“٢٩ عامًا” على اتفاق “أوسلو”

بقلم: مروان اميل طوباسي

بداية ومع احياء ذكرى “٤٠ عاما” على واحدة من ابشع المجازر “صبرا وشاتيلا” ضد شعبنا يوم امس، التي شبهها محقا الرئيس محمود عباس ب”الهولوكست” ، لا بد من العودة إلى تراكم مراحل مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني بداخل الوطن وفي مختلف ساحات الشتات تحديدا مع بدء انطلاقة ثورتنا المعاصرة حتى الانتفاضة الكبرى التي اشتعلت بفعل جماهيري ذاتي، وتطورت بفعل مصداقية الحركة الوطنية وارتباطها بجماهير شعبنا زمن الاحتلال ووضوح برنامجها انذاك ، فكانت هي العامل الأساس في حصاد تراكم مسيرة الكفاح نحو نتائج سياسية وتحريك المسار السياسي وفتح آفاق التفاوض في مدريد ومن ثم في مفاوضات أوسلو قبل ٢٩ عاما وما تبعها من اتفاقيات لاحقة لم تكن هي الأمثل، رغم انه لا يمكن لنا تقيم تجربة تاريخية ماضية في إطار ظروف الحاضر المتغير .


الا ان ما تحقق من تبعات اوسلو وكنتيجة لها من اقامة السلطة الوطنية، لم يحقق انهاء الاحتلال وتجسيد الدولة ذات السيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة حتى يومنا هذا، رغم النجاح النسبي في بناء مؤسسات الدولة العتيدة بالعديد من القطاعات الصحية، التعليمية، الاقتصادية وزيادة الحضور الدولي بالمحافل الأممية واتفاقياتها أو بالعلاقة مع دول العالم وغيرها من النجاحات، كما وعودة عدد لا بأس به من ابناء شعبنا ومقاتلي الثورة والقيادات من مختلف الاطياف.

بالنسبة لنا كانت المرحلة الانتقالية التي نص عليها الاتفاق هي افتراضا ترجمة لشعار إقامة السلطة الوطنية على اي شبر يتم تحريره الذي رفعته منظمة التحرير في إطار البرنامج المرحلي واعلان الاستقلال، وكان الأمل بأن تكون هي الممر كمرحلة نحو الوصول الى تجسيد حق تقرير المصير والدولة المستقلة بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

اما بالنسبة لدولة الاحتلال، فكانت اتفاقات أوسلو تهدف إلى إنهاء الانتفاضة الجماهيرية التي ازعجتها وقاربت على ان تحقق نتائج سياسية نحو فضح ولربما الى إنهاء الاحتلال.

وباختصار فإن ما وصلنا اليه اليوم من اوضاع هو ما كانت دولة الاحتلال تهدف له من خلال “أوسلو” وتلك الاتفاقيات التي تبعتها، عبر سياسات مبرمجة ورؤية واضحة وبدعم وانحياز الولايات المتحدة الأميركية الكامل لقرارات دولة الاحتلال سرا وعلناً لمنع تنفيذ الحقوق الوطنية السياسية لشعبنا وانهاء كل ما له علاقة بالأرث الكفاحي لمنظمة التحرير وعملهم على كي الوعي الوطني الفلسطيني باتجاه محاولاتهم المستمرة لترويض افكار جديدة تتلخص بتحسين الاوضاع من خلال التعايش مع الاحتلال دون انهائه .

ان قواعد الاشتباك بين مفهومنا ومفهوهم كانت متناقضة في اطار صراع يومي شائك، وان الظروف منذ ذاك الوقت قد أصبحت اكثر تعقيدا بفعل تصاعد جرائم الاحتلال وزيادة الاستيطان وأعمال التهويد بالقدس والخليل والاغوار بشكل يومي لتتفيذ المشروع الصهيوني في أرض فلسطين التاريخية الانتدابية، وبفعل غياب مؤثرات ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي هيمنت على قراره الولايات المتحدة طيلة العقود الثلاثة الماضية واتباع الغرب لسياسات ازدواجية المعايير والنفاق السياسي وتمكين إسرائيل بالحصانة من اي عقاب، إضافة إلى ما يمارسه الاحتلال من حصار على السلطة الوطنية التي اقتصرت مخرجات اتفاقية أوسلو على حصارها في المربع الذي حدده لها الاحتلال ، كما والعمل المستمر من جانب الاحتلال لاضعافها أن كان بالأمس أو اليوم ، رغم محاولات عديدة خاضها شعبنا للخروج من حدود ذلك المربع دون ان يحالفها النجاح دائما كما حدث في تجربة الانتفاضة الثانية زمن الشهيد المؤسس ابو عمار لمحاولة خلق واقع جديد يتجاوز نصوص اوسلو وينهي الاحتلال كهدف لمرحلة التحرر الوطني التي ما زلنا نخوضها .

