تشهد إسرائيل حالة من الجدل، على خلفية مشروع قانون يسمح لمقدمي الخدمات والسلع بالامتناع عن تقديمها على أساس ديني، حسبما أفادت وسائل إعلام عبرية بينها صحيفة “معاريف”، اليوم الإثنين.
القانون الجديد، الذي كُشف عنه النقاب أخيرا، يرتبط بالاتفاقات الائتلافية الموقعة بين حزب “الليكود” وبين كتلة “الاتحاد القومي”، بزعامة بتسلئيل سموتريتش، التي يطلق عليها أيضا “الصهيونية الدينية”، ويحظى بدعم زعيم “عوتسما يهوديت” إيتمار بن غفير.
وبموجب الاتفاق، سيتم إدخال تعديلات على قانون متبع في إسرائيل بشأن مكافحة التمييز في تقديم الخدمات للمواطنين الإسرائيليين، ليتيح للشركات أو المؤسسات أو الأفراد عدم تقديم خدماتهم على أساس المعتقد الديني.
وظهرت تصريحات تبرر القانون، أوحت بأنه يستهدف الشواذ جنسيا في إسرائيل، منها تصريح للنائبين إيتمار بن غفير وسمحا روتمان، كما سيرد لاحقا.
وذهب معارضو القانون أبعد من ذلك، ورأوا أنه سيحول إسرائيل إلى “دولة شريعة ظلامية”، ويقضي على أسسها الديمقراطية، وأن تطبيقه سيؤدي إلى عصيان مدني.
وحسب صحيفة “معاريف”، شهدت الأيام الأخيرة تسريب جزء من الاتفاقات الائتلافية بين نتنياهو والشركاء الائتلافيين، من بينها البند الذي أثار عاصفة، حيث يجري الحديث عن تعديل قانون مكافحة التمييز، بما يكفل الحرية لأصحاب الأعمال للامتناع عن تقديم خدماتهم أو منتجاتهم، على أساس ديني.
ويشترط التعديل الجديد حرية المنع وعدم تجريمه، بأن يتمكن المحظورون من العثور على نفس السلعة أو الخدمة بسعر مماثل، وفي محيط جغرافي قريب.
الشريعة أولاً
يُشار إلى أن البند الخاص بعدم تجريم التمييز بين متلقي الخدمات على أساس ديني أو غيره، أثار ضجة عقب تصريحات صدرت عن نائبين من كتلة “الاتحاد القومي”، هما: سمحا روتمان وأوريت ستروك.
والأخيرة صرَّحت بأنه “يُحظر إجبار طبيب كمثال، على تقديم خدماته لشخص ما، إذا كان الأمر مخالفا لمعتقده الديني”.
وكان روتمان بدوره قد ذكر أن التعديل الجديد سيعطي الحق لمدير أحد الفنادق كمثال، باتخاذ قرار بشأن عدم استضافة مجموعات من المثليين.
زعيم حزب “عوتسما يهوديت” إيتمار بن غفير، والمتفَق على توليه منصب وزير الأمن القومي، أعلن في الأيام الأخيرة عن تأييده هذا التعديل.
ونقل عنه الإعلام العبري قوله إن “لكل صاحب عمل الحق في تقرير أي من العملاء يمكنهم الحصول على الخدمات”.
وضرب بن غفير مثلا بامتناع صاحب مطبعة في بئر سبع (عربي) عن طباعة ملصقات لصالح أشخاص مثليين، أرادوا توزيعها كدعوة للتظاهر، قبل أن تقضي محكمة بتوقيع غرامة عليه، ورأى أن من حق صاحب المطبعة العمل من منطلق معتقداته.
وقال أيضا إنه لو حدث العكس، أي لو كان طالب الخدمة أو السلعة ينتمي لليمين، وأن صاحب العمل شخص ليبرالي، فإن القانون سيكفل له أيضا الامتناع عن تقديم هذه الخدمة، مشيرا إلى أن التعديل الجديد لا يمس بالديمقراطية.
يشار إلى أن الأحزاب ذات الطابع الديني في إسرائيل سواء الحريدية أو تلك التي تنتمي للصهيونية الدينية، تتمسك بالتعاليم اليهودية التي تحرم الشذوذ الجنسي، على خلاف التيارات العلمانية هناك.
جدل حاد
وكانت “معاريف” قد نقلت، الأحد، عن النائبة أوريت ستروك، تعقيبا على التعديل، أن “المعتقد الديني ينبغي أن يتفوق على قيم المساواة”.
وذكرت أنه “من غير المعقول أن بلدا أقامه شعب، بعد سنوات من التمييز في الشتات، والتضحيات من أجل التوراة، أن ينعت الشريعة الدينية بالتمييز”.
