تملك بلدان الخليج العربي قدرات متفوقة، متفاوتة بين بلد وآخر، ولكن ما تملكه على الأغلب، تجعل لها مكانة مقدرة مرحلياً وعلى المدى المنظور والبعيد.
أقول ذلك، وأنا أشهد وأتلقى أسئلة من زملاء أو أصدقاء، أو من رسائل، تطلب تفسير حالة “التمادي” أو “المبادرة” من قبل بعض الأطراف الخليجية، نحو أحداث ووقائع حادة وبارزة، إلى الحد أن هذا التمادي أو هذه المبادرات غير المسبوقة تخرج عن المألوف، بل وتصطدم مع المواقف الأميركية ومعاييرها علناً، وأنها تشير وتدلل لدى بعض المراقبين المندهشين أن بعض قادة الخليج العربي “شربوا حليب السباع” في توجهاتهم الاستقلالية.
يملك الخليجيون ثلاثة عوامل هامة هي:
أولاً يملكون المال والقدرة على استعماله، والخبرة على توظيفه، إلى الحد أنهم وصلوا إلى أن يكونوا أصحاب قرار في مؤسسات دولية منتجة.
ثانياً أن أولادهم من خريجي أرقى الجامعات في العالم، وباتوا في مواقع إدارة مؤسساتهم المحلية.
ثالثاً لديهم القدرة وحُسن الاختيار في جلب أهم الخبراء في السياسة والاقتصاد والأمن وتوظيفهم لديهم وفي مؤسساتهم، مما يؤهلهم ليكونوا مُطلين على أحدث المعايير والتوقعات وتطور الأحداث في العالم.
العالم مقبل نحو نقلة نوعية، تتجه لإنهاء القطبية الأميركية البريطانية الواحدة، وسيطرة واشنطن على الاقتصاد والسياسة والامن والمال، وتراجع تفوقها النوعي لصالح القطبية التعددية المثلثة:
1- القطب الأميركي البريطاني.
2- القطب الصيني الروسي.
3- القطب الألماني الفرنسي.
ومقدمات ذلك تتمثل بما يلي:
أولاً:التفوق الصيني باعتراف الرئيس الأميركي بايدن أن الصين هي الخصم التجاري رقم واحد للولايات المتحدة في العالم.
ثانياً : التفوق الألماني على أنها الدولة الثالثة اقتصادياً في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
وترتبط هذه المقدمات بوقائع دالة تشير على ولادة التعددية عبر مجموعة من التطورات جعلت بلدان العالم تقف يقظة على تخمين نتائجها سلفاً وهي:
1- الاجتياح الروسي لأوكرانيا 24 شباط 2022.
2- الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين روسيا والصين يوم 14 شباط 2022.
3- انتهاء فترة العقوبات الدولية على ألمانيا يوم 1 كانون ثاني يناير 2025، المفروضة عليها منذ الحرب العالمية الثانية، ورصدها كدفعة أولى مائة مليار يورو لبناء جيشها الوطني، والتخلص من التبعية التعسفية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة.
4- تصريحات الرئيس الفرنسي بعد زيارته لبكين، نحو التخلص من الهيمنة الأميركية وتداعياتها.
الخليجيون العرب بما يملكون من قدرات أكاديمية وخبراء في مجالات السياسة والاقتصاد والرؤية الاستراتيجية، دفعت العربية السعودية وغيرها كي تكون صاحبة مبادرة في التعامل والتعاطي مع الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بروح ودوافع الإدراك لهذه التطورات ونتائجها المتوقعة والتكيف معها بروح المبادرة ومتطلبات طموحها نحو المستقبل.
Comments are closed.