في القدس والمعاناة وفرّق تسد

بقلم: عماد عفيف الخطيب

كان الله في عون الفلسطينيين أينما وجدوا فقد إختلفت وتنوعت معاناتهم اليومية على الرغم من وحدة همهم الأكبر من إحتلال جائر طال أمده جاثماً على صدورهم. تسافر بين المدن الفلسطينية، بل حتى بين الأحياء داخل المدن لتسمع وتلمس مختلف أنواع المعاناة وغالباً ما ينتهي الوصف بحمد الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. الفلسطينيون في قطاع غزة لهم خصوصيتهم في المعاناة كما في الهموم، فالحصار والحروب التي شُنت على قطاع غزة لا تزال أثارها الجائرة ماثلة في الاف من الضحايا، شهداء وجرحى وفي مباني وبنية تحتية لا زالت مدمرة، وفي أراضي زراعية مستهدفة. مآسي تراكمت وأشتدت وطالت الحياة الإقتصادية والإجتماعية لاهلنا هناك وهم يتحملون فوق ما يتحمله البشر أمام سمع ونظر العالم الحر. وفي مناطق الضفة الغربية فإن لإهلنا في المدن والقرى والأحياء معاناة من أنواع أخرى، منها الإقتحامات المتواصلة للمدن والأحياء شمالاً وجنوباً، ومنها الإجراءات القاسية التي تمس أبسط مناحي الحياة بما فيها التنقل بين المدن والأحياء، أو الوصول إلى الأراضي المزروعة للعناية بها أو حتى لأماكن العبادة لإعمارها. طلاب المدارس والجامعات في المناطق التي تمددت المستعمرات على أراضيها أو لتخومها لهم ولذويهم معاناتهم اليومية سواء خلال تنقلهم اليومي، أو في قدرتهم على تلبية إحتياجات تعليمهم. أما من يعاني من الأمراض ومن هم من ذوي الإحتياجات الصحية التي تُلزمهم التنقل للوصول إلى المراكز الصحية المتخصصة فهم بالغالب يتألمون أضعاف الامهم الصحية.
أما فئة الشباب، وهي الشريحة التي تشكل القاعدة الديموغرافية الوطنية الأوسع فمعاناتهم وهمومهم تتفاوت وتختلف حيثما وجدوا في الوطن، ومنها حرية التنقل والسفر والمقدرة على التعليم والعمل والقدرة على التخطيط لمستقبل مهني وإجتماعي في ظل وضع إجتماعي وإقتصادي لم يكن يوماً مستقراً. العديد من الشباب الأقرب بتواجدهم للقدس يُحرمون من الوصول لمدينتهم المقدسة، والعديد منهم لم يرى مدينة القدس ومعالمها إلا من خلال صورة معلقة على حائط في بيته أو مكان عمله، أو خلفية لشاشة حاسوبه أو لهاتفه الذكي، وينتظر لعله يحظى “بزيارتها” يوماً مجتازاً جدار فصل كريه وحاجزاً عسكرياً غريباً عن هذه الأرض.
وفي القدس تختلف المعاناة وتتعدد فتبدأ بالهم الأكبر لجميع المقدسيين بتحقيق “شروط” إثبات “مركز السكن” لهم ولمن في ولايتهم كي لا تُلغى “إقامة دائمة!” وبطاقة هويه مفروضة ليصبح معها المقدسي ومن في ولايته في كرب عظيم. ثم معاناة الشباب الذين يجتهدون في عملهم ليؤسسوا أسرة لكنهم في الغالب يصطدمون بواقع يتمثل في توفير سكن يحقق “شروط مركز الحياة”، فأجرة شقة صغيرة في القدس تستنزف في الغالب الدخل الشهري أو معظمه، أما أن يفكر مقدسي في “مشروع” شراء شقة صغيرة فعليه أن يبدع كيف يمكن له العمل وتوفير “مئات الاف الدولارات” ليحقق “حلم العمر”. يقف المقدسي خط دفاع لشعبه ولأمة بكاملها أمام تهويد المكان والمقدسات ومحاولات محو الهوية والثقافة الوطنية متيقناً بأن ثمن رباطه وما تحمّل من معاناة يهون أمام الوطن والحفاظ عليه.
إن إختلافنا في معاناتنا التي نعلم جميعا سببها الأساسي لا يمكن أن نسمح بأن تكون سبباً لتفرقتنا بين فلسطيني “مقدسي” أو “ضّفي” أو “غزّي” في أنتقاد تصرف شاذ لفرد أو حتى لأفراد فهذا ما يعمل عليه من يستهدف وحدة مصيرنا فيفرقنا في الامنا ومعاناتنا ليسهل عليه التحكم بنا وتعزيز سيادتة وروايته. وهنا يأتي دور الإعلاميين والمثقفين في تحقيق أمانة رسالتهم الوطنية الموحّدة وليس المفرّقة.

Comments are closed.