وعزل ممول الجماعة المركز الأوروبي: المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا يطرد منظمات إخوانية

قام المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا بطرد منظمات إخوانية من صفوفه وتجريد قيادي إخواني بارز من كل مناصبه داخل المجلس.

وقام المجلس مساء  يوم 17 سبتمبر 2022 بطرد كافة الواجهات الإخوانية من عضوية المجلس، وفي مقدمتها المركز الإسلامي في ميونخ واتحاد الطلبة التابع للإخوان المسلمين، كما قام بتجريد إبراهيم الزيات المعروف بـ”وزير مالية الإخوان” من كافة مناصبه داخل الاتحاد.وجاءت هذه القرارات في أعقاب الانتخابات التي عقدها المجلس ووسط توجهات جديدة تقضي بإقصاء الواجهات الشرعية لجماعة الإخوان والتي يتم استخدامها كأدوات للعمل لصالح الجماعة.  

كان المجلس قد وافق  وفي يناير 2022 ، على إسقاط عضوية جمعية “التجمع الإسلامي الألماني”، التي تصنفها السلطات الأمنية بأنها تابعة للإخوان المسلمين أيضاً. ووفق المعلومات التي تكشفت، فإن القيادي الإخواني إبراهيم الزيات كان له دور بارز في الإشراف على منظمات الإخوان بألمانيا كلها، ثم زاد دوره بعد زواجه من صبيحة أربكان ابنة شقيق نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاة التركي.

وأنشأ مع بعض معاونيه ما يسمى المجلس الأوروبي لفتوى والأبحاث كمصدر للفتوى الدينية للمسلمين في أوروبا، ووسيلة للتغطية الدينية لعمليات جمع أموال الزكاة. إبراهيم الزيات المسئول الأول لتمويل جماعة الإخوان من ألمانيا. 

المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا ZMD..   المهام والعلاقات

يعود تاريخ إنشاء المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا إلى عام 1994 تحت رئاسة ” نديم إلياس” بهدف متابعة شؤون الجالية المسلمة في ألمانيا، حتى أنه تبنى منذ عام 1997 يوم 3 أكتوبر من كل عام يوم ” المسجد المفتوح” للحد من التحيز ضد الإسلام، ويشارك في عضويته نحو (10) آلاف شخص أغلبهم من المسلمين الأتراك. ويضم نحو (4) اتحادات إسلامية كبرى بألمانيا و(20) منظمة متعددة الانتماءات يتبعها نحو (300) مسجد.

ورغم محاولات المجلس للبعد عن شبهة التورط مع جماعة الإخوان المسلمين، لكن مازالت الانتقادات توجه ضده بشأن اختراق الجماعة لأنشطته، لذا وجه دعوة لمنظمات ألمانية وأئمة وسياسيين ورجال دين للمشاركة في أسابيع مناهضة العنصرية خلال الفترة من 14 إلى 17 مارس 2022 للتأكيد على موقفه المناهض للتطرف والعنصرية والتزامه بقيم المجتمع الألماني من الاحترام والتسامح.

وفي 31 يناير 2022 أنهى المجلس علاقته بأهم أعضائه المؤسسين ” التجمع الإسلامي الألماني DMG” والذي عرف في السابق باسم ” الجمعية الإسلامية في ألمانيا” باستبعاده رسميا بعد أن علق عضويته خلال عام 2019، وجاءت الخطوة لنفي أي علاقة تربطه بجماعة الإخوان بعد تصنيف جهاز حماية الدستور ” الاستخبارات الداخلية” التجمع الإسلامي جزء من الشبكة العالمية للإخوان ومنظمتهم المركزية في ألمانيا.

ويعد التجمع الإسلامي أضخم جمعية تضم الإخوان في ألمانيا ومنحته العضوية بالمركز الإسلامي فرصة للتواصل مع بعض القنوات السياسية، لذا شهد مؤتمر الإسلام في ألمانيا لعام 2007 واقعة غريبة بحضور رئيس التجمع آنذاك إبراهيم الزيات مع وفد المجلس رغم عدم توجيه الداخلية دعوة للأول.

ومنذ هذه اللحظة وقعت الداخلية في مأزق لعلاقتها القوية بالمركز الإسلامي الذي نجح في الحصول على أموال لتمويل مشروعاته والتواجد سنويا في ” مؤتمر الإسلام في ألمانيا” تحت رعاية وزارة الداخلية بهدف دمج المسلمين في المجتمع، واتجهت الأنظار إلى علاقة التجمع الإسلامي بالإخوان ما دفع الاستخبارات لاتخاذ إجراءات مباشرة ضده.