وقالت أيضا: “في دولة إسرائيل، التي قامت بعد 2000 عام من الشتات، بفضل تضحيات اليهود من أجل تطبيق التوراة، لن يفرضوا على مؤمن مخالفة الشريعة”.
وفي رده على هذه العاصفة، اضطر زعيم “الليكود” ورئيس الوزراء المكلف، بنيامين نتنياهو أن يعلن رفضه تصريحات ستروك، وعقَّب عليها قائلا: “ما قالته النائبة أوريت ستروك غير مقبول بالنسبة لي ولزملائي في الليكود”.
وتعهد بالحفاظ على مبادئ التسامح، وقال في بيان رسمي: “لن نسمح بالتمييز ضد أفراد مجتمع المثليين أو المس بحقوق أي مواطن آخر في إسرائيل”.
وعلق رئيس الوزراء المنتهية ولايته، يائير لابيد، زعيم حزب “هناك مستقبل” الوسطي الليبرالي على صريح نتنياهو بقوله إن “نتنياهو الضعيف يقودنا إلى دولة شريعة ظلامية، إنه لا يدين حتى التصريحات الظلامية من هذا النوع لأنه لا يمكنه ذلك”.
وحذَّر وزير الصحة المنتهية ولايته، نيتسان هوروفيتش، من تطبيق القانون، وقال إنه يذكر بالأنظمة المظلمة، ووصفه بأنه “انقلاب”، مضيفا أن قانونا من هذا النوع “سيؤدي إلى عصيان مدني كبير” حسبما نقلت عنه إذاعة “غالي تساهال”، اليوم الإثنين.
وكتبت وزيرة المساواة الاجتماعية والمتقاعدين في الحكومة المنتهية ولايتها، ميراف كوهين، الإثنين، عبر حسابها على “تويتر”، أن ما أدهشها في الأمر هو ردة فعل حزب “شاس” المتشدد دينيا.
وغردت كوهين قائلة إن “حزبا يتباهى بأنه يُمثل الشرقيين الذين يعانون التمييز، يتعاون مع قانون عنصري خاص بسموتريتش”.
وأضافت: “إننا أمام دليل إضافي على أن التمييز ضد الشرقيين والشرقيات هو آخر أمر يشغله (أي حزب شاس)، إنهم يريدون فقط ترسيخ الفقر لكي يمكنهم توزيع الحصص التموينية… حلقة مفرغة”.
وتعهدت إفرات راتين، عضوة الكنيست عن حزب “العمل”، بمواصلة الجهود من أجل ترسيخ قيم المساواة والتسامح والليبرالية في المجتمع الإسرائيلي، معتبرة أن القانون يسلب قيم المساواة والديمقراطية ويمس بالصهيونية واليهودية على حد سواء.
قناة “”i24news الإسرائيلية بالعربية، كانت قد أشارت إلى اتصال هاتفي أجراه الرئيس إسحاق هرتسوغ الأحد مع نتنياهو، دعاه إلى “حماية حقوق جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن هويتهم أو قيمهم ومعتقداتهم”.
وقالت إن الدعوة “جاءت بعدما طالب يمينيون متطرفون من المرتقب أن يشغلوا مناصب في الحكومة المقبلة بمراجعة قوانين مكافحة التمييز”.
تداعيات
وفي رد فعل عملي أولي على هذا التعديل، أعلن بنك “ديسكونت” الإسرائيلي، اليوم الإثنين، أنه لن يصدر بطاقات ائتمان لأية مؤسسة أو كيان يُميز بين عملائه، على أساس ديني أو عرقي أو جنسي.
وأكدت “معاريف” أن الإعلان جاء ردا على القانون الجديد، ناقلة عن شاؤول كوبرينسكي، رئيس مجلس إدارة بنك “ديسكونت” أن إدارة البنك “وجدت أنها ملزمة بتعديل سياسات إصدار بطاقات الائتمان.
وأضافت أن “السياسات الجديدة ستحظر إصدار مثل هذه البطاقات للمؤسسات والكيانات وأصحاب الأعمال الذين يُميزون بين عملائهم داخل دولة إسرائيل”.
وأكد كوبرينسكي أن المصرف مُلتزم بهذه السياسات من منطلق كونه كيانا لديه مسؤوليات ويسهم لصالح الاقتصاد الإسرائيلي.
وأكدت الصحيفة أيضا أن مديرة شعبة البحوث والتطوير في “مايكروسوفت-إسرائيل”، ميخال برافرمان بلومنستيك، انضمت لموقف “ديسكونت”، وأشار إلى أن الشركة الأمريكية “لا تعرف مكانا للعنصرية، وأن سر تفوقها هو التنوع”.
Comments are closed.