الطريق إلى التميز المؤسسي

مع دخول العالم حقبة جديدة من التطور العلمي والمعرفي والتكنولوجي وتقنيات الذكاء الاصطناعي ذو الآفاق اللامحدودة، ها نحن نطوي اليوم صفحة التقدم التدريجي للبشرية لنخوض سباقاً مع التغيرات والتطورات السريعة والمتلاحقة والمفاجئة في عالم متغير ومتقلب نجد فيه أنفسنا مضطرين لمواجهتها دون سابق إنذار، ومن هنا يتزايد الاهتمام بتحقيق الجودة والتميز المؤسسي الذي أضحى مطلباً ملحاً وضرورياً للمؤسسات، فعصر الثورة المعرفية والتكنولوجية ذو الوتيرة المتسارعة أصبح عصراً لا يعترف إلا بالمتميزين سواء أكانوا أفراداً أم مؤسسات لاسيما في ظل التنافسية والتغيرات في متطلبات سوق العمل، فلم يعد البقاء للمؤسسات الأصلح بل للمؤسسات المتميزة التي تتسم بالمقدرة التنافسية وتتبنى مبدأ الفكر الإداري الحديث وهذا يستوجب عليها توجيه وتسخير إمكانياتها البشرية والمادية في سبيل تحقيق ممارسات وتطبيقات إدارة الجودة الشاملة لتصل إلى التميز المؤسسي. فما هو التميز المؤسسي؟ وما هي أهميته؟ وكيف يمكن للمؤسسات تحقيق وصناعة التميز ؟ وما هو السر الذي يكمن وراء نجاح مؤسسة دون الأخرى في تحقيق التميز ؟


التميز من المفاهيم الحديثة في علم الإدارة، وقد عرفت المؤسسة الأوروبية للجودة EFQM التميز بأنه “المنشآت المتميزة التي تحقق مستويات أداء فائقة ومستدامة والتي تلبي أو تتجاوز توقعات جميع المعنيين”. ويمكن تعريفه أيضا بأنه “الاستمرار في تحقيق أفضل النتائج مقارنة بالآخرين في نفس المجال من خلال تطبيق منهجيات وأنظمة عمل تضمن التحسين المستمر في كافة جوانب الأداء الفردي والجماعي والمؤسسي”.

التميز هو منظومة متكاملة لا تتجزأ ومفتاح التقدم والنمو والتطور لأهميته في تحسين الأداء والانتاجية والكفاءة والفاعلية التنظيمية والمرونة إضافة إلى مساهمته في تحقيق الرضا الوظيفي والانتماء التنظيمي وزيادة رضا العملاء وبالتالي نجاح المنظمات وتحسين سمعتها وتحقيقها لمكانة ريادية ومساهمته أيضا في تحقيق التنمية المستدامة وزيادة تقديرها واحترامها مما يساعد في استقطاب المزيد من العملاء.

إن بداية التطبيق لمنظومة التميز المؤسسي والانتقال لهذه المرحلة يتحقق في ظل التفكير الإيجابي ويبدأ أولاً من خلال تبني القيادات الإدارية وأصحاب المناصب العليا وإيمانهم بترسيخ ثقافة ومفاهيم الجودة والتميز والتطوير المؤسسي ثم البدء بتشكيل فريق عمل داخل المؤسسة يهتم بنشر هذه الثقافة وإدارة مُثلى للمعرفة سواء الصريحة أو الضمنية.

حرصت المؤسسات المتميزة التي تمتلك بنية إدارية متينة وقوية من تحقيق التميز المؤسسي تاركة بصمات نجاحها وإسهاماتها وأعمالها المتميزة للمجتمع من خلال:

1. بناء وتطوير استراتيجية متكاملة طويلة الأمد تتمحور حول إيجاد قيمة مستدامة.
2. تصميم هيكل تنظيمي يتلاءم مع التوجه الاستراتيجي للمؤسسة.
3. بناء أنظمة معلومات متكاملة وفعالة تضمن تزويد المؤسسة والعاملين فيها بالمعلومات والأدوات التي تساعد في اتخاذ القرارات ودعم أنشطتها ووظائفها.
4. بناء نظام حديث لإدارة الموارد البشرية فالتميز يعتمد بدرجة كبيرة على كيفية إدارة الموارد البشرية.
5. التقييم الدوري لأداء المنظمة والعاملين فيها.
6. رصد تجارب النجاح وتحليل أسباب الفشل.
7. قيادة فاعلة تلتزم بتطبيق معايير وإجراءات وسياسات ومتطلبات العمل.
8. إنشاء دائرة البحث والتطوير، فالمؤسسات المتميزة لا تخلو من أنشطة البحث والتطوير R&D واستشراف المستقبل وإدارة السيناريوهات.
9. إنشاء وحدة العلاقات العامة وبناء سياسة تواصل فعالة بين المؤسسة وكافة الأطراف ذات العلاقة.
10. بناء وتطبيق نظام إدارة الجودة وفقا لمتطلبات المواصفة العالمية ISO 9001 والأخذ بإرشادات المواصفة العالمية ISO 9004 التي تختص بإدارة النجاح المستمر.
11. اهتمام المؤسسات بالمسؤولية المجتمعية من خلال تطبيق إرشادات المواصفة العالمية ISO 26000
12. تطبيق متطلبات المواصفة العالمية ISO 22301 التي تختص بنظام إدارة استمرارية الأعمال.
13. بناء نظام للرقابة الداخلية يضمن تعزيز كفاءة وفاعلية علميات المؤسسة وإبقاء المخاطر ضمن الحدود التي يكون لدى المؤسسة الاستعداد لقبولها.
14. إدارة المخاطر المؤسسية ويمكن الاسترشاد بالمواصفة العالمية ISO 31000 والمواصفة العالمية ISO 31010 التي تختص بتقنيات تقييم المخاطر.
15. بناء نظام للحوكمة يتم من خلاله توجيه وإدارة ومتابعة أنشطة المؤسسة من أجل تحقيق أهدافها.
16. إطلاق البرامج والمبادرات والمشاريع الريادية التطويرية لتحقيق ما تطمح إليه المؤسسة وقطاعاتها المختلفة.
17. تحفيز التفكير الإبداعي والابتكار الذي يعتبر من الأمور الهامة التي تسعى إليه المنظمات لتحقيق الازدهار في ظل بيئة الأعمال المتغيرة والمتقلبة من خلال تطبيق المواصفة العالمية ISO 56001 التي تختص بمتطلبات نظام إدارة الابتكار.
18. إدارة التحول والتغيير التي تتمحور حول انتقال المنظمة من وضعها الحالي إلى وضع آخر يضمن زيادة فاعليتها وتحقيق أهدافها.
19. تطبيق متطلبات المواصفة العالمية ISO 30401التي تختص بنظام إدارة المعرفة فزيادة الوصول إلى المعرفة يخلق فرصاً للتطوير المهني للأفراد داخل المؤسسة، فالمعرفة أصل أصيل لا يقل أهمية عن الأصول المادية والبشرية.
20. بناء الشراكات مع مؤسسات المجتمع المحلي والدولي والذي يعد أحد معايير التميز.
21. رعاية النظام الايكولوجي ECOSYSTEM الذي تعمل فيه المؤسسة “البيئة الداخلية، البيئة المحيطة، البيئة الخارجية والبيئة العالمية” والقدرة على تحليل الفرص والتهديدات والاستفادة من فرص التعلم والنمو داخل هذا النظام.

وأخيراً وليس آخراً، فإن الإبداع والابتكار في طابع العمل هو ما يميز المؤسسات ويعطيها حق الأفضلية عن مثيلاتها، كما أن تصميم وتنفيذ برامج التدريب والتطوير وبناء القدرات المؤسسية في كافة المجالات من أفضل الممارسات لتحقيق الجودة والتميز، وهذا يعتمد على فلسفة الإدارة والثقافة السائدة داخل المنظمة التي تحدد سلوكها واتجاهها وتؤثر على طريقة عملها، فليس المهم أين نحن الآن، فالأهم من ذلك إلى أين نحن متجهون.

Comments are closed.