تقييم واقع المسلمين وعمل المجلس الإسلامي بألمانيا ـ محاربة التطرف

تنعكس التركيبة السكانية للمسلمين بألمانيا على درجة تأثيرهم في المجتمع والحياة السياسية، فالنسبة الأكبر من المسلمين من أصول مهاجرة، ويحمل (2.6)مليون مسلم الجنسية الألمانية وتتراوح أعمار نصفهم ما بين 18 و29 عاماً، بينما تبلغ نسبة من هم ستون عاماً أو أكثر أقل من (5%) .

وطوال السنوات الماضية لم يكن هناك تأثير مباشر من المسلمين في المجتمع الألماني، ويعود الأمر إلى تراجع المستوى التعليمي لبعضهم لطبيعة ظروف الهجرة وبالتالي تراجع المستوى الاجتماعي وظروف الإقامة، وبالرغم من هذا لمس المسلمون بألمانيا تحسن في مستوى المعيشة مقارنة بحياتهم السابقة لذا يشعرون بالرضا تجاه أداء الحكومات نظرا للثقة في تطبيق القانون داخل المجتمع. أما على المستوى السياسي يميل المسلمون إلى الحزب الاشتراكي ومن بعده حزبي الخضر واليسار بينما تتراجع لديهم شعبية حزب البديل، ورغم صغر أعمار الناخبين المسلمين لكن لا يقبلون بالشكل المتوقع على التصويت.

وينقسم عمل المجلس الأعلى للمسلمين إلى جانبين، الجانب الأول يرتبط بدوره كحلقة وصل بين المسلمين والمؤسسات بألمانيا كونه الصوت الإعلامي الأكثر تواجداً بين باقي المنظمات الإسلامية والأكثر تواصلاً مع وزارة الداخلية، ويرغب المجلس في أن يصبح له تواجد بشكل فعلي بين المسلمين خاصة وأن (16%)  فقط يدركون دوره ما يشير إلى فجوة كبيرة في الدور المتوقع منه حول دمج المسلمين في السياسة. أما الجانب الثاني تثار حوله الشكوك نظراً للعلاقات التي ربطته بالتجمع الإسلامي وجماعة الإخوان من ناحية، والاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية من ناحية أخرى، لاسيما مع تقارب الأفكار الإيدلوجية في مدينة آخن غرب ألمانيا بين قيادات المجلس المتأثرين بإخوان سوريا وقيادات التجمع المتأثرين بإخوان مصر، لذا يتحفظ المجلس الإعلان عن أعضائه ويعتمد على هيكل غير مركزي للبعد عن المراقبة الأمنية.

الإخوان المسلمون في ألمانيا ـ مشاريع قرار للحد من أنشطة الجماعة

توالت التحذيرات في الآونة الأخيرة حيال تزايد أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا بشكل ملحوظ، بداية من رصد أكثر من (150) قيادياً إخوانياً وصولاً إلى إحكام سيطرة الجماعة على الكثير من الجمعيات والمساجد، الأمر الذي يهدد ألمانيا بأن تصبح نقطة التمركز الثانية للإخوان المسلمين في أوروبا بعد المملكة المتحدة. ومن هنا تكثف الاستخبارات الألمانية الداخلية جهودها في جمع المعلومات عن طبيعة العلاقات المستترة بين الإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية من جانب، والإخوان وباقي التنظيمات المتطرفة مثل تنظيمي داعش والقاعدة لنشاطهما في بعض المدن الأوروبية.

ثقل الإخوان في ألمانيا؟

نجحت جماعة الإخوان المسلمين في تكوين شبكة علاقات قوية مع الاتحاد الإسلامي التركي والمجلس الأعلى للمسلمين ومن ثم التجمع الإسلامي ومنظمة الجالية المسلمة بألمانيا، ما منحها فرصة التواجد بين المسلمين الألمان والسيطرة بشكل أوسع على المساجد ونشر أفكارها بشكل تدريجي بهدف عدم إثارة الشكوك حولها، مع الاعتماد على مصادر تمويل مستترة من خلال الجمعيات الخيرية بألمانيا وخارجها واستغلال القوانين الألمانية لبناء اقتصاد قوي، إضافة إلى محاولة كسب ثقة المجتمع والساسة الألمان والنأي بنفسها عن الأفكار المتشددة الصادرة من باقي التنظيمات المتطرفة، والعمل عبر خلايا سرية لاستقطاب الشباب والفئات غير القادرة على الاندماج بالمجتمع والفئات الأقل تعليما، ليصبح للجماعة ثقل كبير وممتد داخل المجتمع الألماني منذ عقود طويلة، ما ينذر بخطورة بالغة من استخدام الجماعة الجالية المسلمة كورقة ضغط على الحكومة لتحقيق مصالحها باختراق مؤسسات المجتمع التعليمية والثقافية مستغلة التشريعات الألمانية.

