بقلم: محمد بركة
لا شك أن مظاهرة، السبت، في تل أبيب، قد فاجأت الكثيرين، بما في ذلك منظميها، بحجم المشاركة التي وصلت إلى حوالي 100 ألف متظاهر.
ولا شك أن المشاركة الشعبية الواسعة في المظاهرة، تحمل معانٍ مهمة في الوقوف في وجه حكومة خليط الظلاميين والجنائيين.
ولا شك أن قضية استقلالية الجهاز القضائي، ورفع يد السلطة التنفيذية عنه هي هامة جدا هنا، وفي كل مكان.
إلا أن المنظمين أرادوا أن تتحرك هذه المظاهرة في قوقعة الإجماع القومي الصهيوني، وأن تحمل هواجس صهيونية صِرفة، التي وإن بدا أنها تحمل قيما ديمقراطية، إلا أن هذه الديمقراطية لم تشمل المساواة الكاملة لجماهيرنا العربية الفلسطينية، ولم تحتمل أيّة ملامح فلسطينية..
وليس أقل من ذلك، حقيقة إقصاء القضية الأساسية والمفصلية، قضية الاحتلال وحقوق الشعب الفلسطيني إلى خارج أجندات المظاهرة، لا بل اعتبار إقحام فلسطين في المظاهرة عملا عدائيا لها.
ليس غريبا أن يكون الأمر كذلك، لأن عددا كبيرا جدا من مهندسي الاحتلال والقمع بحق شعبنا الفلسطيني، من سياسيين وجنرالات الحرب، يقفون وراء المظاهرة.
في واقع الامر، لا يمكن أن تتحدث إسرائيل عن الديمقراطية في الوقت الذي يعيش تحت سيطرتها فلسطينيون يبلغ عددهم عدد اليهود، ويعانون من الاحتلال والقتل والمداهمة، والتمييز، والعنصرية، والاضطهاد.
لا يمكن أن تتحدث إسرائيل عن نزاهة القضاء وحياديته، بينما يوفّر هذا الجهاز كل “المسوّغات القضائية” لمباذل الاحتلال وجرائمه، ولنظام الفصل العنصري ممثلا بقانون القومية.
هناك الكثير مما يجب قوله عن سقوط إسرائيل الحرّ نحو الأبرتهايد ونحو الاقصى التطرف واليمينية والعنصرية، التي تلامس طروحات اليمينية المتطرفة الجديدة المنتشرة في أوروبا وأميركا، لكن علينا أن نقول أمرا مفصليا يتعلق بنا نحن الفلسطينيين.
لن يشعر الإسرائيليون أن الاحتلال يؤذيهم وأن قضية الاحتلال تلحّ عليهم، طالما أن هذا الاحتلال مربحٌ وغير مكلف، وأن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم.
الرأي العام في الدول التي مارست الاحتلال والعدوان حمل، إلى جانب مركزية نضال الشعوب المقهورة، أهمية استثنائية لتصفية الاحتلال والعدوان، هكذا في الجزائر وهكذا في فيتنام وهكذا في إفريقيا.
شعبنا الفلسطيني وحلفاؤه في العالم، يجب أن يضعوا مشروعا سياسيا وشعبيا لمحاصرة هذا الاحتلال وهذه العنصرية وهذه الحكومة لأن هذا هو الصحيح وهذا هو المؤثر.
لا يمكن أن يقتصر الدور الفلسطيني على تصريف الأمور تحت سلطة الاحتلال، وعلى تولي دور مقاولي الأمن تحت الاحتلال.
وأخيرا، لسنا عبثيين كي لا نرى أهمية هذا الحراك في إسرائيل لضعضعة حكومة العنصريين بقيادة نتنياهو، لكن هذا الحراك ليس كافيا ويبقى خارج الملعب الأساسي.
في الختام، لا بد من تحية حارة واعتزاز كبير لكتيبة الشجعان من أعضاء الجبهة وأصدقائهم عربا ويهودا، وأطر مناهضة للاحتلال، الذين نظموا كتلة في داخل المظاهرة في تل أبيب، رفعوا فيها مطلب تصفية الاحتلال، ورفعوا فيها علم فلسطين.
هذه الكتلة تمثّل الضمير الحقيقي والموقف الحقيقي الصحيح.
Comments are closed.