ناقش المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ماكس بوت، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتسبب بضرر لا يمكن إصلاحه في العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية.
وقال الكاتب إن قرار نتنياهو الأسبوع الماضي، تأجيل إصلاحاته القضائية التي كانت ستنهي المراجعة القضائية للتشريعات، جاء وسط تظاهرات واسعة وإضرابات، إلا أن ما بعد الصدمة لا يزال يتردد صداه في علاقات إسرائيل مع أهم حليف لها، الولايات المتحدة.
ونقل عن خبير أمني قوله: “هناك كل الأسباب التي تدفع للقلق حول المدى الطويل في العلاقات الأمريكية مع إسرائيل، وعودة نتنياهو إلى الإصلاح القضائي بعد نهاية عيد الفصح”. وأصدر الرئيس بايدن، المعروف بدعمه الحماسي لإسرائيل، تحذيرات لنتنياهو ودعاه لوقف هجومه على القضاء، وكانت تصريحاته العلنية يوم الثلاثاء الماضي أقوى شجب حيث قال: “أنا قلق… لا يمكنهم مواصلة المشي في هذا الطريق”، وكان واضحا أنه لن يدعو نتنياهو لزيارة البيت الأبيض قريبا، حيث كان رئيس الوزراء من الزوار المنتظمين له. ورد نتنياهو بتصريحات قاسية: “إسرائيل دولة ذات سيادة وتتخذ قراراتها بناء على إرادة سكانها، ولا تقوم على ضغوط من الخارج”.
وكان أعضاء في حكومة نتنياهو لاذعين في نقدهم عندما اتهموا الرئيس بايدن بأنه وقع في شرك “الأخبار المزيفة”، وقال وزير: “نحن لسنا نجمة أخرى في العلم الأمريكي، نحن ديمقراطية ونتوقع من الرئيس الأمريكي أن يفهم هذا”. والحقيقة هي أن بايدن يدافع عن ديمقراطية إسرائيل ولا يهاجمها، ولا يحق لنتنياهو الشكوى من التدخل الأمريكي في السياسة الإسرائيلية، إذ تدخل هو وبوقاحة في السياسة الأمريكية عام 2015 وحث الكونغرس على رفض خطة باراك أوباما لتوقيع اتفاقية نووية مع إيران.
ولم يعان نتنياهو أبدا من تدهور في احترام الذات. ففي الماضي، أظهر اهتماما بمصلحة بلاده وليس مصلحته، ويبدو الآن بأنه مصمم على البقاء في السلطة وبأي ثمن، حتى لو أضعف القضاء من أجل منع محاكمته بقضايا فساد. وهذا الميل المستبد لا يعتبر تهديدا على الديمقراطية الإسرائيلية بل والعلاقات مع أهم حليف وهي الولايات المتحدة. وباتت إسرائيل القوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط ومن السهل أن تتعامى عن حقيقة اعتمادها الكبير على أمريكا، ولكنها تفعل.
وبحسب خدمة الأبحاث في الكونغرس، تعتبر إسرائيل الأكبر من ناحية تلقي الدعم الأمريكي الخارجي منذ الحرب العالمية الثانية، وستحصل هذا العام على 3.8 مليار دولار. ففي الوقت الذي تنتج فيه إسرائيل أسلحة متقدمة، ولديها صناعة عسكرية قوية في مجال الصواريخ ومعدات الأمن الإلكتروني والطائرات المسيرة، إلا أنها بحاجة دائمة للمكونات المهمة في الجيش ومصدرها أمريكا مثل المقاتلات التي تعطيها التفوق. فقد اشترت إسرائيل مثلا 50 طائرة من أحدث المقاتلات “أف-35” بتمويل من الولايات المتحدة. واشترت أربع طائرات “كي سي- 46 إي” للتزود بالوقود جوا، ومرة أخرى بتمويل من الولايات المتحدة، وهي طائرات تحتاجها لو قررت ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
كما تقدم الولايات المتحدة غطاء دبلوماسيا لإسرائيل وتستخدم مقعدها في مجلس الأمن لمنع أي قرارات ضد إسرائيل. وكانت اتفاقيات إبراهيم نتاجا لجهود الوساطة الأمريكية التي أدت لتطبيع خمس دول إسلامية علاقاتها مع إسرائيل. والوساطة الأمريكية ضرورية لو أرادت إسرائيل تطبيع العلاقات مع السعودية، وهو هدف يسعى إليه نتنياهو، وبات عرضة للخطر بسبب التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. وفي الفترة الأخيرة، أعادت السعودية علاقاتها مع إيران.