مشاريع حظر الإخوان بألمانيا.. ما مصيرها؟

مع تزايد مخاطر تمدد نفوذ الإخوان المسلمين، تعالت الأصوات داخل البرلمان وبعض الأحزاب الألمانية للمطالبة بإصدار قرار حظر نشاط الجماعة وتعقب أنشطتها المتطرفة. وفي 15 مارس 2022 قدم حزب البديل من أجل ألمانيا للبرلمان مشروع قرار يستهدف تشديد الرقابة على مصادر تمويل تيار الإسلام السياسي وتجفيف منابع تمويل جماعة الإخوان المسلمين. ونشر البرلمان الألماني في 9 يونيو 2022 وثيقة عن طلب إحاطة من قبل حزب البديل عن بعض منصات الإسلام السياسي، وكشفت الوثيقة عن وجود داعمين داخل الحكومة وبعض مؤسساتها الإعلامية وحزبي اليسار والخضر، مستندة على أن غياب فحص المنصات المسجلة وعلاقاتها مع المنظمات الأخرى وطبيعة خلفية العاملين بها والخلط بين الحق في الحريات والتطرف ساهم في تعاون الإخوان مع هذه المؤسسات.

وبالمثل قدم حزب اليسار للبوندستاغ في 19 يوليو 2022 طلب إحاطة يتعلق بتمدد الإخوان داخل ألمانيا وعبر الحدود مع النمسا، وتشابه هذا الطلب مع ما كشفته الاستخبارات الألمانية من وجود روابط بين إخوان النمسا وإخوان ألمانيا وتورطهما في تنفيذ هجمات إرهابية على أوروبا خلال عام 2020 و 2021، بعد رصدها لتزايد أعضاء الجماعة الأساسيين إلى (1450) في ألمانيا خلال عام 2020.

حظر جماعة ” أنصار الدولية“

أقدمت ألمانيا على حظر جماعة ” أنصار الدولية” المعروفة بعلاقتها القوية بالإخوان في 6 مايو 2021، لتمويلها الإرهاب ولقيامها بدور الوسيط بين الإخوان والمتطرفين في ألمانيا، وتشير هذه الروابط إلى احتمالية اكتساب الإخوان مهارات تجنيد الشباب من الجماعات المتطرفة، وتعلم الثانية أساليب التخفي عن أعين الأجهزة الأمنية مثل الإخوان لذا تعد خطوة حظر هذه الجماعات بداية لحظر الإخوان في ألمانيا.

وتركز الاستخبارات على تتبع مصادر تمويل الإخوان لتضييق الخناق على أنشطتهم، لإدراكها فشل سياسة الانخراط الحذر التي اتبعتها مع الإخوان واكتفائها بوقف تواصلهم مع الجماعات الإسلامية خارج أوروبا لتحجيم وجودهم، خاصة وأن منظمة “يوروب تراست” الأداة المالية للإخوان في أوروبا ومقرها بالمملكة المتحدة تمكنت من الاستحواذ على عقار بقيمة 4 ملايين يورو في حي ويدينج ببرلين الذي يضم جمعيات أخرى ممولة للإخوان.

ورغم المشاريع المقدمة للبرلمان لحظر الإخوان والمعلومات التي تتحصل عليها الاستخبارات بشأن تورط الجماعة في نشر التطرف، إلا أن حظر نشاطها مازال خطوة معلقة لسببين، السبب الأول يرتبط بأن مسألة تجهيز المقترح وجمع الأدلة ومناقشتها داخل الحزب تمهيدا لطرحه على البرلمان كمشروع قرار يتطلب وقت، علاوة على أن تقاطع المصالح بين بعض الأحزاب والإخوان يمثل عقبة لعملية المناقشة داخل الحزب وإقراره أمام البرلمان.

ويتعلق السبب الثاني بطبيعة القوانين الألمانية التي تتطلب أدلة دقيقة وواضحة للإقدام على قرار بحجم قرار حظر الإخوان نهائيا، وتتمثل الأدلة في إثبات تمويل الجماعة للهجمات الإرهابية وتواصلها الدائم مع تنظيمات متطرفة ورصد تحركاتها داخل المساجد ومؤسسات الدولة، وتصعب هذه المهمة على الاستخبارات لاتباع الإخوان سياسة التحايل على القوانين والتستر وراء جمعيات خيرية.

