بن غفير في عيون أمريكية

بقلم: فتحي أحمد

بات واضحا في العقود الأخيرة سيرورة المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والتدين بشكل كبير وعلى جميع الصعد التربوية والثقافية والإعلامية بجانب الخطاب السياسي الذي لا يخلو من رائحة التطرف واقصاء الشعب الفلسطيني، المشهد اليوم العالم واقف بجانب الحق الفلسطيني صوريا، وفعليا عالم خجول ومرتبك خائف من المد الصهيوني وتأثيراته في العالم.


يجب أن نأخذ تهديدات زعيم حزب عوتسما يهوديت (قوة يهودية) بن غفير على محمل الجد، هذا المتطرف الذي خرج من رحم حركة كهانا حي المنبوذة عالميا، لديه اجندة عنصرية سوف تزيد من تفاقم الأوضاع في الضفة الغربية وتزيد الأمور تعقيداً، وربما تصل نيرانها للداخل الفلسطيني، فهو يريد أن يستحوذ على كل شيء منها الأمن الداخلي وملف الهجرة وهذا من أخطر الملفات على الأطلاق، والتي سوف تذكرنا بالهجرة اليهودية الأولى لفلسطين وهو ما عرف وقتها بالصهيونية التسللية، وهي أول حركة صهيونية استيطانية، وتتسم بأنها نابعة من المادة البشرية المستهدفة. ومن أهم دعاة الصهيونية التسللية وقتها ليلينبلوم وبنسكر، ثم ظهرت جماعات البيلو وأحباء صهيون، ويمكن النظر إليها باعتبارها إرهاصات لهرتزل وللصيغة الصهيونية الأساسية بعد تهويدها، فتغول الخطاب الديني الصهيوني يشير إلى مدى تمكن الصهيونية الدينية في بسط نفوذها السياسي والديني في داخل إسرائيل.

فكر بن غفير الشاذ المتطرف
ينحدر بن غفير من العراق، وهو من اليهود الشرقيين، كان انخراطه في السياسة منذ نعومة اظفاره دليلا على تشبثه بفكره المتطرف اتجاه العرب، وعرف بعنصريته النتنة وانتمائه لحركات معادية ضد الفلسطينيين ومعارضته لوجودهم في فلسطين. منذ مراهقته انضم وهو ابن 16 عاما لحركة الشباب التابعة لـ”مولديت”، ثم لحركة “كاخ” المؤسسة عام 1972 بزعامة الحاخام المتطرف مائير كاهانا تشبع بن غفير من أفكار حركة كاهانا حي ورضع من حليبها.

تتلخص هذه الافكار في أن العرب في فلسطين أعداء يجب إخراجهم بالعنف ولا يقبل التعايش معهم، وعلى يهود العالم كافة أن يهاجروا إلى فلسطين، يرى أن إسرائيل دولة يهودية قومية وصهيونية، ويناهض تأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ويعتبر في حال تم الإعلان عن تشكيل الحكومة الإسرائيلية بشكل رسمي فإن ايتمار بن غفير سيكون له حضور قوي فيها حيث يرى فيه المجتمع القومي الديني الصهيوني ان بيده التغيير وبالتحديد الوسط الشبابي الذين تخرجوا من المدارس والمعاهد التلمودية والتي انتشرت في الأونة الأخيرة في داخل دولة الاحتلال بشكل لافت للنظر وللأسف نلاحظ لهذا الفكر المتطرف صدى قوي في أوساط الشباب اليهودي وهو مؤشر خطير ويبعد اليمين العلماني بقيادة نتنياهو عن الواجهة ويبقى بيبي الوصيف المهم ينأى بنفسه عن حبل المشنقة بعد ضلوعه بالفساد.

الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة كشفت المستور
بين عشية وضحاها صعد اليمين في إسرائيل ليحتل الترتيب الثالث في الكنسيت، لو شرحنا الأسباب نجد انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين بوتيرة عالية جدا، في استطلاع قامت به صحيفة هآرتس الصهيونية، أن أكثر من نصف المجتمع الإسرائيليي يعتقد أن حقه في أرض فلسطين مشتق من وعد إلهي، وأن 56% من المجتمع الإسرائيليي يعتقدون أن اليهود هم شعب الله المختار، ويرى الباحث والمؤرخ الإسرائيلي شلومو بن عامي الذي شغل منصبي وزير الخارجية والأمن الداخلي سابقًا، أنّ أهم الأسباب التي قادت إلى تعاظم اليمين الإسرائيلي وتراجع اليسار، سببها التغيرات الديموغرافية والإثنية التي طرأت داخل إسرائيل، وليس تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي. في المقابل وبعد هذا الصعود الصاروخي لليمين الديني الصهيوني يترقب العالم توجه الحكومة الإسرائيلية في حال تم تشكيلها وخصوصا ونحن نتكلم عن مخاض ما زال عسيرا، حسب ما صرح به الإعلام الإسرائيلي بإن رئيس الدولة في إسرائيل اعطى نتنياهو مهلة عشرة أيام إضافية وهي المدة القانونية التي نص عليها القانون ليتمكن نتنياهو من توزيع الحقائب الوزارية بعدما اجرى بعض التعديلات في الوزرات من اجل إرضاء المتدينين من جهة وتسويقها عالميا من جهة أخرى، رغم ذلك وفي حال تم الخروج من معضلة إرضاء الأطراف وتوزيع المغانم على الحركات الدينية القومية تبقى حكومة نتنياهو في حالة اختبار اذا ما استبعدنا خيار الضم فأن العالم سيبقى متفرجا كعادته على البطش الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.

اليسار واليمين وجهان لعملة واحدة
لا يختلف اليمين عن اليسار في دولة الاحتلال نجد رؤية التسوية السياسية مع الفلسطينيين نفسها، يمين وأقصى يمين ووسط مجرد أسماء تشكل الإطار العام ضمن ما تمخضت عنه علوم الفلسفة السياسية كمعارضة حزبية حسب المفهوم العالمي المتداول في نظام الأحزاب فقط. في إسرائيل حجم الخلاف بين اليمين واليسار الإسرائيلي مغيب ويذوب في بعضه ليشكل كتلة رفض وممانعة امام طرح دولة فلسطينية على حدود 1967. يؤكد رئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورغ ان اليسار يدعم الأفكار، واليمين ينفذها والحديث اليوم عن يمين مقيد غير صحيح لقد باتت كل الأوراق بيد اليمين وهو من يتحرك بحرية في الساحة ويفرض اجندته النابعة من فكره المتطرف، والعمل على الغاء اتفاق أوسلو وطرد احمد الطيبي خارج البلاد ونفيه إلى سوريا، والأخطر من ذلك ضم المناطق المصنفة (ج) لإسرائيل.

الولايات المتحدة تعارض بن غفير وتلتقي معه في آن واحد
لا ينبغي أن نفرط كثيرا في التفاؤل أمريكيا وعبر مراحلها وأزمنتها المديدة تقولها علنا لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها سواء كان بن غفير وزير الأمن الداخلي أو غيره، هذه العقيدة الأمنية التي تتبنها الولايات المتحدة من اجل الحفاظ على إسرائيل وحتى لو كان هنالك افراط في القوة بحق الشعب الفلسطيني، لكن في مجال التوسع والضم للحكومة الأمريكية الحالية رأي مختلف، السفير الأمريكي لدى الاحتلال الإسرائيلي، توم نيدس صرح إن الولايات المتحدة ستعارض بشدة أي تحركات من جانب الحكومة الإسرائيلية اليمينية المقبلة لضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة، ولفت السفير الأمريكي إلى أن “واشنطن تعتزم أولا الانتظار لمعرفة الموقف الذي ستتبناه الحكومة الإسرائيلية المقبلة، قبل الحكم عليها وتحديد طبيعة التبادلات التي ستجريها مع إسرائيل.

الخلاصة أمريكيا في حالة ترقب لكن هذا لا يعني أنها سوف تضغط على ربيبتها بإن تخفف من لهجة العنف وهذا مستبعد إسرائيل دولة وظيفية وستبقى كذلك.

Comments are closed.