بقلم: بكر أبوبكر
لطالما اتخذنا موقفًا واضحًا بضرورة الاهتمام بالحائط الاستنادي العربي الذي بدونه فإن القضية الفلسطينية تُقدم على طبق من دم للمحتل الصهيوني وتصبح مكشوفة وذلك في سياق الفهم العميق أن القضية الفلسطينية هي قضية وطنية وعربية وإسلامية ومسيحية وقضية الأحرار بالعالم.
إن السياق العروبي القومي هو الجدار الأساسي والأول، وهو الحقيقة وعكسه هو الوهم، وكما كانت تردّد شعارات الثورة الفلسطينية التي مازالت صالحة حتى اليوم، والقائلة (أن الثورة فلسطينية الوجه، عربية العمق، عالمية أو انسانية الأبعاد) أو بحسب مصطلح المفكر الكبير خالد الحسن أن (القاطرة الفلسطينية لاتسير الا في القطار العربي).
وما كانت منظمة التحرير الفلسطينية وخادم فلسطين الأول ياسر عرفات إلا لاعبًا أساسيًا في معادلة “الشرق الاوسط” في المحيط الزاخر، أي العربي الذي بدونه نفتقد الزخم والثراء والقدرة على الحركة والتقدم ثم الانتصار في المواجهة سواء العسكرية أو السياسية.
تفتقر زعامات الأمة العربية اليوم الى نظرة عملية (وليست نظرية، عبر البيانات الصادرة عن مؤتمرات القمة أو من بعض الدول) في تعاملها مع القضية الفلسطينية، لأنها بغالبها تضع مصالحها الذاتية أو السلطوية أو الاقتصادية أولًا (ولم لا!) حتى على حساب القضية الكبرى، ما كانت تسمى لديهم “القضية المركزية للأمة” أي القضية العربية الفلسطينية لأسباب عديدة. وفلسطين كقضية مركزية حقيقة وليست وهمًا فهي مفتاح الأمة الذهبي.
افتقاد النظرة العملية تجاه قضيتنا بأحد أسبابه تقصيرنا نحن الفلسطينيين اليوم في إثبات الجدارة بالحركة الدؤوبة والمثابرة وبالعمل الميداني الثابت، وتقصيرنا بالخطاب الموحد وبالتمثيل المتكامل أمام زعماء العالم العربي وأمام الغرب، بل وأمام الإسرائيلي نفسه منذ عهد “شارون” الذي قسّم الشعب وجلس ضاحكًا بين شمال وجنوب.
استطاعت المملكة العربية السعودية أن تتخذ موقفًا وطنيًا لمصالحها، وعروبيًا وعقلانيًا في تعاملها مع قضايا المنطقة فناوأت المصالح الأمريكية بعد فهم للمتغيرات الإقليمية والعالمية.
إن الإدارة الامريكية التي نفضت يدها من المنطقة، ومن المملكة ذاتها، باتجاه تعظيم الدور الإسرائيلي على حساب كل دول المنطقة العربية (المسماة الشرق الاوسط،مع بعض دول أخرى)، أشعلت الضوء الاحمر للجميع أن كل المسعى الامريكي الأوحد قد ارتبط بجعل “إسرائيل” هي المهيمنة والمسيطرة والسيدة على المنطقة بنفطها وثرواتها وجغرافيتها وزعمائها وعقولها.
لذلك كانت كل تنظيرات “نتنياهو” باتجاه جرّ المملكة ولو بالسلاسل لاتفاقات “إبراهامهم” أن رفضته السعودية بكبرياء الأصالة الوطنية، والعربية والزعامة الإسلامية التي اعتبرت ان الحل السياسي للقضية العربية الفلسطينية فقط يكمن بتنفيذ المبادرة السعودية-العربية، ورغم انسداد القناة المالية مع الفلسطيني التي نفترض أنها مؤقتة.
