامسة أو السادسة من عمره، على ما أعتقد”، مضيفة: “قبل الاغتيال؛ يجب الرجوع إلى معلومات من مصدرين مختلفين حتى نعلم أننا نقتل الهدف الصحيح، ولقد أخبرتُ القائد، الذي كان برتبة مقدم، أنني لا أستطيع تحديد الهدف بالكامل، وطلبت عدم تأكيد إطلاق النار، ولكنه قال: لا يهمني، وأكد ذلك، وكان على حق أيضا، فلقد كان الهدف صحيحا، ولكنهم قتلوا العنصر العسكري الحمساوي والصبي الصغير الذي كان بجانبه”.

ووفقا للموقع، فقد قالت دانا إنها كانت في حالة إنكار حينها، وتابعت قائلة: “القادة قالوا إن هذا يتوافق مع القواعد، ومن ثم فهو مسموح به، فقد كانت لدينا قواعد في الجيش تتعلق بعدد غير المقاتلين المسموح بقتلهم في غزة مع الأهداف المسموح بقتلها”.

وأشار الموقع إلى أن العديد من المسؤولين الآخرين في فيلق المخابرات رددوا كلمات دانا؛ حيث إنهم خدموا في المكان ذاته خلال الحروب السابقة على غزة في السنوات الأخيرة.

وذكر الموقع نقلا عن ثلاثة منهم، بمن فيهم دانا، أنه في أعقاب أي قصف إسرائيلي على غزة يُقتل فيه فلسطينيون؛ يُطلب من الجنود مراقبة المحادثات الهاتفية لأفراد الأسرة، لسماع اللحظة التي يخبرون فيها بعضهم بعضا أن أحباءهم قد ماتوا.

وأوضحت دانا؛ “إنها طريقة أخرى للتحقق من القتلى، وطريقة للتأكد من وفاة الشخص الذي أردناه، وكانت هذه وظيفتها بعد مقتل الصبي البالغ من العمر خمس سنوات؛ حيث تقول: “سمعتُ امرأة تقول: “مات؛ الطفل مات”، وهكذا أكدتُ إتمام المهمة”.

بل وأكثر من ذلك، فقد كشفت الشهادات، بأن جيش الاحتلال يحول مأساة الفلسطينيين إلى دروس للغة العربية من أجل التجسس والعمليات العسكرية.

فقد قدم الموقع شهادة أخرى، لمجند سابق يدعى زيف، الذي أنهى خدمته في وحدة استخبارات سرية للغاية قبل ثلاث سنوات، والذي كشف عن أن بعض هذه المحادثات تم حفظها واستخدمت لاحقا لتعليم الجنود اللغة العربية.

ويتذكر المرة الأولى التي سمع فيها مثل هذه المحادثة في أثناء التدريب؛ ويؤكد أنها كانت لحظة محفورة في أذهان الجنود، ووصفها بأنها “مروعة بشكل خاص”.

ويتذكر زيف قائلا: “في أثناء التدريب، تعلمنا اللغة العربية من خلال المكالمات الهاتفية من الفلسطينيين. وذات يوم، قدم القادة مكالمة من أم أخبرها زوجها عبر الهاتف أن طفلهما قُتل؛ حيث بدأتْ بالصراخ والبكاء، وكان من الصعب جدا الاستماع إليها، فقد كانت تمزق القلب، وكان علينا ترجمة صراخها إلى العبرية”.

وأضاف: “كنا لا زلنا مجموعة من صغار السن في عمر الثامنة عشرة؛ حيث ترك الجميع الفصل منزعجا تماما”.

وقال: “لم يكن حتى عملا سياسيا، فقد كان بيننا جناح يميني أصيب بالرعب من ذلك، وأثرت المحادثة في الغالب على الأولاد، أكثر من الفتيات؛ لا أعرف لماذا. وسألتُ القادة لاحقا عما إذا كان علينا تعلم اللغة العربية من هذه الأنواع من المحادثات، لكن لم يكن لديهم إجابة، فقد كانوا أيضا صغارا في السن، ويبلغون من العمر 19 عاما”.

نسخة “برنامج ترومان” في غزة

واستكمل الموقع استعراض شهادات الجنود الإسرائيليين؛ حيث يتحدث عن آدم، البالغ من العمر 23 عاما، الذي أنهى خدمته في فيلق المخابرات العام الماضي، وذلك بعد ثلاث سنوات في وحدة “سيجنيت” التي أشرفت على غزة؛ حيث قال؛ إن “السيطرة على الحدود واعتماد سكان القطاع على إسرائيل، يوفر لإسرائيل معلومات استخباراتية متفوقة، ويجعل من الممكن تجنيد متعاونين”.

وأضاف: “ليس لديهم طريقة للخروج من هناك، كما يعمل المصريون معنا بتعاون كامل”.

وقال جندي آخر، خدم في وحدة تكنولوجيا في فيلق الاستخبارات في عام 2019؛ “إنك تتحكم في جميع معابرهم؛ وهذا يمنحك الكثير من القوة، وإذا كانت غزة مرتبطة بالضفة الغربية، فإنك تفقد بعضا من تلك القوة، ولكن اليوم نتحكم في كل ما يدخل ويخرج، سواء جسديا أو إلكترونيا، أو من حيث الأشخاص، وهذا يسمح بمزيد من أساليب العمل”.

وأوضح: “على سبيل المثال، يتوسل الناس في غزة ليتمكنوا من السفر من أجل الدراسة في الخارج أو زيارة الأقارب خارج القطاع، ويمكن استخدام ذلك لتحويلهم إلى متعاونين”.

وأفاد الموقع بأن المعلومات الشخصية التي يجمعها الجيش تُستخدم لتجنيد المتعاونين؛ حيث قال آدم: “لا يوجد شيء اسمه الخصوصية، فأنت تعرف كل شيء عن الشخص؛ ما يحبونه، ما صوروه [على هواتفهم]، وما إذا كان لديهم حبيب، وتوجههم الجنسي؛ فكل شيء مكشوف تماما، ويمكنك جمع معلومات عن أي شخص تريده، وأنت تعلم أن هؤلاء الناس لا يريدونك أن تعرف هذه الأشياء”.

واختتمت المجلة تقريرها بما قالته شيرا، وهي من جنود فيلق المخابرات، شعرت وأننا كلنا نعيش في نسخة من فيلم “برنامج ترومان”.

Comments are closed.