رأت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، أنّ تطبيع العلاقات بين الكيان وبين تركيّا يخدم مصالح الطرفيْن في مجالاتٍ عديدةٍ، وأنّ تعيين سفيرًا تركيًّا في تل أبيب، وتعيين سفيرًا إسرائيليًا في أنقرة، هو خطوة إيجابية جدًا لتطوير وتوطيد العلاقات بين البلديْن، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه المنظومة الدبلوماسيّة ستعمل على ضبط العلاقات بين تركيّا وإسرائيل، وتوثيقها والمحافظة عليها في حال اندلاع أزماتٍ سياسيّةٍ بينهما، بحسب ما أكّدت مُعدّة الدراسة، د. غاليا ليندنشتراوس.
وكشفت الدراسة النقاب عن أنّه على خلفية عملية التطبيع الحالية، رشحّت معلومات تؤكّد أنّ الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان، سيقوم بزيارةٍ لدولة الاحتلال، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ زيارةً من هذا القبيل يجِب أنْ يتّم التخطيط لها بعنايةٍ فائقةٍ وبحذرٍ شديدٍ، لأنّها، أيْ الزيارة، ستُساهِم كثيرًا في تطوير العلاقات بين البلديْن، وبالمُقابِل، تمنع وقوع أحداثٍ سلبيّةٍ تؤثر على العلاقات المُتبادلة بين تل أبيب وأنقرة، ولذا، شدّدّت الباحثة، فإنّ التمثيل الدبلوماسيّ الرفيع في كلتا الدولتيْن بحدّ ذاته يؤدّي إلى تحسين العلاقات ويكون بمثابة منظمة ضبطٍ واعتدال لتركيّا وإسرائيل، وفق أقوالها.
علاوة على ما جاء أعلاه، أكّدت الدراسة أنّ قرار تركيّا بالتطبيع مع إسرائيل نابع من عدّة تطورّاتٍ دفعوا أنقرة للمضي قُدُمًا في عملية التطبيع، وهو الأمر التي ردّت عليه دولة الاحتلال بإيجابيّةٍ، ولكن رغم وجود دوافع ذات ثقلٍ سياسيٍّ مُهّمٍ، فهناك قضايا من شأنها أنْ تكون تحدّيات للبلدين، منها التطورّات بين إسرائيل والفلسطينيين، العلاقات التركيّة مع الولايات المتحدّة، وانضمام تركيّا الممكنة في عملياتٍ مُرتبطةٍ بـ(اتفاقيات أبراهام)، وأيضًا طبيعة الخطّة الإسرائيليّة لتصدير الغاز لأوروبا، مُشيرةً إلى أنّ معالجة القضايا التي قد تكون موضع خلافٍ بين البلديْن ستكون سهلةً في ظلّ وجود تبادل سفراء بين تل أبيب وأنقرة، على حدّ قولها.
وشدّدّت الدراسة على أنّ أردوغان يرى في العلاقات مع إسرائيل وسيلة مُساعِدة ومُفيدة لتحسين علاقات بلاده مع الولايات المُتحدّة، وذلك على خلفية التوترات الكثيرة التي تشوب العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة، مُضيفةً في الوقت عينه أنّه رغم إقرار واشنطن بالدور الإيجابيّ الذي تلعبه أنقرة في الوساطة بكلّ ما يتعلّق بالحرب في أوكرانيا، فإنّ الإدارة الأمريكيّة الحاليّة بقيادة جو بايدن ما زالت على موقفها المعارض لقيام تركيا بشراء منظومة الدفاع الروسيّة من طراز إس.400، وبالإضافة إلى ذلك، ما زالت غاضبةً لقيام أنقرة بتقديم المُساعدات لموسكو في الالتفاف على العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا عقب الحرب في أوكرانيا، كما قالت الدراسة.
الدراسة الإسرائيليّة شدّدّت على أنّه في السياق الإقليميّ فإنّ التطبيع التركيّ مع إسرائيل ينسجم تمامًا في تطورّات التطبيع التركيّ في الشرق الأوسط، عبر تحسين علاقاتها مع دولٍ أخرى في الشرق الأوسط، مثل الإمارات العربيّة المُتحدّة، والمملكة السعوديّة، لافتةً إلى أنّه على الرغم من أنّ تركيّا أعلنت معارضتها لـ(اتفاقيات أبرهام)، فإنّها في الوقت عينه تُحاوِل انتهاز الفرص التي تحملها في طيّاتها هذه الديناميكيّة الإقليميّة.
وأشارت الدراسة أيضًا إلى أنّ الإشارات الإيجابيّة التي تمّ توجيهها من أنقرة، وتحديدًا من الرئيس التركيّ أردوغان إلى نظيره السوريّ، د. بشّار الأسد، بعد سنواتٍ من التوتّر الشديد بينهما، تُعتبر أكثر دراماتيكيّةً من تطبيع العلاقات التركيّة مع إسرائيل، بحسب دراسة مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ.
الدراسة أوضحت أنّ المساعي التي قام بها الرئيس التركيّ خلال العقد الأخير لإظهار نفسه كمُدافعٍ عن الفلسطينيين وكقائدٍ للمسلمين توقفّت، وللتدليل على ذلك، فإنّ ردّ الفعل التركيّ على العدوان الإسرائيليّ الأخير ضدّ قطاع غزّة، في مطلع شهر آب (أغسطس) الماضي، كان أقّل سلبيّةٍ من ذي قبل، لافتةً إلى أنّه على الرغم من عدّة إشاراتٍ تؤكِّد تغيّر الموقف التركيّ من حركة (حماس)، والذي تجسّد في قيام أنقرة بطرد عددٍ من قادة حماس من الأراضي التركيّة، إلّا أنّ هناك العديد من الشكوك في أنْ تستجيب أنقرة لجميع طلبات الكيان فيما يتعلّق بحركة (حماس)، وفق تعبيرها.
الدراسة أوصت بأنْ يعمل صُنّاع القرار في تل أبيب على إبقاء وتطوير الخّط المفتوح بين أردوغان ورئيس الكيان يتسحاق هرتسوغ، الذي زار أنقرة في آذار (مارس) الماضي، واستُقبِل بحفاوةٍ بالغةٍ من قبل الرئيس التركيّ، حيث تمّ عزف النشيد الوطنيّ الإسرائيليّ، لأنّ هذا التواصل بين الرئيسيْن التركيّ والإسرائيليّ هو أحد أهّم الوسائل الناجعة لتثبيت العلاقات وحلّ المشكلات بسرعة في حال طفت على السطح، كما وصفتها الدراسة.
Comments are closed.