كتب حسن عصفور
بعد وقف حرب مايو 2021 مع حماس تم التوصل الى “تفاهمات جديدة” مع حكومة الكيان العنصري، لم تنشر تفاصيلها بعدد، لكنها أكدت خروج الحكم الإخوانجي في قطاع غزة من معادلة المواجهة مع المحتلين، ضفة وقطاع، كان اختبارها الحقيقي معركة أغسطس 2022، بعدما أقدمت الحكومة الفاشية في تل أبيب على اغتيال القيادي في الجهاد تيسير الجعبري، وما فتحته مع رد فعل طبيعي، وقبلها مؤشرات غيابها الكلي عن العمل الكفاحي في الضفة والقدس، مكتفية بالبيانات التي لا تنقطع لتعبئة الفراغ النضالي بكلام “جهادي”.
الصفقة الأخيرة بين حماس وحكومة تل أبيب، فتحت الباب عمليا لدولة الكيان الذهاب سريعا على استكمال خطة شارون التي تم الكشف عن ملامحها بعد توقيع الاتفاق الانتقالي سبتمبر 1995 في واشنطن، لاستكمال عملية تنفيذ اتفاق إعلان المبادئ المعروف إعلاميا باسم “اتفاق أوسلو”، ترتكز خطة شارون على عناصر محددة:
*الخروج الكامل من قطاع غزة.
*تقسيم الضفة الغربية الى عدة مناطق وفقا لحسابات أمنية وتوراتية.
*تقاسم السلطة في الضفة بين الفلسطينيين ودولة الكيان.
*لا سيادة أمنية فلسطينية في الضفة، ويتم التعامل مع التواجد باعتبارها “محميات” تمتع بوضع خاص.
كان الحديث عن الخطة، وكأنه نوع من “الهذيان السياسي” خاصة بعدما توصلت منظمة التحرير وحكومة رابين على البدء العملي بإعادة الانتشار بالضفة الغربية، والتمهيد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية للمرة الأولى في أرض فلسطين بالقدس والضفة وقطاع غزة، نحو استكمال تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية يناير 1996.
في نوفمبر 1995، حدث ما لم يكن في الحساب السياسي، عندما أقدم “تحالف نتنياهو- شارون” على اغتيال رابين كخطوة رئيسية لاغتيال اتفاق أوسلو، وكان لهم ما خططوا، حيث أوقفت حكومة تحالف اليمين الإرهابي بقيادة نتنياهو – شارون عملية تنفيذ الاتفاق بذرائع مختلفة.
ما بعد فشل قمة كمب ديفيد 2000، لإصرار الطرف الأمريكي ورئيس حكومة المحتلين باراك على تهويد البراق، بدأت عملية عسكرية واسعة لتدمير الوجود الكياني الفلسطيني، وخلال تلك الحرب “الوجودية”، وبعد فوز اليمين الفاشي بالانتخابات وتشكيل حكومة برئاسة شارون، وضع حجر الأساس لتنفيذ خطته السابقة في الضفة من خلال ما اسماه “مناطق عازلة” وبناء حواجز وجدار كمقدمة لفرض نظرية “المحميات”، في فبراير 2002.
بعد التمكن من اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات نوفمبر 2004، بدأ التفكير لتنفيذ الجانب الأول من خطة بالخروج الكامل من قطاع غزة، والتي بدأ الترويج لها عمليا 2003، باعتبارها خطوة ستعمل على تحصين مستوطنات الضفة، وحصل على رسالة ضمانات خاصة من الرئيس الأمريكي بوش الابن في أبريل 2004، والتي كشفها دوف فايسغلاس مستشار شارون في حينه (كتب الرئيس الأميركي جورج بوش في الرسالة: “على ضوء الحقائق الجديدة على الأرض، بما في ذلك التجمعات السكانية الإسرائيلية الرئيسية القائمة بالفعل، فإنه من غير الواقعي أن نتوقع أن تكون نتيجة مفاوضات الوضع النهائي عودة كاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949، وجميع جهود المفاوضات السابقة على حل الدولتين أقرت بهذا”.
وفي أغسطس 2005، بدأت عملية الخروج دون أدني تنسيق عملي مع السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، رغم ترحيب أمريكا وحكومة شارون بفوزه بالانتخابات الرئاسية يناير 2005 بعد اغتيال الخالد أبو عمار، ما فتح الباب لتأكيد أن “السلطة الفلسطينية الجديدة”، لا تمثل شريكا ولا قيمة سياسية لها، وانتهى الخروج في 22 سبتمبر 2005.
