بينما ينعقد الاجتماع الخماسي الأمني في العقبة، يستمر التغوّل الاحتلالي، وتستمر معه المقاومة في الرد، وتتصاعد حالة الاحتقان السياسي والشعبي الفلسطيني، احتجاجاً ورفضاً لما يجري في العقبة.
لا أجد جدوى في انتظار النتائج التي ستتمخض عن الاجتماع، ولا حتى في النظر فيما صدر ويصدر من بيانات وتصريحات، تعليقاً على الاجتماع سواء خرجت من الأطراف الفلسطينية ومن غيرها.
البيانات والتصريحات العلنية لا تعكس في الغالب، حقيقة ما يجري، وما يجري أكثر من واضح، ولا يحتاج إلى المزيد من التفسيرات، بقدر ما أنه يحتاج إلى تحليل الأبعاد والآفاق التي تتعلق بمخرجات الاجتماع، وردود الفعل عليه، من قبل كافة الأوساط المعنية.
لا أغادر هذه النقطة قبل أن أسجّل عدم جدوى وخطأ تبادل الاتهامات بين أطراف الفعل الفلسطيني، والتي بلغت حدّاً غير معقول حين يجري إخراج السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن يقف خلفها، من الإطار الوطني.
الفلسطينيون ليسوا بحاجةٍ إلى المزيد من الانقسامات والتشرذم والمناكفات التي أدمت القضية وأهلها، وفي الحالة التي نتحدث عنها، أفترض من المنطقي، أن يضع كل طرف نفسه في الموقع الذي فيه السلطة.
لا يتعلّق الأمر، لا بتبرير مشاركة السلطة، ولا بتبرئتها، وإنما يتعلق الأمر، بالأسباب والدوافع والعوامل التي أدّت إلى انعقاد مثل هذا الاجتماع، والخيارات المتاحة، وفي الأخير مآل أي اتفاق يصدر عن هذا الاجتماع.
واضح أن السلطة هي الطرف الأضعف من بين المشاركين الخمسة، وأنها في الموقع الذي لا يسمح لها باتخاذ موقف رافض ومتحدٍ، خاصة أن الأمر لا يتعلق بأميركا وإسرائيل فقط وإنما بدول عربية شقيقة، تتأثّر وتؤثّر في الصراع.
تقول السلطة في بيانٍ رسميّ، إن ممثليها في الاجتماع سيؤكدون على الالتزام بالشرعية الدولية، وبأهداف الشعب الفلسطيني، وسيعملون على وقف كافة الإجراءات أحادية الجانب من مصادرة الأراضي إلى الاستيطان إلى الاقتحامات والإعدامات، وهدم البيوت، وبطبيعة الحال المسجد الأقصى.
هذا يعني أن السلطة ستواصل السعي من أجل إضفاء بُعد سياسي على الاجتماع يسمح بفتح آفاق للعملية السياسية مقابل ما ستدفعه على الطاولة وفي الميدان، سواء ما يتعلق باحتواء الظواهر المسلّحة في جنين ونابلس، أو التوقف عن السعي نحو المؤسسات الدولية.
هذه المطالبات الفلسطينية الرسمية، ليست موضع شك، ولكن النتائج ليست مرهونة بما تريده السلطة، التي لا تملك، أيضاً، القدرة على إفشال الاجتماع.
صحيح أن ثمّة آليات عملية تشرف عليها الولايات المتحدة، لتوسيع دائرة «التنسيق الأمني»، ولتمكين السلطة من السيطرة على الجماعات المسلّحة في جنين ونابلس، تُضاف إلى الجهد الإسرائيلي الذي يتواصل في مواجهة هذه الجماعات، لكن كل ذلك لا يعني أن السلطة ستبدل وظيفتها ودورها المعروف.
حتى الآن، إسرائيل هي المسؤولة عن إضعاف دور السلطة، في الضفة الغربية والقدس، وهي المسؤولة عن انفجار الأوضاع، واحتمال أن تتّسع دائرة الانفجار، وإسرائيل هي المسؤولة عن تصاعد المقاومة المسلّحة.
السلطة وفق رؤيتها، لا تتبنّى ولا تشجع المقاومة المسلّحة، وهي لم تغادر مربّع البحث عن آفاق سياسية، والالتزام بالمقاومة الشعبية السلمية، لكنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، أو أن تكبح جماح المقاومة، طالما أن إسرائيل تقوم بكل ما تقوم به من مجازر للناس، والأرض والشجر والحقوق.
في كل الحالات، إذا كانت آلية «التنسيق الأمني»، التي سيتم اعتمادها في اجتماع العقبة، ستتطلّب من أجهزة الأمن الفلسطينية الانخراط في مواجهة الظواهر الفلسطينية المسلّحة، فإنّ ذلك من شأنه أن يشكّل خطراً جسيماً على السلطة ذاتها سياسياً وأمنياً وشعبياً فلسطينياً.
هذا الدور الذي يريدونه للسلطة، من شأنه أن يطيح بها، خاصة أن ظاهرة استخدام السلاح، لم تعد حصراً على جنين ونابلس، بل إنها تشمل كافة مدن وقرى الضفة الغربية بما في ذلك القدس، التي تقع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية المكثّفة.
لقد تلقّت إسرائيل أوجع الضربات في القدس، وليس في أي مدينة فلسطينية أخرى، فهل ستتحمّل السلطة المسؤولية عن أيّ مقاومة تقع في القدس، حيث الإجراءات الأمنية الإسرائيلية مكثفة جدّاً؟
واضح أن الطرف الفلسطيني في الاجتماع هو الذي يقع عليه الضغط، على الأقل من قبل ممثلي الولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل تحقيق الهدوء، وكأنه المسؤول عن التصعيد.
مقابل ما يجري تحميله للسلطة من مسؤوليات لخفض التصعيد من الجانب الفلسطيني، وهو أصلاً من الجانب الإسرائيلي ثمة إغراءات مالية، ولا شيء آخر.
في أفضل الحالات، فإن الولايات المتحدة، ستقدم المزيد من الوعود للفلسطينيين، بمواصلة دورها من أجل فتح الأفق السياسي والمحافظة على إمكانية تحقيق «رؤية الدولتين»، لكن الفلسطينيين قد خبروا مراراً مثل هذه الوعود التي لم تغادر وسائل الإعلام.
بالتأكيد ستبدأ آليات العمل، في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في اجتماع العقبة، ولكن لا توجد ضمانة بأن تلتزم إسرائيل بالاتفاق، شأنها إزاء كل الاتفاقيات والتفاهمات الكثيرة التي جرت خلال السنوات الطويلة الماضية.
فإسرائيل في ظل الحكومة القائمة، لا تستطيع كبح جماح تطرُّفها، ولا تنوي التوقف عن تحقيق أهدافها التوسعية العنصرية، وهي لن تتوقف عن التصعيد، لأن ذلك ليس من طبيعتها، ولا حتى ضمن قدرة بنيامين نتنياهو.
أُراهن أن هذا الاتفاق ستتم الإطاحة به من قبل إسرائيل وخلال وقتٍ قصير، ولن تبادر الإدارة الأميركية إلى انتقادها أو ضبط سلوكها، ولذلك لا حاجة للتطيُّر، وإفساد العلاقات والأجواء الفلسطينية فوق ما تعاني منه من انقسام وفساد وإفساد، وتطيُّر.
Comments are closed.