وهناك جنرال أمريكي يشرف على تدريب قوى الأمن الفلسطينية، والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهو أمر ضروري لوقف الهجمات ضد إسرائيل، خاصة بعد قطع رئيس السلطة محمود عباس التنسيق الأمني احتجاجا على المداهمات الإسرائيلية.
ثم عقدت الولايات المتحدة مؤتمرا دوليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمشاركة مصرية وأردنية وأمريكية لخفض التوترات في الضفة الغربية. ثم هناك التنسيق السري بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مشاريع مثل تطوير فيروس “ستانكست” لتخريب البرنامج النووي الإيراني، وقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، والقيادي العسكري في حزب الله عماد مغنية.
وقال الجنرال المتقاعد، ومدير المخابرات الوطنية السابق جيمس كلابر: “الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل قريبة جدا وعميقة ودائمة”. و”في الماضي، كانت عماد الاستقرار والاستمرارية قبل أن تدخل العلاقات الثنائية في مياه مضطربة، وقد يتعرض هذا العماد للخطر لو استمر هذا الخلاف حول جوهر الديمقراطية. ونشعر بالراحة في مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الديمقراطيات، وآمل أن تظل إسرائيل في هذا المعسكر”.
وعلى المدى القصير، لا يتعرض الدعم الأمريكي للخطر، مثل قطع الدعم العسكري، إلا أن أفعال نتنياهو المدمرة للذات تجعل من هذا السيناريو أمرا محتملا.
وقال الكاتب إن استطلاعا للرأي نظمه معهد غالوب قبل فترة، يجب أن يكون صيحة تحذير لقادة إسرائيل الذين تعاملوا مع دعم أمريكا لهم كأمر واقع. ففي الوقت الذي يبدو تعاطف الجمهوريين أوسع مع إسرائيل، إلا أن الديمقراطيين منقسمون في تعاطفهم بين إسرائيل والفلسطينيين.
ووجد استطلاع نظمه مركز بيو في 2022، أن معظم الأمريكيين تحت سن الـ30 لديهم مواقف غير محبذة من إسرائيل. وحتى يهود أمريكا لم يعد تأييدهم كبيرا لإسرائيل كما في الماضي. وفي دراسة مسحية في 2021، وجدت أن ربع الأمريكيين (30% ممن هم تحت سن الأربعين) يعتقدون أن إسرائيل دولة تمييز عنصري. وزاد البرود بين التقدميين نحو إسرائيل من خلال العلاقة القريبة بين نتنياهو والرئيس السابق دونالد ترامب وتفاقم في الفترة الأخيرة من خلال خلافه مع بايدن. وحتى إن قادة أمريكيين يهودا باتوا ناقدين لنتنياهو، ومنهم ديفيد فريدمان، سفير ترامب في إسرائيل الذي انتقد الإصلاحات القضائية واعتبرها “سبة للطريقة التي تعمل فيها المحاكم”، وكذا المتبرعة اليمينية المتطرفة مريام إديلسون والتي تبرع زوجها لكل من ترامب ونتنياهو.
وفي النهاية يلعب نتنياهو بالنار بمواصلته التمسك بالسلطة وإرضاء أعضاء تحالفه المتطرفين. وهو بهذه الطريقة لا يدفع بحرب أهلية داخل إسرائيل ولكن بتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة. وهو بحاجة للتخلي عن الإصلاحات القضائية وللأبد وإلا تسبب بمزيد من الضرر على أمن إسرائيل. وفي الحقيقة، ربما كان هذا متأخرا، فقد تسبب نتنياهو بضرر لا يمكنه إصلاحه للعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية.
Comments are closed.