البوسطة”.. قطعة من عذاب للأسرى

يضطر كثير من الأسرى على إلغاء خروجهم لعيادة سجن الرملة حينما تكون امراضهم غير مزمنة، أو القبول بعقد جلسة محكمة لهم عن بعد عبر الشاشة كما يحدث خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تجنبًا للسفر عبر حافلة “البوسطة“، التي تعتبر قطعة من عذاب لهم، يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي وسيلة تعذيب وتنكيل بحقهم.


رحلة ساعة قد تستغرق 5 أيام!

خمسة أيام ذهابًا وغيابًا قد تستغرق رحلة الأسير من سجنه لحضور جلسة محاكمته، في رحلة قد تستغرق في الوضع الطبيعي ساعة واحدة فقط، بسبب الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال وإدخال الأسير في عدة سجون، يؤكد مدير الدائرة القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحررين جميل سعادة في حديث لـ”القدس” دوت كوم.

وبحسب سعادة، فإن الأسير الذي يسافر من سجن النقب أو سجن ريمون، يصل إلى معبار سجن عوفر، أو ربما إلى معبار سجن مجدو، والرحلة يجبر فيها الاحتلال الأسرى أو الأسيرات على النزول والمبيت في معبارات السجون، حيث أن تلك المعبارات أقسام في السجون تفتقر إلى مقومات الحياة الطبيعية.

يشدد سعادة على أن “البوسطة” تعد تعذيبًا نفسيًا ومصدر قلق للأسرى، وفيها يقيد الأسير بالأصفاد، في يديه ورجليه، ويقول: “لقد تقدمنا بشكوى ضد رحلة العذاب بالبوسطة، تلقينا وعودات لتقليص مدة رحلات البوسطة وخاصة الأسيرات، فالتزمت إدارة السجون لفترة، ثم عاودت إدارة السجون تلك الممارسات ونقضت الاتفاق دون مبررات قانونية”.

رحلة العذاب بـ”البوسطة” يقضي فيها الأسير عدة أيام، خلال نقله من سجن لآخر، أو من السجن إلى المحكمة أو التحقيق أو المستشفى أو العيادات دون مراعاة لأوضاع المرضى أو كبار السن، ويستريح الأسرى لساعات قليلة في محطات بعدة سجون داخل غرف لا تصلح للعيش الآدمي.

قبل يوم أو يومين يتجهز الأسير نفسياً وجسدياً لما سيعانيه داخل “البوسطة“، حيث تبدأ رحلة “العذاب” من الساعة الخامسة فجراً، وحتى وقت متأخر من الليل، بعد أن يتم تفتيش الأسير تفتيشاً عارياً ويجبر على ارتداء لباس “الشاباص” الخاص بالأسرى وهو باللون البني، وصولاًا إلى قسم “المعبار” في أي سجن في طريقهم به مثل هذه الأقسام، وفي كل مرة تبدأ رحلة المعاناة من سجن إلى سجن!.

البوسطة سبب المحاكمة عن بعد!

في كثير من الأحيان تجعل رحلة “البوسطة” الأسير يتمنى عدم الخروج من السجن، والقبول بعقد جلسة محاكمته عن بعد عبر الشاشة، وربما الصبر على ألم مرضه خشية الخروج وتكبيده ألماً مضاعفًا، يوضح سعادة.

ويقول المحامي جميل سعادة: “إن سلطات الاحتلال لجأت خلال جائحة كورونا إلى محاكمة الأسرى عن بعد عبر شاشة خاصة، من سجنه، وهو نظام تم العمل به في حالة اضطرارية بجائحة كورونا، لكن الأسرى حاليًا بدأوا يطالبون بالمحاكمة عبره خشية تكبيدهم معاناة السفر عبر البوسطة“.

ويضيف سعادة، “إن حضور الأسير جلسة المحاكمة عبر الشاشة رفضناه كمحامن، كونه ينتهك خصوصيات الأسرى، وليس قانوني، ونحن نطالب بالمحاكمة وجاهيًا، لأن ذلك دعم معنوي للأسير ويلتقي بأهله، لكن ما تسببه البوسطة من معاناة دفع بالكثير من الأسرى لقبول عقد جلسة المحكمة عبر الشاشة، وهذه الحالة قد نقبل بها في حال لم يكن هناك نطق بالحكم فقط”.

