بقلم: تيسير خالد
يستعد بنيامين نتنياهو لإبلاغ الرئيس الاسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ بأنه نجح في تشكيل حكومته قبل انتهاء المهلة المحددة له لذلك ، رغم أنه ما زال عالقا في عدد من الملفات مع شركائه ، التي يعتقد أن في استطاعته تذليل عقباتها قبل او بعد تنصيب حكومته ، سواء تلك ، التي تتصل بالاتفاقيات الائتلافية او بالتشريعات ، التي يريد تمريرها في الكنيست . نتنياهو مطمئن لذلك ، فهو لا يجيد المناورات السياسية فقط بل والمؤامرات السياسية كذلك . مشاريع القوانين جاهزة وقد مرر ثلاثة منها بالقراءة التمهيدية في الكنيست ، في عملية لا تخلو من الاحتيال ومن رفع وتيرة التوتر سواء في علاقات الحكومة القادمة مع الداخل الاسرائيلي ام في علاقاتها مع الجانب الفلسطيني . أول هذه القوانين كان ما بات يعرف بقانون درعي والثاني قانون بن غفير ، أما الثالث فقانون سموتريتش .
قانون درعي يسمح لرئيس حزب “شاس” الحريدي أرييه درعي بأن يصبح وزيرا بالرغم من الحكم عليه في يناير/ كانون الثاني الماضي بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ لارتكابه مخالفات ضريبية ، في تعديل غريب من نوعه يتحايل على قانون الأساس ، الذي يعتبر بمثابة الدستور والذي يمنع من حُكم عليه بالسجن من تولي منصب وزاري ، بحيث يُستثني المحكوم عليهم بالسجن مع وقف التنفيذ.
قانون درعي لتبييض الفساد وتجاوز وصمة العار اتبعه نتنياهو بقانون مثير للجدل هو ” قانون بن غفير ” ، الذي يتولى ما بات يعرف في الحكومة الجديدة بوزارة الأمن القومي فيشتمل على تعديل مرسوم الشرطة بحيث تكون خاضعة للحكومة وتحديدا لوزير الأمن القومي المرتقب النائب الفاشي إيتمار بن غفير رئيس حزب “عوتسما يهوديت” (قوة يهودية)، وتحويل مفوض (قائد) الشرطة إلى تابع للوزير . علما ان ” مرسوم الشرطة ” هو القانون الذي يحدد مهام هذا الجهاز وينظم العلاقات بين قائده العام ووزير الأمن الداخلي ويمنح استقلالية شبه كاملة للشرطة وقائدها.
أما قاون سموتريتش ، الذي يتولى وزارة المالية ، فقد صمم كمنحة لزعيم حزب “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش للحصول على صلاحيات وزير في وزارة الدفاع ، حيث يقترح إضافة أحكام إلى “قانون الأساس” يمكن بموجبها تعيين وزير إضافي في الوزارة يكون مسؤولا مع وزير الدفاع عن مجالات معينة في نطاق عمل الوزارة ، وتحديدا عن كل ما يتصل بشؤون يهودا والسامرة (التسمية الاسرائيلية للضفة الغربية ).
ولكن من هم رجال بنيامين نتنياهو هؤلاء ، الذين يستدعي من أجلهم الكنيست على عجل لتشريع قوانين تساعده على التسريع في تشكيل حكومته تلبية لطلباتهم وبحثا عن مهرب من محاكمة بقضايا فساد وسوء ااستخدام للأمانة . هم درعي ، الذي استقال اكثر من مرة من عضوية الكنيست بسبب قضايا فساد ، كانت الاستقالة الاولى إثر انتخابات الكنيست عام 1999 بعد أن استكملت الشرطة التحقيقات معه ، في واحدة من أكبر قضايا الفساد ، قبع في إثرها درعي في السجن لأكثر من عامين فعليين. وكان عليه البقاء خارج الحلبة السياسية لمدة عشر سنوات ، أما الثانية فقضية فساد كذلك انتهت بصفقة مع المستشار القانوني للحكومة عام 2022 تم بموجبها إعفاءه من المثول أمام المحكمة بسبب مخالفات ضرائب نسبت له ، مقابل اعترافه بارتكاب هذه المخالفات واستقالته من عضوية الكنيست وتغريمه 180 الف شيقل .