النشاط الناعم للإخوان أخطر من الجماعات “الجهادية“

” الذئاب في ثياب الحملان” هكذا وصفت الاستخبارات الألمانية الإخوان المسلمين في تقريرها الصادر في 10 يناير 2022 عن خطورة الجماعة المتطرفة، نظرا لارتفاع أعداد الجمعيات الإسلامية إلى (960) جمعية ومحاولاتهم المستمرة لتأسيس نظام سياسي واجتماعي متطرف في ألمانيا، باعتمادهم على سياسة اختراق مؤسسات الدولة لخلق كوادر وساسة يصبحون صناع قرار في المستقبل يستطيعون من خلالهم تكريس العنف والتطرف. واتبع الإخوان استراتيجية مختلفة في ألمانيا عن باقي أوروبا، بالتبرؤ من علاقاتهم بالتنظيمات المتطرفة والترويج لأفكارهم عبر رسائل مزدوجة تحمل معاني خفية حتى يصعب على الأجهزة الأمنية كشفها، حتى أنه وصل الأمر صياغة الرسائل باللغتين التركية والعربية والمراوغة في حالة كشفها بأنها تفسيرات خاطئة للمعني ليس أكثر.

ويعد” التجمع الإسلامي الألماني DMG ” نموذجا لهذه السياسة، وتتمثل خطورته في عدد أعضائه الذي يبلغ نحو (1450)  شخصا وعمله الذي يطلق عليه ” الطيف القانوني” الذي يعتمد على إحداث تغيير على المدى البعيد بالمجتمع وإقامة أنظمة سياسية إسلامية لا تتوافق مع مبادئ الحرية والديمقراطية وليس بتنفيذ هجمات إرهابية، الأمر الذي دفعه لتغيير اسمه عدة مرات هربا من رقابة المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومحاولة لتجميل صورته أمام الرأي العام الألماني.

وطدت الجماعة تعاونها مع المراكز الإسلامية ليس بهدف التمويل فقط بل للحصول على مساحة الظهور إعلاميا في الفعاليات العامة ومصافحة الشخصيات العامة لتصحيح صورتها مع ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية في أوروبا ونفي أي تحذيرات أمنية بشأن خطورتها على المجتمع بهدف خلق أزمة ثقة بين الألمان ومؤسسات الدولة.

ولم يكف الإخوان عن الترويج لخطاب أن الجماعة أقلية تتعرض للتمييز وأن هذا الحال يتشابه مع أوضاع الجالية المسلمة في ألمانيا بنشر وقائع مزيفة مغلوطة لاستقطاب الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطرح الخلايا الإلكترونية مناقشة بعض القضايا الشائكة مثل المرأة أو حقوق الأقلية أو المشاركة السياسية أو العنصرية في المجتمع الألماني وتتسلل من خلالها لكسب ود بعض الفئات من الجالية المسلمة التي تؤمن بالحريات الدينية ويصعب الوصول إليها عبر المراكز الإسلامية والمساجد.

قراءة مستقبلية 

رغم تحفظ الاستخبارات الألمانية في الإعلان عن التحقيقات الجارية بشأن جماعة الإخوان المسلمين والجمعيات ذات الصلة بها، لكن تصبح هذه التحركات الأمنية دافعاً كبيراً للأحزاب الألمانية لتقديم مزيد من الأدلة في طلبات الإحاطة المقدمة للبرلمان لحظر الجماعة، وتحمل هذه الطلبات مؤشرات واضحة للألمان بتغيير الدولة سياساتها في التعامل مع هذا الملف الشائك واتخاذ خطوات جادة لتضييق الخناق على الأفكار المتطرفة.

وتعد التساؤلات الأخيرة عن مصادر تمويل الإخوان بألمانيا والمطالبة بتجفيف منابع هذه الأموال سواء من داخل أو خارج ألمانيا جرس إنذار للمؤسسات الاقتصادية والمراكز الإسلامية والأحزاب السياسية المتورطة في دعم الجماعة للنأي بنفسها عن جماعة الإخوان والتوقف فوراً عن تقديم أي دعم من أي نوع لها من ناحية، وتحذير شديد اللهجة للجماعة نفسها بضرورة الكف عن أساليب التخفي والتغلغل في المؤسسات التعليمية والمساجد من ناحية أخرى، ما يجبر الجماعة على إعادة ترتيب أوراقها من جديد ورسم استراتيجيات جديدة في التمويل واستقطاب عناصر لها والتسلل للمجتمع الألماني، ومن هنا لحين الانتهاء من هذه التغييرات تتراجع أنشطة الجماعة نوعا ما تحسبا لتحركات الأجهزة الأمنية.

Comments are closed.