زنازين متنقلة!

البوسطة تشبه الحافلة من الخارج، لكنها مقسمة إلى زنازين من الداخل، يقيد فيها الأسرى، بشكل شبه كامل، وكل شيء فيها من الحديد، وتفتقر إلى مقومات الحياة، وتصبح أشبه بالفرن بالصيف، والثلاجة في الشتاء، ما يضاعف معاناة الأسرى، الذين يتنقلون بـ”زنازين”، يوضح الأسير المحرر لؤي المنسي في حديث لـ”القدس” دوت كوم.

تبدو “البوسطة” من الخارج حديثة وجميلة اللون، لكنها من الداخل مقسمة؛ لعناصر وحدة النحشون المجهزون بعتادهم وكلابهم البوليسية، أو لوضع الأسرى على مقاعد حديدية أو زنازين يوضع فيه أسرى أو أسيرات يتم تقييدهم بأيديهن وأرجلهن، أو الأسرى من ذوي الأحكام العالية أو المعزولين.

ووفق المنسي، فإن “البوسطة تشكل معاناة كبرى للأسرى فهي حافلة مقسمة إلى زنازين، وجميع مكوناتها حتى المقاعد من الحديد، كما أن طبيعة قيود الأسرى تسبب المعاناة لهم، وأي قيادة للبوسطة من قبل سائقها قد تسبب إصابة الأسرى بكدمات أو رضوض، وإن وقع حادث ولو بسيط يضاعف ألم الأسرى.

حتى الزنازين العادية قد تكون أفضل من “البوسطة“، حيث لا يوجد في “البوسطة” حمامات، عدا عن التقييد والتفتيش المهين والدقيق، وهي غير مهيأة بالتكييف صيفًا أو شتاءً، حتى مستلزمات الأسرى يتم رفض إدخالها مع الأسير وتوضع في خزانة “البوسطة“.

ويعاني الأسرى، وفق المنسي، الجوع والعطش، وعدم تمكنهم الذهاب للحمام، حتى إن كانت المسافات طويلة، ولا يتم التفريق بين مريض أو غيره، وربما يصاب الأسير بأمراض وآلام في المستقبل مثل “الديسك” وأمراض العظام، ويجبر الأسير على ارتداء لباس “الشاباص” البني.

ويشير المنسي إلى أن ما يجري بـ”البوسطة” هو نوع من العقوبات الجماعية بحق الأسرى، حتى الصلاة لايسمح لهم بأدائها، ما يضطرهم للصلاة وهم مقيدين دون معرفة مكان القبلة، ويتيممون بدلاً من الوضوء، كما يزيد معاناة الأسرى أنهم يجبرون على التنقل بـ”البوسطة” مع أسرى يهود جنائيين.

من جانبه، يقول الأسير المحرر ماهر الأخرس لـ”القدس” دوت كوم: “إن ما يزيد من معاناة الأسرى أن من يتحكم بهم هم عناصر وحدة “النحشون” المخصصة لقمع الأسرى، والذين يذيقون الأسرى خلال سفرهم عبر “البوسطة” صنوفًا من العذاب في كثير من الأحيان، ويوضع الأسرى في زنازين داخل تلك الحافلة بحسب ملف كل أسير ومدى خطورته بالنسبة للاحتلال.

أما عن القيود والأصفاد، يوضح الأسير المحرر الأخرس أنه يتم تقييد الأسرى بالأيدي والأرجل وفي منطقة الحوض والفخذين، بقيود حديدية! فهي عملية تشبه عمليات التعذيب والشبح، فيما يشير الأخرس إلى أنه لم تم تخيير الأسير المريض أن يصبر على مرضه ويستغني عن العلاج أو يخرج لعيادة سجن الرملة لتلقي العلاج، لفضل البقاء بالسجن والصبر على المرض، أو ربما يقبل عدم رؤية أهله المشتاق لهم، لما تسببه البوسطة من معاناة للأسير.

ويمنع الأسرى جميعاً من الحديث والتدخين أو حتى حمل المصحف الشريف، ويتناولون وجباتهم وهم مقيدون، وتغلق جميع نوافذ “البوسطة” ما يجعلها كريهة الرائحة، وهي مجهزة بكاميرات مراقبة، في حين قد تدخل مياه الأمطار من سقفها في أيام الشتاء.

Comments are closed.