الآن وقد تأكدت عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة مجددا بعد سنتين من الغياب، واتضاح الرؤية بشأن لون الحكومة الجديدة ذات أطياف اليمين المكوّن من الليكود ومن اليمين المتطرف الذي يمثله إيتمار بن غفير، ماذا تعني للدول العربية الموقعة على اتفاقات أبراهام حكومةٌ يمينية يرأسها نتنياهو وتستقبل شخصا مثل إيتمار بن غفير؟ وكيف سيكون التعامل مع هذا المشهد؟
من هو بن غفير؟
نشأ إيتمارا بن غفير (46 عاما) في إحدى ضواحي مدينة القدس لأب يهودي من أكراد العراق. وقد كان من أنصار حركة كاخ المتطرفة بقيادة اليهودي الأمريكي مائير كاهان المطلوب وقتها للعدالة في بلاده والذي نجح في انتزاع مقعد في الكنيست عام 1984 قبل أن يُمنع في سنة 1987 من الترشح لمنصب نيابي ويتم حظر الحركة التي كان على رأسها واعتبارها منظمة إرهابية.
ويُكنّ بن غفير وُدّا وإعجابا خاصا بباروخ غولدشتاين ذلك الطبيب الصهيوني الأسترالي الأصل والمنفذ لمجزرة الحرم الإبراهيمي التي قََتل خلالها قرابة 30 فلسطينيا وهم في صلاة الفجر قبل أكثر من 28 عاما. ويرى زعيم حزب العظمة اليهودية في هذا المستوطن بطلا حتى أنه وإلى وقت غير بعيد، كان يعلق صورته في بيته تيمّنا بما قام به في حق المصلّين العزّل في الخليل.
عُرف عنه بأنه شخص عنيف (اقتحم مرة غرفة أحد المستشفيات (مستشفى آساف هروفيه في أراضي ال48) كان بداخلها الأسير الفلسطيني هشام أبو هواش احتجاجا على قبول إسرائيل الإفراج عنه بعد إضراب عن الطعام دام 141 يوما خاضه احتجاجا على اعتقاله الإداري دون تهمة. كما يعدّ بن غفير شخصا معاديا للديمقراطية والليبيرالية. وهو يؤمن بتفوق الشعب اليهودي وديانته على ما سواهما
والأهم من هذا هو أن روح الانتقام من العرب ومن كل من هو غير يهودي حاضرة لدى هذا اليميني المتطرف. ومن التصريحات النارية التي طبعت خطابه، قال بن غفير في مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية: إن كل من يؤذي الجيش الإسرائيلي يجب أن يُرحّل جواّ وبحرًا خارج البلاد. وأضاف إن الأمر ينطبق على النائب العربي في الكنيست أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة في أراضي ال48 لأنه برأي زعيم العظمة اليهودية “يعمل ضد بلاده” وعليه يجب أن يُرحّل حسب قوله.
ويعترف بن غفير في ذات المقابلة قائلا: لقد تمت إدانتي قبل سنوات على ملصق كُتب عليه “أطردوا العرب” لكنني اليوم لا أدعو لطرد العرب.
ويزعم المتحدث أن لا مشكلة لديه مع العرب. ويضيف: لي مشكلة مع الإرهابيين (ويعني الفلسطينيين) لي مشكلة مع من يرفعون أيديهم ويلقون بالزجاجات الحارقة علينا فقط لأننا يهود”.
في عام 2007، أٌدين بتهمة التحريض على الكراهية وتأييد منظمة إرهابية لكن هذا لم يمنعه من أن يتحول إلى رقم صعب في معادلة التوازنات السياسية. فها هو حزبه اليميني المتطرف المسمى العظمة اليهودية يصبح ثالث قوة في المشهد السياسي الإسرائيلي إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية. حيث حصلت القائمة (الصهيونية الدينية) التي يقودها على 14 مقعدا بالكنيست وهو ما يمثل عشْر أصوات الناخبين.
العرب وحكومةٌ فيها وزير اسمه بن غفير
وإذا كان نتنياهو يَدين بالكثير في عودته للحكم لهذا السياسي المثير للجدل حيث أهداه الأغلبية التي كان ينشدها منذ عام 2019، فإنه أيضا يسبب له صداعا خصوصا على المستوى الدولي يجعله بين أمرين أحلاهما مرّ. فعيْن الرجل على وزارة الأمن الداخلي السياديّة. وهو ما لن يمرّ قطعا مرور الكرام خصوصا مع أمريكا حيث نُقل ل عن الرئيس جو بايدن رفضه التعامل مع بن غفير إذا استلم حقيبة في الحكومة المقبلة.
وعليه فهو لا يحرج فقط نتنياهو وحلفاء إسرائيل الغربيبين بل أيضا الدول العربية التي وقعت اتفاقات أبراهام برعاية أمريكية وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان بل وقد يقطع الطريق أمام الدول الأخرى التي كانت مرشحة لحذو الدول السالفة الذكر وركوب قاطرة التطبيع مع الدولة العبرية.
وأبرز معالم هذه الإحراج هو الصمت العربي شبه المطبق الذي رافق عملية الإعلان عن النتائج وعدم تطرق القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر في نفس يوم انتخبات الكنيست. إذ أن البيان الختامي خلا من أية إشارة لهذه المسألة.
