بقلم: د. هاني العقاد
التصعيد بالتصعيد معادلة أرسى قواعدها رجال فلسطينيين امنوا ان الموت واحد والشهادة هي السبيل والوطن لن يبقي محتلاً للابد ,والشعب لن يرفع الراية مستسلما بل يتسابق فيه الرجال على تدفيع الاحتلال الثمن باهضا لارتكابه الجرائم اليومية بحق أبناء شعبنا دون ان يفكروا ان اليوم التالي قد يأتي محملاً بوجع مضاعف لهذا المحتل الذي ما ترك للفلسطينيين خيارا ليفكروا في غير المواجهة ومنازلة الصهيوني الذي يستبيح الأرض والعرض ويمارس الكراهية والعنصرية والتطرف، يسرق الأرض ويستوطنها ,يقتل ويعدم على مرأى ومسمح العالم الجبان , يدنس المقدسات ويهدم البيوت ويفجر الحارات , يقتحم المدن والمخيمات بعشرات العربات المصفحة المضادة للرصاص , ينشر الموت بين الازقة , ويحرق الأخضر واليابس انتقاما من اهل هذه المدن التي مازالت تقاوم بأبسط الأدوات معتقدا انه سيقضي على المقاومة الوطنية ويحدث حالة ردع غير مسبوقة يستعيد فيها الهدوء المطلوب ليكمل برنامجه التوسعي الاستيطاني والذي يسعي من خلاله لأنشاء كيان صهيوني خالص القومية على ارض فلسطين.
اول صفعة على وجه حكومة التطرف الصهيوني الجديدة جاءت موجعة بعد اقل من 24 ساعة على ارتكاب هذه الحكومة مذبحة في مخيم جنين الذي يعتبر عنوان المرحلة وكسر صموده يعني ان دولة الاحتلال ستتمكن من كسر المقاومة وتفكيك خلاياها هناك لا سيما ان خطة الحكومة السالفة “كاسر الأمواج ” قد فشلت في ذلك ,ارتكب الاحتلال المذبحة ولم يحقق أهدافه من ورائها لكنه واجه مقاومة لم يواجهها من قبل . الصفعة التي تلقتها حكومة التطرف جاءت على قاعدة ” مذبحة مقابل مذبحة والجروح قصاص ” وكشفت عجز هذا الكيان الذي أطلق العنان لتطرف بن غفير وسموترتش ,اريه درعي , يؤاف غالنت وبالطبع زعيمهم نتنياهو ليركبوا الموجه ويعتقدون انهم بتطرفهم يستطيعون ان يحققوا مزيدا من تأييد الشارع الإسرائيلي المحتقن بالأساس ضدهم وبالتالي وتوحيد صفوف الإسرائيليين والتفاهم حول حكومتهم , واعتقد ان مزيدا من الفشل في مواجهة المزيد من الصفعات سيؤدي في النهاية الى اسقاط هذه الحكومة الإرهابية .
المحير للمنظومة الأمنية الصهيونية انها لم تجد أي علاقة بين منفذي هذه العمليات ورجال المقاومة سواء في غزة او جنين ما يؤكد ان مذبحة جنين كانت السبب الرئيس وليس كما يصور الاعلام العبري خاصة فيما يخص منفذ عملية مستوطنة النبي يعقوب بانها جاءت لانتقام المنفذ لاستشهاد جده قبل 24 عاما على ايدي مستوطن متطرف، نعم قد يكون هذا أحد الأسباب لكن السبب الرئيس هو ما حدث في جنين ,لا سيما ان شهود عيان ذكروا للأعلام العبري ان المنفذ اثناء تنفيذ العملية كان يهتف لجنين وشهداء جنين. عملية اخرى نفذها طفل فلسطيني لم يتجاوز الرابعة عشرة من العمر حيرت رجال الامن لأنها جاءت لتؤكد ان الانتقام لشهداء مجزرة جنين هو اهم أساب اقدام هذين المواطنين على تنفيذ العمليتين الفرديتين ما يجعلنا نؤكد ان أي تصعيد قادم في أي مدينة فلسطينية اخرى كنابلس التي كان يتوعدها وزير الجيش وبن غفير لن تمر مرور الكرام دون ان يدفع المحتل الثمن وفي عمق مدنه المحصنة التي تعج بالعسكر ودوريات رجال المخابرات والقوات الخاصة ومئات عربات الشرطة ومئات كاميرات المراقبة التي تتتبع كل شخص يسير في شوارع المدينة الفلسطينية التي ترفض بالدم كل محاولات التهويد وتبقي العاصمة التاريخية الدولة الفلسطينية .
