بقلم: د. أسعد عبد الرحمن
تؤكد الشواهد والوقائع أن الأسرى الفلسطينيين لم يكونوا في يوم من الأيام مجرد مقاتلين أو مقاومين بدون سلاح، بل لطالما كانوا مبادرين حولوا سجون الاحتلال إلى «أكاديمية» للتوعية السياسية الحقة المتمسكة بالأرض والمؤمنة بأن النضال ووحدته وحدهما كفيلان بتحقيق المراد. كما كانوا وما زالوا أصحاب دور كبير في العمل السياسي وكلمتهم مسموعة لربما أكثر من عدد من ما يسمى فصائل المقاومة كونهم رموز التضحية والعطاء يفتخر بهم الشعب الفلسطيني ويعتز بصمودهم وتمسكهم بعدالة قضيتهم. وهنا، يكفي الحركة الأسيرة أنها قد «تجاوزت» الفصائل خارج السجون ونجحت في طرح ميثاق الوحدة الوطنية في العام 2006 الذي سارعت قيادات الفصائل إلى تبنيه واعتماده ولو إلى حين!
هذه الأيام، ها نحن نرى كيف أن الشعب الفلسطيني بات يتابع وبشكل متواصل معاناة الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال، ويقف معهم في معاركهم التي يدافعون فيها عن كرامة شعبهم ومقدساتهم، في ظل عناد إسرائيل المتواصل بتصعيد إجراءاتها القمعية المخالفة لكل المواثيق والأعراف الدولية، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة. بل إن نضالات الأسرى هي من تجبر الاحتلال في كثير من المرات على التراجع عن قراراته. فكثيرا ما دخل الأسرى الفلسطينيون في مواجهات مع السجان وخطوات تمرد وشروع في الإضرابات المفتوحة عن الطعام فرادى وجماعات، ونجحوا في فرض مطالبهم التي لن يكون آخرها ما حدث في الأسبوع المنصرم من إجبار للاحتلال على التراجع عن قراراته المتعلقة بالنقل التعسفي للأسرى المؤبدات بشكل دوري.
هم أصحاب البرامج النضالية المنظمة، التي تؤمن أيضا أن جبهة الإسناد الخارجية إن لم تكن أكثر أهمية فهي على الأقل توازي في أهميتها خطواتهم التصعيدية في وجه المحتل داخل قلاع الأسر. ولذلك، نراهم يصرون دائما على دعوة الشعب الفلسطيني للوقوف بجانب أبنائهم الأسرى سواء عبر الوقفات أمام المؤسسات الدولية، أو من خلال التوجه إلى نقاط التماس مع العدو والخروج في المسيرات والوقفات.
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، وبخلاف المعتقلين الإداريين، يواصل الاحتلال اعتقال نحو 4450 أسيرا، بينهم 32 أسيرة، و160 طفلا تقل أعمارهم عن 18 عاما، فيما الأسرى المرضى نحو (600) أسير يعانون من أمراض بدرجات مختلفة وهم بحاجة إلى متابعة ورعاية صحية حثيثة، منهم (23) أسيراً مصابون بالسرطان، وبأورام بدرجات متفاوتة، فيما عدد الأسرى الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد (551) أسيراً، وأعلى حكم أسير من بينهم الأسير عبد الله البرغوثي ومدته (67) مؤبداً.
قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال معلم بارز من معالم القضية الفلسطينية، وعنوان رئيس في مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني. من هنا، يشدد الاحتلال إجراءاته التعسفية بحقهم ويحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية في محاولة لكسر إرادتهم. فالاحتلال يدرك أن الأسرى جاهزون لدفع كل ثمن من أجل كرامتهم وحقوقهم، ولذلك كثيرا ما يتراجع ويوقف قراراته الظالمة وإجراءاته التعسفية بحق الأسرى ويستجيب لمطالبهم، واّخرها انتصار الاسطورة خليل العواودة في «معركة الامعاء الخاوية» وعدول سلطات الاحتلال عن قرارتها الاخيرة بخصوص هضم حقوق الاسرى في معتقلاتهم.
نعم، الاحتلال لا يتراجع عن إجراءات عدوانية يتخذ قرارا بشأنها إلا عندما يرى صمود ووحدة الأسرى التي تتجسد في كل مرة داخل قلاع الأسر، فهو يعلم أن سلاح الإضراب أحد ابداعات الأسرى النضالية ضمن منظومة استراتيجية «عدم العنف» في مواجهة سلطات الاحتلال .
Comments are closed.