أملنا الكبير في الجزائر

 بقلم: منيب رشيد المصري 

منذ أن أعلنت الشقيقة الجزائر عن نيتها في العمل على إنهاء ‏الانقسام الفلسطيني البغيض، وبدأت من أجل ذلك خطوات ‏عملية، وعمل دؤوب، ونحن نقول بأن الجزائر فتحت لنا طاقة ‏فرج وأحيت وعززت الأمل لدينا بأن هذا الملف سوف ينتهي، لأن ‏الجزائر ليس لها أي مصلحة إلا إعادة الاعتبار للمشروع ‏الوطني الفلسطيني، لذلك نحن نقول بأن الجزائر هي أم ‏البدايات وحاضنة الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ ما قبل ‏الانطلاقة الفعلية لها‎.‎


وفي الوقت الذي نضع كل ثقتنا في دولة الجزائر، فإننا على ‏يقين تام بأنها لن تخذل الشعب الفلسطيني، وسوف تبقى تعمل ‏بلا كلل أو ملل وصولاً إلى الهدف الأسمى وهو توحيد الشعب ‏الفلسطيني، ونحن جميعاً نقف خلفها ومعها من أجل ذلك.

وقد ‏عملنا ومنذ بدايات الانقسام على محاولة إنهائه، من خلال ‏مبادرات ولقاءات وجولات وحوارات، استشعاراً منا بسوء الوضع ‏الفلسطيني وقراءتنا المستقبلية إلى أن الأمور ذاهبة حتماً إلى ‏صراع داخلي‎.‎

‎كنا قد اطلقنا مبادرة سميت ب”مبادرة القطاع الخاص”، التي ‏دعت إلى تنحية الخلافات جانباً واحترام نتائج الانتخابات ‏التشريعية، وسيادة القانون، ولجم المظاهر المسلحة، والتراشق ‏الإعلامي، ولكن للأسف حدث ما حدث‎.‎

والآن بعد قرابة ” ١٥” عاماً من بدء الانقسام الداخلي أي ‏منذ منتصف حزيران 2007، ونحن نعمل وبالشراكة مع كل ‏مكونات المجتمع الفلسطيني للوصول إلى صيغة لإنهاء ‏الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، على قاعدة الشراكة السياسية ‏الكاملة، ضمن برنامج وطني جمعي تحت مظلة منظمة ‏التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب ‏الفلسطيني‎.‎

إن ما يحصل حالياً من تفتت وتشرذم، وبوادر لانفلات أمني ‏تغذيه دولة الاحتلال، وهي بالتوازي تحاول العمل على تحديد ‏دور السلطة في أن تكون حارساً لأمنها ليس أكثر، وتحويل ‏الصراع إلى مجرد قضايا إنسانية واقتصادية، كل ذلك يستدعي من الجزائر ‏العمل فوراً على إنهاء الانقسام وقطع الطريق على الاحتلال ‏واعوانه في إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني.


جهود الشقيقة الجزائر بارقة أمل جديدة ومهمة ويجب إنجاحها ‏من أجل وقف حالة السوء التي نعيشها، إننا نريد إنهاء ‏الانقسام، لكي نتفرغ لمقارعة الاحتلال، وصولاً إلى العودة ‏والحرية والاستقلال، مًقرين بحل الدولتين، كحل مرحلي، ‏ومقبول دولياً، ولكن في ذات الوقت يمكن لهذا الحل أن لا يرى ‏النور بسبب سياسات الاحتلال على الأرض التي فرضت ‏حقائق استعمارية جعلت من الصعب لا بل من المستحيل إقامة ‏دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، ‏لذلك نحن ندعو إلى دولة فلسطينية واحدة علمانية على كامل ‏التراب الفلسطيني تتسع لجميع مواطنيها، وهذا الخيار كان ‏مطروحاً من طرف حركة “فتح” منذ العام 1968‏‎.‎

ستبقى الجزائر هي السند للشعب الفلسطيني، وسنبقى نعمل ‏سوياً من أجل إنهاء الاحتلال الذي أساسه إنهاء الانقسام ‏وصولا إلى الوحدة الوطنية، ومن أجل هذا ومن أجل دعم ‏جهودكم الكريمة فقد قمنا بصياغة ميثاق شرف وافقت عليه ‏ست فصائل فلسطينية وازنة في الساحة الفلسطينية.

وقد ‏استنكرت هذه الفصائل ودعت إلى إنهاء الانقسام وعبرت عن ‏شكرها ‏‎”‎العالي للجزائر قيادة وشعبا على هذه المبادرة المباركة ‏وعلى كل المواقف النضالية المشرفة اتجاه فلسطين أرضا ‏وشعبا وقضية، ونعتبر المبادرة الجزائرية بمثابة فرصة ذهبية ‏لإنهاء الانقسام الالتزام بها واجب وإفشالها خيانة وجريمة ‏وطنية‎”.‎

لدينا رؤيتنا لإنهاء الانقسام وإعادة بناء الوضع الداخلي على ‏أسس ديمقراطية تشاركية، وهذا يبدأ بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ‏بين الطرفين (فتح وحماس) ابتداءً باتفاق مكة الذي كان قبل ‏الانقسام في شباط 2007، مروراً بكل الاتفاقيات التي اعقبته ‏مثل الورقة المصرية 2009، واتفاق القاهرة 2011، واتفاق ‏الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014، واتفاق القاهرة 2017، ‏واجتماعات القاهرة 2021‏‎.‎
وأيضاً إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الإطار ‏الجامع للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وهي الممثل ‏الشرعي والوحيد لهذا الشعب، وهي بحاجة إلى دمقرطة ‏حياتها الداخلية وتقوية مؤسساتها، وانضمام جميع الفصائل ‏اليها، لأن إبقاء المنظمة على هذا الحال لا يخدم أحدا بل ‏يساهم في تهميشها، فالمطلوب الآن هو الاتفاق على آلية تعيد ‏الاعتبار لها، والانتخابات هي أساس دمقرطة مؤسساتها، وهناك ‏اتفاق العام 2005، وكذلك قرارات المجلس المركزي 2015 ‏و2018، كفيلة بإعادة الاعتبار للمنظمة كهوية جامعة للشعب ‏الفلسطيني‎.‎