فكرة عمل حلف ناتو عربي يضم السعودية ودول أخرى مع إسرائيل في مواجهة العدو الأوحد للجميع حسب الفهم الامريكي-الإسرائيلي أي إيران، هو فهم سقط تحت سنابك خيل الصينيين المهاجمين كدولة عظمى من البعيد نحو أكثر من 2 مليون برميل نفط سعودي، ونحو تجسير طريق الحريرالاقتصادي العظيم مع آلاف المشاريع بآسيا وافريقيا، ورفضًا لانفصال تايوان.
لقد أربكت الصين منذ سنوات أمريكا، فكانت عدوها الأول فعليًا وباتجاه المحيط الهادي، ما جعلها تنسحب من منطقتنا وتسلمها لإسرائيل، إلا أن “نتنياهو” فشل في تحقيق حلم الأمريكان وحلمه “الجابوتنسكي” هو بتحطيم أمة العرب.
وما كان من الاتفاق (السعودي-الإيراني-الصيني) الاخير إلا أن فاجأ الحالمين الواهمين وأضاف عبئًا ثقيلًا على الأمريكي، مقابل هذه الدولة العظمى الناهضة في كل المجالات الزراعية والصناعية والتقنية التي فاقت بكل شيء أمريكا بمقدار الضعف حسب كل التقارير العلمية، فما بالك وهي تضع يدها (بالشرق الاوسط) وغيرها مما كان مغلقًا على الأمريكي؟.
إن سقوط فكرة حلف الناتو بقيادة “إسرائيل العظمى” لدول إبراهام-الأمريكية قد تم عبر نهج المبادرة والمصالحة والحلول السلمية الذي بادرت اليه الدول الثلاث أي الصين وإيران والسعودية فتحقق لكل منها مصالحها الخاصة، في مواجهة المصالح الاستعمارية الامريكية في المنطقة وعبر إسرائيل بشكل أساسي، وبالتموضع الأمريكي في سوريا بشكل مادي.
فكرة أن القضية الفلسطينية قد تغيب عن أي حدث إقليمي هي فكرة مؤرقة للقائد الفلسطيني فلم يكن ياسر عرفات لينام أبدًا حين تتخذ المنطقة مساراً سلبيًا أو إيجابيًا، وعليه ما كان من الزيارات المكوكية للخالد أبوعمار لإيران والعراق والخليج في محاولات حثيثة حينها لوقف النزيف.
عندما تفككت المنطقة بأنظمتها في المشرق العربي تحت حراب السلاح الامريكي سواء في العراق أو سوريا هيمنت الدولة الإسرائيلية وحققت حلمها الكبير بتدمير الجيوش العربية القوية أي في سوريا والعراق. ورحم الله مصر، رغم خروجها العسكري منذ كامب ديفد عام 1979م.
ومع تقدم الإسرائيلي ليجتاح المشرق والمغرب العربي انتبه القادة العرب أو من عقل منهم للأمر فنظر لنفسه! حيث المطلوب منه إما ان يكون تابعًا ذليلًا لمحور أقليمي وإما سيأفل نجمه، وتتحطم فيه الدولة أو النظام. وحيث سقطت الأوهام أن أمريكا فقط هي الحامية وهي التي تمتلك أوراق اللعبة.
وبظني أن هذا الأمر مع الانسحاب الأمريكي الواضح لمصلحة تعظيم اسرائيل قد ترك مثيرات ومؤشرات لدى صانع القرارالعربي الذي رفض وعلى رأسه كانت الأردن ثم السعودية اليوم أن يكون تابعُا أو ذيلًا لأي دولة بالمنطقة، فكان التحول ضمن ما سبق، وضمن عوامل داخلية كثيرة أخرى.
بالمقابل وفي ظل المتغير التصالحي الكبير ألم يكن الأجدر بالأخوة العرب الفلسطينيين على طرفي النقيض النظري، أن يفكروا وينظروا ويقرّروا، وأن يصحوا ولا يناموا أبدًا ليتفقوا ويقوموا بالواجب عليهم من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، لتعود القضية الفلسطينية ثانية بوحدة الكلمة والخطاب والبرنامج والحركة على رأس المشاغل والأولويات العربية والإقليمية؟ فلا نظل في حدود النظري العربي تجاهنا، فنتقدم بهم؟
Comments are closed.