قصة بن غفير تختلف عن قصة درعي ، فقد بدأ هذا الفاشي الارعن حياته السياسية في صفوف حركة كاخ الارهابية بزعامة مائير كهانا ، التي تم تصنيفها في قائمة المنظمات الإرهابية حتى في إسرائيل كما في الولايات المتحدة وتم حظرها ، وكان أحد مساعدي القيادي في الحركة نوعم فريدمان في مستوطنة ” كريات أربع ” ، هو معجب بالمجرم باروخ غولدشتاين ، الذي ارتكب مجزرة الحرم الابراهيمي وكان يعلق صورته حتى وقت قريب في منزله في تلك المستوطنة. وبعد حظر تلك الحركة الارهابية واصل بن غفير أنشطته المتطرفة والعنصرية ، ووجهت له تهم بالقيام بأعمال عنف ضد الفلسطينيين والتحريض ضدهم ثماني مرات ، ومن بينها تهم إثارة الكراهية العنصرية ودعم منظمات إرهابية. وكمحام فقد تولى الدفاع عن اولئك الذين ارتكبوا المحرقة في قرية دوما عام 2015 .
سموتريتش هو الآخر ليس اقل تطرفا من بن غفير بل يتفوق عليه ، فهو ينكر وجود الشعب الفلسطيني ، يتوعد بإقامة ما يسمى الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى ، وباروخ غولدشتاين بالنسبة له ليس إرهابيا ، ومثله كذلك عامي بوبر – منفذ مجزرة عيون قارة عام 1990 ، أما مستقبل القدس فهو التوسع الى ما بعد الاردن وحتى دمشق ، من الذين يمجدون عمليات الحرق والهدم والمجازر والتوسع في بناء المستوطنات ، وحيث هو لا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني فهو بالتالي لا يعترف بحقهم في دولة بين البحر والنهر ، ولا حتى في قطاع غزة ، الذي هدد باحتلاله مجددًا ونزع اسلحته وفتح أبوابه أمام الهجرة الجماعية الى الخارج .
هؤلاء نماذج من رجال بنيامين نتنياهو ، الذين وقع معهم الاتفاقيات لتشكيل حكومة يعتقد انها سوف تكمل ولايتها دون انقطاع وسوف توفر له فرصا للإفلات من العقاب كرجل متهم بالفساد وخيانة الامانة . ولكن ما هي اتفاقاته الائتلافية مع رجاله القدامى والجدد .
كان الاتفاق الأول ، الذي وقعه حزب «الليكود» بزعامة بنيامين نتنياهو مع حزب «القوة اليهودية» الذي يقوده اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، وهو اتفاق يمنح بن غفير صلاحيات موسّعة في منصبه الجديد كوزير للأمن القومي (وزير الأمن الداخلي الموسع)، الذي يجعله وزيراً في المجلس السياسي والأمني المصغر «الكابينيت»، وعضواً في اللجان الوزارية المختلفة ومنح رفاقه في الحزب مواقع وزارية كوزارة تطوير الجليل والنقب ووزارة التراث إضافة إلى مناصب موزعة على نائب وزير الاقتصاد ، ورئيس لجنة الأمن الداخلي ، ورئيس لجنة صندوق إسرائيل بالتناوب.
هذا الى جانب الاتفاق على إنشاء ميليشيا مسلحة « حرس وطني » يكون بديلا لحرس الحدود لنقل وحدات «حرس الحدود» التي كانت تابعة للجيش إلى وحدات الميليشيا الجديدة المكلفة بتنفيذ سياسة بن غفير إضافة إلى «الشرطة الخضراء»، وهي وحدة تعنى بالمخاطر البيئية ، و«الدوريات الخضراء » التي كانت خاضعة لسلطة الطبيعة والحدائق ، وسلطة تطبيق الأراضي التي تعمل في إطار وزارة المالية. بن غفير عقب على الاتفاق بسعادته لأنه يتيح له تحقيق وعوده الانتخابية من أجل أمن وتعزيز النقب والجليل والأرياف وفي الضفة الغربية المحتلة .
أما الاتفاق الثاني ، الذي أثار ردود فعل في الحلبة السياسية الاسرائيلية فقد كان الاتفاق بين الليكود وحزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش المكلف بوزارة المالية معززا بصلاحيات الاشراف على الإدارة المدينة التابعة للجيش . ذلك انجاز مهم بالنسبة لحزب الصهيونية الدينية ، خاصة وأن الإدارة المدنية هي الجهة المسؤولة عن تنظيم الاستيطان ومنح تراخيص البناء للفلسطينيين في مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية ، وعن هدم مبانٍ وشق طرق ومصادرة أراض ، وإعطاء رخص كهرباء ومياه ومشاريع ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى توسيع المستوطنات ، وشرعنة بؤر استيطانية وزيادة عمليات هدم منازل الفلسطينيين ، بكل ما يترتب على ذلك من نتائج من شأنها إعادة الادارة العسكرية الى ما كانت عليه قبل التوقيع على اتفاقيات اوسلو عام 1993 . يضاف الى ذلك ان قرار السماح لسموتريتش وحزبه بتعيين مستشارين قانونيين تابعين وعددهم 23 محامياً مدنياً تحت مسؤولية وزير الصهيونية الدينية في وزارة الجيش ، والتي ستركز فعلياً على عمل الحكومة في الضفة الفلسطينية . هذا ليس مجرد تفاصيل بقدر ما هو استراتيجية مدروسة تهدف إلى محو الخط الأخضر وفرض حقائق جديدة إلى الشرق منه.