كذلك هناك أهمية كبيرة لإعادة صياغة العلاقة ما بين منظمة ‏التحرير والسلطة الفلسطينية من حيث إعادة تعريف ‏وظائفها وتحديدها بكونها ذراع المنظمة لإدارة شؤون ‏الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967، فاستمرار الوضع ‏الحالي في طبيعة العلاقة التي تحكم المنظمة مع السلطة ‏يؤشر إلى ذوبان المنظمة في هياكل السلطة، وهذا الأمر له ‏تبعات سياسية سيئة جدا على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى ‏المشروع الوطني بشكل عام‎.‎

وكذلك هناك حاجة إلى إعادة مفهوم الشراكة السياسية الكاملة ‏وعدم الاستفراد بالقرارات، يبدأ من إصلاح وتطوير وتفعيل ‏مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية ‏أساسها الانتخابات، وإن البدء بدمقرطة مؤسسات منظمة ‏التحرير الفلسطينية يشكل أساسا لإعادة الحياة بقوة إلى المجلسين ‏الوطني، والمركزي، والنقابات والاتحادات، وحتى ‏الأحزاب التي فقدت دورها الفاعل في أوساط الشعب ‏الفلسطيني، وتشجيع تأسيس تجمعات وحركات وأحزاب جديدة ‏وتمكينها وتسهيل دمجها في النظام السياسي وفي هياكل ‏منظمة التحرير، التي هي هياكل تمثيلية تأخذ ‏شرعيتها من صندوق الاقتراع، ووجودها ضرورة لحماية ‏المجتمع وتحصين وتقوية وضعه الداخلي، لتمكين وتعزيز ‏صموده وزيادة وتوسيع مشاركته في المقاومة بجميع أشكالها‎.‎

وهناك ضرورة لتجديد الشرعيات من خلال إجراء الانتخابات ‏العامة هي نقطة ارتكاز أساسية لإعادة الاعتبار للمشروع ‏الوطني داخلياً وخارجياً، وهي مخرج ديمقراطي لإعادة تجديد ‏الشرعيات في جميع الهياكل التمثيلية لمؤسسات الشعب ‏الفلسطيني وعلى رأسها المجلس الوطني، الذي هو ‏الهيئة التشريعية العليا لكل الشعب الفلسطيني، في الوطن ‏والشتات وليس السلطة الفلسطينية وهياكلها، الذي يجب إعادة ‏تعريف مهمتها الوظيفية، وحصرها في إدارة الشأن العام ‏للفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967‏‎.‎

يتبع ذلك تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين تحت مظلة ‏منظمة التحرير الفلسطينية،يقوم بمقام البرلمان المؤقت لدولة ‏فلسطين، ويفوض بمهام الرقابة على أداء الحكومة في الأرض ‏المحتلة عام 1967، -والتي مرجعيتها المجلس الوطني ‏الفلسطيني المنتخب و/أو الأمناء العامون أو من ينوب عنهم ‏‏-، وفي هذا رسالة بأن منظمة التحرير هي صاحبة ‏القرار، وبدأت بخطوات عملية في إطار تحقيق المشروع ‏الوطني الفلسطيني، المتمثل بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها ‏القدس الشرقية بما ينسجم مع اعتراف الجمعية العامة للأمم ‏المتحدة بدولة فلسطين بموجب القرار 19/76 لعام 2012. ‏وهذا يعني عدم العودة للمفاوضات تحت سقف اتفاقية أوسلو ‏التي لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة ‏الدولة وتبقيه رهينة لسياسة الأمر الواقع المتمثلة باستمرار ‏الاحتلال وزيادة الاستيطان والضم الفعلي لكل الضفة الغربية‎.‎

إن النقاط أعلاه قد تشكل أساساً للوصول إلى الوحدة الوطنية ‏من خلال إنهاء الانقسام والاتفاق على برنامج سياسي نضالي، ‏وبما يضمن الشراكة السياسية الكاملة، وصولاً إلى تحقيق ‏الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة والحرية ‏والاستقلال وبناء الدولة، ونأمل أن تكون محطة الجزائر خاتمة ‏المأساة الفلسطينية‎.‎

كلنا أمل أن تكون الجزائر هي خاتمة المأساة الفلسطينية وأن ‏تقدم مقترحاً لإنهاء الانقسام قائم على أساس الشراكة السياسية ‏الكاملة، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير التي ‏تشكل الهوية الجمعية للكل الفلسطيني، وأن نصل بمساعدة ‏الجزائر ودعمها إلى بر الأمان، فقد كانت الجزائر أم البدايات ‏وستبقى في قلب كل فلسطيني فهي السند المتبقي لنا في ظل ‏الهرولة نحو إرضاء أعداء الشعب الفلسطيني من خلال ‏التطبيع العلني والسري الذي لن يخدم أحداً، لا بل سيضر ‏بمستقبل الشعوب العربية

Comments are closed.