لكن الأمر لا يتعلق من وجهة نظري بالتسميات والمسميات، وانما بجوهر الواقع المعاش ومن مدى اقترابنا من تحقيق اهدافنا بالحرية والاستقلال ومن تحديد مهامنا كحركة تحرر وطني تخوض صراع شرس مع احتلال كولنيالي بشع لم يتخل يوما عن ما ورد تاريخيا في تراث الحركة الصهيونية وبرتوكولات حكماء صهيون وتفسيراتهم التوراتية المزعومة، التي ساندها الاستعمار منذ ما قبل وعد بلفور وما زال حتى اليوم بكل وقاحة سياسية تتناقض مع مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية للشعوب التي يتشدق بها الغرب نفاقا .

لقد نجحت اسرائيل الى حد ما بإظهار نفسها منذ أوسلو بأنها تشارك في عملية سلام سياسية خدعت العالم بوجودها ورفعت خلالها عن نفسها العزلة الدولية حتى بات العالم يتعاطى معها كشريك في عملية سلام وبمساواة بين الضحية والجلاد، بل ويُحملنا البعض منه مسوؤلية ما آلت اليه الأوضاع من خلال اتهامنا باتخاذ إجراءات احادية ، أو ربما لأننا نحن أيضا خاطبنا العالم وفق تلك الافتراضية من وجود مسار لعملية السلام ، فرفعنا بذلك العزلة عن إسرائيل كدولة احتلال بالنتيجة منذ ذلك وحتى ما قبل سنوات عدة قبل اتخاذ المجلس المركزي قراراته .

لقد اَن الأوان أن لم يكن منذ زمن بأن نقف بوضوح مع أنفسنا لنقيم نقديا تلك التجربة من مراحل مسيرة كفاح شعبنا الوطني ، وأن نراجع الأداء بجرأة ليس من باب جلد النفس، لكن من دواعي معرفة إلى أين نحن ذاهبون ، ومن أجل الخروج من دائرة الدوران حول الذات احيانا أو مربع تكرار التجارب التي ثبت فشلها احيانا اخرى، والى البدء الجدي والتدريجي في تنفيذ قرارات المجلس المركزي للمنظمة لفتح أفق جديد.

بعد ٢٩ عاما من اتفاقية أوسلو يتوجب علينا اليوم أيضا أن نعمل ذاتيا على إعادة تحديد ملامح وهوية ودور السلطة الوطنية دون حلها، باعتبارها استحقاقا وطنيا، وتحديد مرجعياتها في إطار منظمة التحرير والتوافق الوطني الكفاحي بما يحقق فتح فصل جديد امام شعبنا قائم على الصمود المقاوم بعيدا عن كل ما جاء في تقييدات وتعقيدات أوسلو الذي يستخدمونه لتحقيق مصالح استدامة احتلالهم الاستيطاني واضطهادنا وقهرنا واستمرار اعمال القتل وفق معدل شهيد كل يومين كما هو الحال منذ بداية العام الحالي . والعمل بما يحقق اولا الحفاظ على شعبنا من الهلاك بل حمايته من جرائم ومخططات الاحزاب الصهيونية المتنافسة اليوم على مدى اراقة الدم الفلسطيني والاضرار بحقوقنا وتصفيتها في معاركها الانتخابية الجارية، كذلك العمل الفوري ضمن ما تتيحه الظروف الموضوعية والذاتية الممكنة التي أشرت لها لإعادة تصويب المسار باتجاه اصول حركة تحرر تكافح من أجل إنهاء أطول احتلال في العصر الحديث ضمن مفاهيم واليات تضمن التفاف حركة الجماهير حول القيادة السياسية في بيئة من الوحدة وتبادل الثقة وتجسيد المشاركة الشعبية الوطنية الواسعة من خلال الآليات الديمقراطية في صناعة القرار ، بما يشكل ذلك العامل الأساس للانتقال إلى مرحلة الفعل الفلسطيني لاستعادة المبادرة لخلق واقع جديد يفتح آفاق تحريك العملية السياسية، والعمل على تجسيد بناء اقتصادي مقاوم واقعي واجتماعي واعي ومتكافل نحو هدف إنهاء الاحتلال وتنفيذ حقنا بتقرير المصير والاستقلال الوطني بعيدا عن سراب الحلول التي يخدعنا بها الغرب لاطالة مبدأ إدارة الازمة والصراع دون حلها

Comments are closed.