هل خضع نتنياهو لابتزاز القوى الفاشية والحريدية وهو يعقد اتفاقيات تشكيل الحكومة معها . ربما ، غير ان هذا ليس بيت القصيد ، فالمسار الذي بدأه نتنياهو بإعطاء قادة اليمين الفاشي المتطرف مناصب حساسة ، ومنحهم صلاحيات في قضايا مثيرة للتوتر ، مثل شرعنة بؤر استيطانية ، والتوسع في النشاطات الاستيطانية وضم مناطق في الضفة والقضم التدريجي لمسؤولية الاوقاف الاردنية والفلسطينية عن الأماكن المقدسة وغيرها ، أثار مخاوف الفلسطينيين وأوساطاً مدنية إسرائيلية ، وحتى داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. قد يكون نتنياهو قادرا على احتواء الدعوات لإقامة دولة شريعة في اسرائيل لأنه يعلم ان توازنات القوى داخل المجتمع الاسرائيلي لا تسمح بذلك ، غير ان الوضع مختلف مع بن غفير وسموتريتش ، لأنه في مشروعه السياسي يختلف عنهم في الدرجة فقط وليس في النوع في كل ما يتصل بالاحتلال والاستيطان والتمييز والفصل العنصري والتطهير العرقي وحقوق الشعب الفلسطيني . نتنياهو لا يتحلى بروح ديماغوجية فريدة فقط ، بل هو كذلك ميكافيلي من الطراز الوضيع ولا يزعجه ان يقدم نفسه على يسار كل من بن غفير وسموتريتش ، فتلك صنعتة
بعد كل هذا ، ما المطلوب فلسطينيا في مواجهة حكومة نتنياهو – بن غفير – سموتريتس . سلفا استثني هنا الرهان على الموقف الأميركي ، فهو رهان خاسر . فقد حث السفير الأميركي في إسرائيل ، توماس نيديس، كبار المسؤولين في البيت الأبيض ، على تبني “سياسة دقيقة وحذرة ، تجاه الحكومة الجديدة ، وعدم التسرُّع في اتخاذ قرارات حاسمة ” . فيما كرر وزير الخارجية انتوني بلينكن على أنه سيحكم على حكومة رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف ، بنيامين نتنياهو ، حسب أعمالها ، وليس حسب الشخصيات التي تشارك فيها ، وكأن السياسة تأتي من فراغ . سوف نسمع الكثير حول معارضة الادارة الاستيطان والضم وتغيير الوضع القائم بما في ذلك في القدس وما يسمى حل الدولتين ، غير أن هذا لم يحل في السابق دون مزيد من الوقائع على الارض جعلت حل الدولتين مجرد رشوة رخيصة للفلسطيني والعرب والعالم .
وعليه فلا رهان يعلو على الاعتماد على القوى الذاتية اولا ودعم الاصدقاء والحلفاء ثانيا عربا كانوا ام عجما في ملاحقة اسرائيل في جميع المحافل الدولية ومساءلتها على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني ، وقبل هذا وبعده العودة الى قرارات الاجماع الوطني والبحث الجاد والمسئول في آليات ترجمتها الى سياسة رسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهيئاتها ومؤسساتها والتفكير في الوقت نفسه بتشكيل جبهة قومية متحدة تضم جميع الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني وفي المناطق الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وفي الشتات ، جبهة تكون مفتوحة لمشاركة جميع القوى والشخصيات التقدمية اليهودية في دولة اسرائيل ، على محدوديتها بحكم محدودية الوضع الانساني في هذه الدولة ، تطرح على جدول أعمالها تكامل الأدوار في المواجهة القادمة مع الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال والفصل العنصري . وتبقى على أية حال قضية القضايا ، التي يتوقف على حلها فرص النهوض بهذه المهمات الجسيمة ، ألا وهي فتح حوار وطني فلسطيني يستكمل ما كان في الجزائر من أجل إنها الانقسام ، الذي أفسد الحياة السياسية الفلسطينية وقدم خدمة لا تقدر بثمن للاحتلال .
Comments are closed.