بقلم: جیمس زغبي
إلیكم قصة لم أذكرھا من قبل: سافرت إلى تونس أواخر عام 1993 للقاء رئیس منظمة التحریر الفلسطینیة یاسر عرفات. كنت وقتھا رئيسا مشار ًكا في مشروع «بناة من أجل السالم»، الذي دشنه آل جور، نائب الرئیس الامیركي آنذاك للمساعدة في خلق فرص عمل وتعزیز النمو الاقتصادي في الاراضي الفلسطینیة المحتلة. ارسلت إلى تونس للقاء الرئیس عرفات واللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر الفلسطینیة لشرح مھمتنا والحصول على دعمھم. وكنت قد التقیت بعرفات مرات عدة من قبل. كنا نعرف بعضنا البعض ودار بینننا سجال صریح في الغالب. وحین وصلت، كان الرئیس یجري محادثة ھاتفیة. ونقل لي أنه كان یتحدث إلى «شعبه في لبنان». كان یعلم أن ھذا من شأنه أن یثیر الامور كما جادلنا معه من قبل حول الطبیعة الاستفزازیة، والتي قد تؤدي إلى نتائج عكسیة لوجودھم المسلح في لبنان. واختتم تعلیقاته قائلا، «كما ترى، جیمي (ھكذا كان ینادیني) ھذه ھي مفاتیح القیادة: التواصل وتواجد قوة احتیاط». وحینذاك، دخل الشاعر الفلسطیني الشھیر محمود درویش الغرفة وقال له عرفات، «محمود، أقول لجیمي إن مفاتیح القیادة ھي التواصل وتواجد قوة احتیاط. ألیس ھذا صحيحا؟» وأجاب محمود: وأيضا «الرؤیة یا سیدي. ولوح عرفات بیده في استنكار قائلا «لیس مھما». لم أكتب عن ھذا من قبل احتراما لیاسر عرفات الذي أصبح في ذمة الله الآن واحتراما لمساھماته في الصعود بالھویة والحركة الوطنیة الفلسطینیة، وعلى الرغم من خلافاتنا. وأشارك ھذه القصة الآن لان فكرة «الاتصال والقوة» من دون رؤیة ما زالت تعكس المعضلة الفلسطینیة. كان عرفات متحدًثا فعالا، ومسؤولا لیس فقط عن نقل الرسالة الفلسطینیة إلى الجماھیر في جمیع أنحاء العالم، لكن أيضا عن رأب صدع الخالفات داخل الحركة الفلسطینیة. ومع ذلك، عندما تحدث عرفات وجیله عن الحقوق الاخلاقیة والقانونیة للفلسطینیین أو عن «فلسطین دیمقراطیة علمانیة»، كانوا یتحدثون عن أفكار، رغم أنھا مقنعة ومسوغة، لكنھا لم تشكل رؤیة استراتیجیة مقترنة بتكتیكات واقعیة وقابلة للتنفیذ لتحقیق ھذه الرؤیة. وھكذا، بینما ألھم عرفات الملایین وحشد السلاح، كان استخدام ھذه الاسلحة یأتي بنتائج عكسیة على أھدافھم. القیادات الفلسطینیة المتنافسة الیوم – السلطة الفلسطینیة، «حماس»، «الجھاد الاسلامي» – لم تفلح في استشراف رؤیة استراتیجیة واقعیة ولم تقترح خطوات لتنفیذھا. وتكافح السلطة الفلسطینیة و«حماس» ببساطة من أجل البقاء الامر الذي تتخذه إسرائیل ذریعة لخنقھما بقسوة وتوجیه ضربات قویة دوریا لتقتل مئات الابریاء. ومع ترویض «حماس» الآن، تتحامق حركة «الجھاد الاسلامي» في توھمھا بأن ھجماتھا العشوائیة وصواریخھا غیر الفعالة ستغیر الوضع الفلسطیني.فقد رد السیاسي الفلسطیني الالمع توفیق زیاد ذات مرة على الانتقادات القائلة إنه ینكر حق الفلسطینیین في المقاومة المسلحة، قائلا «قد یكون لكم ھذا الحق، لكن حین ُيستخدم بشكل سیئ كما تفعلون، فإنكم تفقدونه». وما زال من الضروري إجراء تقییم واقعي للوضع الفلسطیني في مواجھة دولة إسرائیلیة قادرة على الاستحواذ المسلح، وبناء على ھذا الواقع، یجري تطویر رؤیة استراتیجیة وخطوات تكتیكیة لتطبیقھا. وأود أن أنتقل إلى المثال البطولي لاولئك في المجتمع المدني الفلسطیني والاسرائیلي الذین یكافحون من أجل خلق حركة من أجل التغییر یمكنھا ترجمة الواقع إلى مستقبل دیمقراطي للجمیع. ولن یحدث ذلك بین عشیة وضحاھا، لكن إذا قامت «القیادات» بفرض الانضباط على قواتھا أو، على الاقل، إبعادھا عن الطریق، فقد یتمخض ھذا عن كفاح جماعي غیر عنیف. والعنف یصب في مصلحة إسرائیل. وعبقریة المقاومة السلمیة، أنھا تحول القوة العسكریة إلى نقطة ضعف وبمقدورھا أن تحول الرأي العام العالمي إلى سلاح قوي للتغییر.
Comments are closed.