فالتعامل مع حكومة تضم شخصية مثل بن غفير سيجعل تلك الدول في وضع دقيق ولن تجد ما تسوّق به هذا التعامل خصوصا أمام الرأي العام الداخلي الذي لا يزال إجمالا مساندا لحق الشعب الفلسطيني في أرضه وفي تقرير مصيره ومعاناته مع الاحتلال والاستيطان والحصار رغم بعض الأصوات النشاز من هنا أو هناك.
كما أن دبلوماسيين عربا في الدولة العبرية كانوا أعربوا في وقت سابق عن قلقهم من احتمال تولي بن غفير وزارة الأمن الداخلي وقالوا إنهم بدؤوا يفكرون كيف يتصرفون أمام هذا الاحتمال بحسب ما ذكره موقع زمان إسرائيل التابع لصحيفة تايمز أوف إسرائيل الإلكترونية.
الإمارات
لم تخف الإمارات امتعاضها من تغير المشهد بعد الانتخابات.
وكان الصحفي الإسرائيلي المطلع باراك رافيد قد نشر مقالا على موقع أكسيوس كشف فيه أن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد أعرب عن قلقه لبنيامين نتنياهو من تولي وصول اليمين المتطرف حقائب وزارية في حكومته إذا ما فاز في الانتخابات.
Scoop: Emirati Foreign Minister Abdullah Bin Zayed told Israeli opposition leader Benjamin Netanyahu he is concerned about the possibility of ultra-right extremists being included in a new government if he wins the upcoming elections. My story on @axios https://t.co/5aDSJNc8dO
— Barak Ravid (@BarakRavid) October 26, 2022
بل أن عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية والمقرّب من دائرة صنع القرار في أبو ظبي نشر تغريدة لافتة على موقع تويتر تختصر حالة القلق من نتائج الانتخابات حتى أنه دعا لتجميد العمل باتفاقات أبراهام.
البحرين
كانت البحرين ثاني دولة خليجية توقع على اتفاقات أبراهام في سبتمبر 2020 بالتزامن مع دولتين عربيتين آخريين هما السودان والمغرب.
وفي أول رد فعل رسمي على نتائج الانتخابات الإسرائيلية قال مستشار ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ووزير الخارجية السابق خالد بن أحمد آل خليفة إن المنامة ستواصل بناء علاقتها مع الدولة العبرية ورأى أن فوز نتنياهو “كان متوقعا وطبيعيا”. وأكد الوزير السابق التزام البحرين بالاتفاقات المبرمة وبمواصلة الشراكة.
لكن رغم هذا التصريح الفضفاض، فإن وصول بن غفير إلى السلطة لن يسهل الأمور على المملكة وقد تجد من الصعب تبرير موقفها من شراكة مع حكومة هو فيها.
السودان والمغرب
حتى الساعة لم يصدر أي رد فعل رسمي من الرباط أو الخرطوم بشأن نتائج انتخابات الكنيست وما حققه زعيم حزب العظمة اليهودية من نجاح في هذا الاستحقاق وما يعنيه ذلك من إحراج إذا ما أصبح عضوا في حكومة نتنياهو. فالعاهل المغربي محمد السادس يرأس ما يسمى لجنة القدس التي تأسست عام 1975 بهدف حماية المسجد الأقصى ومدينة القدس. في المقابل، لهذا الإسرائيلي سجلٌّ حافل بالاعتداءات ولا يكاد أي اقتحام لباحة الأقصى يخلو من اسم بن غفير ناهيك عن اقتحاماته المتكررة لحي الشيخ جرّاح في القدس رفقة المستوطنين وهو يشهر سلاحه بوجه أهل الحي من الفلسطينيين.
السودان
أما السودان الذي مرت قبل أيام الذكرى السنوية الأولى للانقلاب العسكري، فهو غارق في مشاكله الداخلية من انسداد للأفق السياسي وصراعات قبلية وانهيار اقتصادي وشيك حيث تعاني البلاد من بطالة بنسبة 50% وحيث يعيش ثلثا السكان تحت خط الفقر. أمام هذا المشهد القاتم، يبدو من الصعب على النظام أن يمضي في التعامل مع حكومة إسرائيلية فيها إيتمار بن غفير ويزيد بذلك من حالة الاحتقان والسخط في الشارع السوداني.
موقف الأردن
تربط عمان بتل أبيب اتفاق وادي عربة للسلام الموقع عام 1994. وقد طبع التوتر العلاقات الثنائية بيت البلدين خلال سنوات حكم نتنياهو الأخيرة. فقد كان ثمة نفور شخصي بين الأخير والملك عبد الله الثاني الذي صرّح في 2019 بأن العلاقة بين البلدين “في أدنى مستوياتها على الإطلاق” حسب تعبير العاهل الأردني الذي كان وقتها يتحدث أمام معهد واشنطن للشرق الأدنى في نيويورك.
إذ وقعت عدة حوادث دفعت عمان لاستدعاء سفيرها في تل أبيب. وبقي التوتر على حاله بعد تلكؤ الأردن في السماح لطائرة نتنياهو بعبور أجوائه متوجها إلى الإمارات في زيارة رسمية.
فكيف سيكون موقف المملكة بعد عودة نتنياهو ومن حكومة فيها وزير مثل بن غفير إذا؟
Comments are closed.