هل انتهت مسرحية السلام؟

بقلم: د. أسعد عبد الرحمن
يتواصل سقوط شهداء جدد، مع كل دخول لقوات جيش الاحتلال إلى البلدات والمدن ‏في “الضفة الغربية”، مع استمرار العمليات العسكرية الفلسطينية الجريئة. ومنذ بداية ‏العام، وحتى منتصف الشهر الجاري، استشهد 110 فلسطينيين، وقتل 24 إسرائيلياً، ‏وتم اعتقال 2000 فلسطيني، وتسجيل 1900 “عملية مقاومة” و2200 خطة لتنفيذ ‏عمليات. ‏

لقد وعد الشعب الفلسطيني بأن تحقق اتفاقيات أوسلو “السلام الشامل” الذي يتضمن ‏تنازل إسرائيل وانسحابها من مناطق مقابل “السلام” تؤدي لقيام دولة فلسطينية. ‏لكن إسرائيل زادت من مقارفاتها فبنت جدار الفصل العنصري، وتوسعت ‏بالاستعمار/ “الاستيطان”، ويتواصل الاختفاء التدريجي للقدس الشرقية، وزيادة ‏الانتهاكات اليومية للمسجد الأقصى، واستسهال القتل للفلسطينيين بأعذار واهية بل ‏وبدونها، وهدم المنازل، ومأسسة الأبارتايد، وغيرها الكثير. ورغم أهمية كل ‏الأسباب السابقة في إشتعال الأوضاع الحالية، إلا أن الانتهاكات في المسجد الأقصى ‏لربما كانت الأهم من بينها، فالأقصى ليس قضية دينية فقط، بل بات اليوم رمزا ‏للهوية الوطنية، وهو الرمز الأخير الذي يمثل هوية غيبتها الدولة الصهيونية بشكل ‏شامل. ‏

الاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة والمباشرة عن جرائمه التي ترتقي لمستوى جرائم ‏حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو من دفع بممارساته الشبان الفلسطينيين إلى الإيمان ‏بأن الطريق الأنجع هو العودة إلى السلاح، وأنه لم يعد ممكنا تقبل المبررات ‏لاعتداءاته المتواصلة، وأن المعنى الحقيقي الملازم والمرتبط بالاستقلال هو المقاومة ‏‏(المسلحة وغيرها) وإدراك مفهوم معناها.‏

سنوات مديدة آمن فيها فلسطينيون وعرب كثيرون بالتسوية السياسية، رغم فشل ‏سنوات طوال من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولم تنجح بتحرير شبر ‏واحد من الأراضي المحتلة. فإسرائيل لا تتعامل إلا بالقوة، لا تلتزم بعهود ولا ‏مواثيق ولا قرارات دولية، وأرادت من “مسيرة السلام” مسرحية عبثية يتوالى فيها ‏تكريس الاحتلال. وفي السياق، جاء الجيل الحالي ليعيد التأكيد على أن المقاومة ‏العسكرية هي طريق التحرر، وما لا يبدأ الآن لا ينتهي مستقبلاً، فمشروع المقاومة ‏يجب أن يستمر ولن يحصل الفلسطينيون على شئ إلا من خلال المقاومة (المسلحة ‏وغيرها) مع إنزال أكبر قدر من الخسائر البشرية بالعدو الصهيوني.‏

هذا هو الحال اليوم، فمقارفات الاحتلال تتواصل وسط تصعيدها داخل القدس المحتلة ‏ومخططات العدوان على الأقصى، في محاولة لتكريس الحلول العسكرية الأمنية مع ‏محاصرة و”عزل” المدن الفلسطينية وتطبيق مشاريع الضم كبديل عن الحلول ‏السياسية. وحتى اللحظة، ما زال الاحتلال “مؤمنا” بالحلول الأمنية، وهي حلول لم ‏تمنح، سابقا، ولن تمنح مستقبلا، الأمن المنشود “لإسرائيل”. ولقد عبّر محلل الشؤون ‏الأمنية (يوسي ميلمان) عن مخاوفه بالقول: “إسرائيل باتت تغوص عميقاً في موجة ‏‏(“إرهاب” و”عنف”) من نوع جديد. السلطة الفلسطينية تتفكك، ومعها تضعف ‏أجهزة الأمن التابعة لها. وفي الخلفية، وهو الأهم، نشأت مجموعات مسلحة – السلاح ‏موجود بوفرة، ومن السهل الحصول عليه- لشباب لا يخضعون لأي من التنظيمات أو ‏القيادات”.‏

يفيدنا التاريخ أن كل الشعوب التي تستهدف من جانب معتد أجنبي تبحث عن هويتها ‏واستقلالها، إيمانا بأن الحقوق تنتزع ولا تمنح، وأن المقاومة (بأشكالها المتنوعة) ‏يجب أن لا تكون حالة طارئة آنية وإنما يجب أن تكون قائمة ما دامت الأطراف ‏الأخرى تريد محو الهوية السياسية والحضارية للشعب الفلسطيني والتي بنيت ‏عبر التاريخ‎.‎

Comments are closed.