عمليتان فرديتان اصابتا حكومة الاحتلال بالعجز الحقيقي في قدرتها على توقع حدوثهما بعدما أصبح لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية اعتقاد انها استطاعت ان تمنع الفلسطينيين من الوصول الى المدن الإسرائيلية لتنفيذ مثل هذ العمليات، عجز احتلالي حقيقي في دراسة سلوك الافراد او حتى النشطاء الفلسطينيين بالرغم من مراقبتها كافة الحسابات الخاصة بالنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وتوظيف كل ما تملك المؤسسة الأمنية لجمع المعلومات التي تمكنها من احباط أي عملية متوقعة. تدرك حكومة نتنياهو انها السبب في هذه المواجهة لكنها لا تعترف بالعجز او عدم القدرة على وقف مثل هذه العمليات ما يعني اننا نتوقع المزيد من العمليات طالما التصعيد الإسرائيلي على حالة ولم تتراجع هذه الحكومة المتطرفة عن مخططاتها الاجرامية.
ما بات واضحا ان هذه الحكومة المجرمة تريد ان توظف ذلك لأجل تصفية الوجود الفلسطيني في القدس واقتلاع الهوية الفلسطينية بترحيل اهالي واقارب المنفذين الى الضفة دون ان يعترفوا ان العمليتين اثبتتا ان كل عمليات استهداف الشعب الفلسطيني ستقابل بمزيد من العمليات الفدائية الفردية ولن تنجح هذه الإجراءات في إعادة الامن والاستقرار للقدس المحتلة, ويجب ان يدرك العالم ان برنامج حكومة نتنياهو المتطرفة هو الذي فجر المشهد وادى لتصاعد مثل هذه العمليات التي تعجز أي حكومة اسرائيلية عن احباطها وتعجز عن منع المزيد منها مهما ارتفع مستوى الإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين في القدس والضفة.
العمليات الفردية تعني ان المنفذين لا يتبعون لأي فصيل فلسطيني وليس لهم علاقة بكتائب المقاومة ,وليس لهم أي نشاط وطني وهم افراد عاديون انتماءهم الأول للدين والشعب والوطن وهذا يعني ان رد دولة الاحتلال على مثل هذه العمليات يساوي صفر وخاصة الإجراءات العلنية والسرية التي اتخذها “الكابينت الصهيوني المصغر”, والقراءة الأولية لمثل هذه الإجراءات تؤكد انها قد تأتي معاكسة لتوقعات قادة الاحتلال وفي ذات الوقت تكشف حالة العجز التام للمؤسسة الأمنية وعدم قدرتها على منعها بالكامل, هذا العجز سيستمر طالما رجال حكومة نتنياهو يتسابقون لاتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية والمضادة لإحباط هذه العمليات الفردية والتي ستحول المجتمع الإسرائيلي لمجتمع مرعوب غير امن في مدنه وحتى بيوته حتى لو حمل الجميع السلاح وناموا وهو على اكتافهم لان قادتهم لا يريدون الاعتراف ان السبيل الوحيد لوقف العمليات الفردية هو وقف التصعيد بحق الفلسطينيين واغلاق دائرة الدم التي تتسع بفعل سياسة هذه الحكومة المتطرفة .
Comments are closed.