بدأت إثيوبيا إجراءات الملء الرابع لسدّ النهضة، من خلال فتْح بوّابتَي التصريف أعلى الممرّ الأوسطي، والذي يستهدف تجفيف الممرّ بشكل كامل، لتبدأ بعد ذلك الأعمال الخرسانية الخاصة بتعلية السدّ، بما يسمح بزيادة ارتفاع الجوانب، وإطلاق عملية التخزين الجديدة مع حلول موسم الأمطار المقبل. ويأتي ذلك في الوقت الذي لا تزال فيه المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا حول السدّ متوقّفة بشكل كامل، في ظلّ تعثّر الوساطة الأفريقية، وعجْز مصر عن حشْد دول حوض النيل لدعم موقفها، ورفْض إثيوبيا التوقيع على أيّ اتّفاقيات ملزِمة بشأن آلية ملء وتخزين المياه في السدّ حتى الآن. وتكتفي مصر، التي اعترف وزير الريّ فيها، هاني سويلم، بأن القدَر وحده هو الذي أنقذها في الملء الثالث جرّاء هطول كمّيات كبيرة من الأمطار لم تُسجَّل منذ 115 عاماً عوّضت الكمّيات التي احتجزها الجانب الإثيوبي، ببيانات التنديد بموقف أديس أبابا، في وقت تعود فيه الوساطة الإماراتية إلى الواجهة.
وناقش الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، ملفّ السدّ باستفاضة، مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، خلال زيارة الأخير لأبو ظبي، وذلك قبل يوم واحد من زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لها، للمشاركة في لقاء تشاوري مع قادة دول الخليج، سبقتْه مناقشات هامشية حول الملفّ بين السيسي وابن زايد. وفي ظلّ غياب أيّ نتائج للجهود الإماراتية، تكتفي القاهرة بمتابعة الخطوات الإثيوبية عبر الأقمار الصناعية وعمليات الرصد اليومي للتحرّكات في منطقة السدّ، والتي أصبحت تؤثّر سلباً على جوانب عدّة، من بينها عمليات تصريف كمّيات المياه من بحيرة السدّ العالي، والذي تَغيّر موعده من موسم الفيضان في الصيف إلى موسم انحسار الأمطار في الشتاء. وتتطلّع مصر إلى ضمان التعامل مع الكمّيات المصرَّفة بشكل لا يؤثّر سلباً على السدّ العالي، وإرساء مزيد من الإجراءات الوقائية بشأن المساحة المخصَّصة لحجز المياه، والتي ستنعكس على كمّيات المياه المتوقَّع تدفّقها مع موسم الأمطار.
وعلى مدار عمليات الملء الثلاث الماضية، احتجزت إثيوبيا نحو 20 مليار متر مكعّب من المياه، وهي كمّية تعادل أقلّ من ثلث الكمّية المستهدَف تخزينها في البحيرة، نتيجة عقبات عدّة، في مقدّمتها الاضطرابات في الداخل الإثيوبي، فضلاً عن بداية موسم الأمطار العام الماضي في وقت مبكر. لكن مصر تخشى، في حال عدم نجاح الوساطة الإماراتية التي تتطلّب تنازلات مصرية جمّة، من أن تَدخل الأزمة نفقاً مظلماً، ولا سيما في ظلّ الرغبة الإثيوبية في تعويض الكمّيات التي لم تُخزَّن في العامَين الماضيَين وفق الجدول الزمني. ووفق مصادر «الأخبار»، فإن قنوات التواصل بين البلدَين حالياً محدودة للغاية، ويعتريها الاحتقان، وهو ما يحاول الإماراتيون التخفيف منه، من أجل صياغة اتّفاق تسوية يضمن تحقيق مصالح الطرفَين. على أن القاهرة لا ترى في الخطوات الإماراتية حتى الآن فرصة حقيقية، حتى لو جرى الاقتراب من صيغة مشتركة ما، في ظلّ الخشية من عدول أديس أبابا عن التزاماتها، على غِرار ما فعلته سابقاً.
Comments are closed.