بعد استكمال الخروج مباشرة، فرضت أمريكا بتنسيق كامل مع حكومة شارون ودعم دولة قطر اجراء انتخابات برلمانية لإدخال حماس فيها بشكل رسمي (وهي من ادعت معارضتها لاتفاق أوسلو)، رغم ان الاتفاق أساسا لا ينص على انتخابات ثانية في المرحلة الانتقالية، لكنها كانت “فخ سياسي” للبدء بتنفيذ خطة شارون لبدء الانقسام.
ما يحدث راهنا في الضفة الغربية، جزء من التنفيذ العملي لاستكمال خطة شارون حول المناطق المعزولة والجدر وبناء حواجز أمنية فاصلة، من خلال عمليات اقتحام يومية وعمليات اعدام فردي وجماعي، واهانات متلاحقة للسلطة سياسيا وأمنيا، ومنذ فوز تحالف الثلاثي “بينيت لابيد غانتس” بدعم من الحركة الإخوانجية برئاسة منصور عباس، لم يحدث أي لقاء سياسي مع السلطة ورئيسها محمود عباس، وكل ما حدث له بعد أمني بما فيها لقاءات غانتس.
مسارعة خطوات دولة الكيان لإنهاك “بقايا السلطة الفلسطينية” تسارعت جدا بعد تصريحات الرئيس عباس في برلين، حيث كسر صندوق ارتعاشه السياسي بالحديث عن جرائم الحرب المرتكبة من قبل دولة الكيان ضد الشعب الفلسطيني.
ما يحدث راهنا في الضفة الغربية هو الاستكمال العملي لتنفيذ الجزء “ب” من خطة شارون لتدمير “بقايا بقايا السلطة”، وفتح الباب لاحقا لأعمال من قبل مجموعات بمسميات مختلفة، لنشر “فوضى أمنية” يستغلها لفرض واقع سياسي جديد.
ما يحدث يتم باتفاق كامل مع الإدارة الأمريكية، وأطراف “إقليمية” لترتيبات ما لمرحلة ما بعد عباس وتطويق “الفوضى الأمنية”، التي يرونها خطر لا بد من حصاره، وهناك أطراف فلسطينية ليست خارج تلك الترتيبات بأسماء مختلفة، تقف على أهبة الاستعداد بل بدأت عمليا تقديم أوراق الولاء السياسي مبكرا.
التطورات المتسارعة لتدمير مكونات السلطة وتغيير هيكلها ضمن “النظرية الشارونية” لتصبح “محميات” بالضفة، تجري تحت سمع وبصر حركة فتح وقيادتها، سلطة وأجهزة، وكذلك في غياب كلي لمنظمة التحرير، تنفيذية ومؤسسات، كأنهم “مخدرين الى حد البلادة”.
دون انتفاضة سياسية وطنية بقيادة حركة فتح، وقبلها غضب حقيقي من “تنفيذية منظمة التحرير” لمواجهة المخطط المعلن لاستكمال تنفيذ خطة شارون، سيكون نهاية للمشروع الوطني الفلسطيني وبداية اعلان مشروع التهويد العام، والتحضير لإعلان محميات الضفة ونتوء كياني في قطاع غزة، وترتيبات خاصة للمقدسيين كسكان دون حقوق قومية، والشروع العملي في بناء “الهيكل الثالث” على حساب البراق والمسجد الأقصى.
الخيار- القرار بيد الرئيس محمود عباس، هو دون غيره، إما الانتفاض عبر خطوات تربك كل مشهد التدمير، أو الاستسلام لمخطط لم يعد مجهولا أبدا لتدمير المشروع الوطني.
ملاحظة: أخيرا خرج صهيوني كامل الأركان ليعلن أن هناك فاشية بين اليهود..قال لبيرمان اليهودي الروسي ومن غلاة كارهي فلسطين أن نتنياهو مثل “غوبلز”..معقول يحكوا عنه انه “غير سامي”..لنشوف بس الصراحة هاي اول مرة يصدق بحياته!
تنويه خاص: جيش الحركة الإخوانجية الحاكمة في غزة، بدا حملة إعلامية منسقة تحت شعار كم باق من زمن مهلة الرئيس عباس للكيان قبل عام..الحملة تتوازى مع حملة المحتلين لانهاك السلطة واهانتها…كتير الصدف صارت بينهم.. و”يا محاسن الصدف”!
Comments are closed.