بقلم: د. دلال صائب عريقات
ما أن حطت قدماي في الدوحة حتى رجعت بي الذاكرة لكلمات الأستاذ فخري البارودي التي لحنها الأخوان فليفل وكانت نشيدة العروبة والقومية والوحدة التي ترعرعنا عليها منذ الصغر…
.“بلادُ العُربِ أوطاني. منَ الشّـامِ لبغدانِ… ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ .. إلى مِصـرَ فتطوانِ.
فـلا حـدٌّ يباعدُنا. ولا ديـنٌ يفـرّقنا. لسان الضَّادِ يجمعُنا.”
أن ترى الشيء غير أن تسمع به، لقد زُرتُ قطر حديثاً برفقة مجموعة من القيادات العالمية الشابة YGLs كممثلين عن فلسطين. أول شعور انتابني هو الفخر الممزوج بالانبهار ومراجعة فورية لأفكار تراكمية حول انتمائي لمفهوم العروبة خاصة بعد اتفاقيات التطبيع، في تلك الفترة، تجردت الهوية العربية في عيوني وسطوري عن القومية والوطنية والدين واللغة وباتت براغماتية تسيرها المصالح بعيداً عن القيم او الدين!
تجربتي في قطر ولو كانت قصيرة إلا أنها كانت كفيلة بإعادة مخزون فكري حول شكل وموروث ذاكرة الهوية العربية والإسلامية التي نستطيع الانتماء والافتخار بها. قطر تسطر مثالا حضاريا في القرن الـ21 لما يود أي شاب عربي ان يرى؛ خلال زيارتي, تجولت بالمدارس والمتاحف، شاهدت البنية التحتية، زرت الحاضنات الالكترونية والمشاريع الريادية، جربت الخدمات الحكومية، استمتعت بالفن العميق الحديث، لامست الابتكار الذي كان العنوان من الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والطاقة البديلة في كل زاوية في المكان، ادهشتني الملاعب المبتكرة التي تمزج بين الرياضة والدبلوماسية والمعاصرة ومفاهيم الاستدامة التقدمية، اطلعت على كيفية توظيف الموارد الطبيعية من اللولو الى الغاز, وفي كل تجربة رأيت الشباب وافتخرت بالمرأة وهي تتقدم صفوف الموارد البشرية، شاهدت اللغة العربية تتصدر قائمة طويلة من اللغات، شعرت بعبق الهوية العربية والاصالة والتاريخ والحضارة، وفوق كل هذا وذاك، وفي منتصف زيارتي للمتحف الوطني الذي يسرد الرواية القطرية وفق اصول اكاديمية باحترافية، وجدت فلسطين ووعد بلفور موثق هناك، رسالة ان فلسطين راسخة في قلب الرواية القطرية، تنقلها لكل زائر يحط المكان. هذه قطر بمؤسساتها التعليمية، بحدائقها، بمكتبتها الوطنية، بمتاحفها، ومنتدياتها، ومراكز الدراسات، بمدنها الجامعية حاضنة كُبرى الأسماء، بمجمعاتها التجارية التي تحمل كل ما هو أوروبي أجنبي غربي آسيوي وعربي وكل ما يخطر على بالك من مأكل ومشرب وملبس وكتاب، في كل تفاصيلها تمتزج العروبة مع الأصالة والحداثة بطريقة استثنائية إبداعية تضع قطر بما يليق بها من القيادة العالمية.
اليوم, الجميع يتابع انطلاق مونديال كأس العالم FIFA في قطر، بثوب عربي إسلامي حضاري متميز من قلب الدوحة، نقطة التقاء العالم هذا العام حيث تقود قطر العلاقات الدولية من خلال ما يجمع الشعوب من شغف حول كرة القدم. نسخة 2022 من كأس العالم استثنائية، فهي الأولى التي تُنظّم في منطقة الشرق الأوسط، الاولى عربياً وإسلامياً، كما أنها الأولى في فصل الشتاء، وتنطلق اليوم الـ 20 من نوفمبر وتُختتم في 18 من ديسمبر بمشاركة 32 منتخبًا من جميع قارات العالم الست. لقد فازت قطر بحق استضافة البطولة بتاريخ 2 ديسمبر 2010. وخلال 12 عاما، استحدثت دولة قطر مشاريع البنية التحتية اللازمة لاستضافة نسخة تاريخية استثنائية من بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 ، مما ساهم في تسريع عجلة التطور وتحقيق الأهداف التنموية المستدامة للدولة، وحصولها على شهادات التميز والأيزو العالمية 20121، مما سيترك إرثا دائما لقطر والشرق الأوسط والعالم العربي وآسيا ولعبة كرة القدم.
في ظل صعود الصهاينة العرب, لا يسعنا سوى شكر دولة قطر على مواقفها الثابتة تجاه دعم القضية الفلسطينية. قطر حاضرة من قطاع غزة ومشاريع إعادة الإعمار، إلى كونها الداعم الأول للاجئين الفلسطينيين من خلال الأونروا، من مدينة حمد في غزة التي اقيمت على أراضي المستوطنات غير الشرعية، ومشاريع التعليم المختلفة برعاية سمو الشيخة موزة التي تدعم القطاع الصحي وخاصة مستشفيات القدس، نرى قطر في غزة وفي القدس تعمل بصمت بما فيه دعم لصمود المواطن الفلسطيني وتمكينه علمياً وصحياً.
عند سؤاله حول اتفاقيات التطبيع مع اسرائيل، رد سمو الشيخ تميم: هل فعلاً تعتقدون ان توقيع هذه الاتفاقيات جعل العلاقات طبيعية؟ وتابع ان اتفاقيات التطبيع لن تجعل العلاقات طبيعية، إنهاء الاحتلال واعطاء الفلسطينيين حقوقهم ودولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف هو ما يمكن أن يجعل العلاقات طبيعية.
من فلسطين، كل الشكر والفخر والاعتزاز بهذا النموذج الراقي التقدمي العميق الذي تقدمه دولة قطر مشكّلةً مركز جذب للعالم يعكس الهوية العربية والاسلامية التي تعبر عن موروث الشعوب العربية بأبهى صورها.
خلال الزيارة، تشرفت بمقابلة الأمير, سمو الشيخ تميم، ذلك الشاب الوسيم القائد الحكيم المتواضع, العربي, المُسلم, الكريم، الاستراتيجي والعميق، صاحب الرؤية، مالك البصر والبصيرة، نموذج الريادة والقيادة وصناعة القرار، له مني كل التحية والتقدير فهو مثال لما تستحقه الشعوب. وها هو يمارس الدبلوماسية بأسمى أشكالها، الرياضة تشكل أحد أهم أشكال القوة الناعمة، في تعريف الدبلوماسية والقوة الناعمة، يقول المفكر جوزيف ناي من جامعة هارفارد أن تعريف المنتصر ليس من ينتصر في أرض المعركة العسكرية بل الفائز اليوم هو من تنتصر رسالته،،، هنيئاً سمو الأمير….هنيئاً قطر.
Comments are closed.