شلل يخيم على غزة
خلت شوارع قطاع غزة من المارة تقريبا، وأغلقت المؤسسات والمحلات التجارية أبوابها باستثناء المخابز وبعض محال المواد الغذائية التي فتحت جزئيا، مع اشتداد حدة تبادل القصف الصاروخي بين إسرائيل وحركة الجهاد الاسلامي.
وجرى تعطيل المدارس والجامعات في غزة، وتعمل المؤسسات الحكومية بالحد الأدنى وفق نظام الطوارئ.
ولا يسمع سوى أبواق سيارات الإسعاف والدفاع المدني في مختلف مناطق قطاع غزة الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة، حيث يمتنع أغلبهم عن مغادرة منازلهم خشية من غارات الطائرات الحربية الإسرائيلية المستمرة.
وتجدد القصف المتبادل بين الفصائل الفلسطينية المسلحة والجيش الإسرائيلي ظهر اليوم (الجمعة) بعد هدوء ساد على جانبي الحدود لنحو 12 ساعة.
وقالت مصادر أمنية فلسطينية لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الطيران الحربي الإسرائيلي شن سلسلة غارات استهدفت أراضي زراعية ومنازل سكنية في عدة مناطق من شمال ووسط وجنوب القطاع دون وقوع إصابات عدا عن أضرار مادية ودمار في الأماكن المستهدفة.
وشوهدت سحب الدخان الأبيض في سماء غزة جراء إطلاق الصواريخ من مناطق متفرقة من القطاع، في وقت تصاعدت فيه ألسنة اللهب والدخان الأسود على القطاع جراء الغارات الإسرائيلية.
وجاءت الغارات المكثفة في أعقاب دوي صافرات الإنذار ظهر اليوم في مدينة القدس للمرة الأولى منذ بدء جولة التوتر الحالية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة من غزة فجر الثلاثاء الماضي.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رصد إطلاق صاروخين من غزة تجاه منطقة جبال يهودا (مشارف مدينة القدس)، حيث اعترضت أحدهما منظومة مقلاع داود، والثاني منظومة القبة الحديدية، فيما لم تعلن خدمات الطوارئ والإسعاف الإسرائيلية عن وقوع إصابات.
كما قالت الإذاعة العبرية العامة إنه للمرة الأولى منذ اندلاع جولة التصعيد الحالية، دوت صافرات الإنذار في بيت شيمش غرب القدس بفعل إطلاق الصواريخ.
وقالت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في بيان مقتضب “المقاومة الفلسطينية توجه ضربة صاروخية مركزة على مرحلتين تجاه القدس المحتلة وتل أبيب ومدن ومغتصبات العدو ردا على الاغتيالات واستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني”.
وفي ظل التوتر الحاصل، امتنع الفلسطيني طارق زياد (30 عاما) عن فتح مطعمه لليوم الرابع في منطقة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة رغم تلقيه العديد من الطلبات عبر اتصالات هاتفية من زبائنه.
وقال زياد لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن “أجواء الحرب تسيطر علينا ولا مجال للتفكير في العمل في ظل الخوف”.
وتابع “الأولوية لمحاولة تخفيف حدة ما يجرى على أبنائنا المرعوبين مما يجري حولهم”.
وينطبق الحال نفسه على المسن أبو العبد سعيد، الذي التزم وأبناؤه منزلهم في بلدة جباليا وأغلقوا متجرهم لبيع الأدوات الكهربائية.
وقال سعيد لـ((شينخوا)) إنه “لا مكان آمن حاليا في غزة، الرعب ينتشر بين الجميع، والقصف قد يستهدف أي شخص (..) نأمل أن تنتهي الحرب لنعود إلى أعمالنا”.
بدورها، جلست الفلسطينية أسمهان حسن، وهي في منتصف العقد الثالث، برفقة 4 من أطفالها وزوجها داخل غرفة واحدة خشية حدوث قصف قريب لمنزلهم.
وقالت أسمهان لـ((شينخوا)) إن الوضع في غزة “مش (ليس) طبيعي، والخوف يحرمنا من مجرد التفكير في مغادرة المنزل”.
وبدأت جولة التوتر الحالية فجر الثلاثاء بغارات إسرائيلية مفاجئة فقتلت 13 فلسطينيا بينهم ثلاثة قيادات عسكرية في حركة الجهاد الإسلامي، التي ردت منتصف نهار الأربعاء بإطلاق مئات القذائف الصاروخية من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، وهي خطوة تبنتها الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية التي تضم حركتي حماس والجهاد الإسلاميتين.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، في بيان اليوم إطلاق 973 صاروخا من غزة تجاه إسرائيل خلال الجولة الحالية الثلاثاء الماضي..
وأضاف أدرعي أنه تم اعتراض 296 صاروخا، فيما قام الجيش بمهاجمة 254 هدفا في غزة.
ومع كل غارة إسرائيلية وإطلاق مضادات القذائف الصاروخية يتكرس شعور الرعب والقلق أكبر لدى سكان القطاع، وهو أمر تتضاعف حدته عند كل مساء.
فمع حلول الظلام يتزايد القصف المتبادل، الذي ينجم عنه دوي انفجارات هائلة تنشر الخوف والهلع بشكل أكبر في وقت تحلق فيه طائرات الاستطلاع الإسرائيلية على علو منخفض في سماء القطاع.
ومنذ بدء موجة التوتر الحالية أبقت إسرائيل على إغلاق معبر (كرم أبو سالم/كيرم شالوم) المنفذ التجاري الوحيد لقطاع غزة، وحاجز (بيت حانون/إيرز) المخصص لتنقل الأفراد والعمال والتجار من غزة.
وقدرت جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة بأن خسائر الاقتصاد المحلي المالية المباشرة وغير المباشرة تصل إلى قرابة 50 مليون شيقل (الدولار يعادل 3.6 شيقل) يوميا بسبب إغلاق المعبرين المذكورين.
وحذرت أوساط حقوقية وأهلية في غزة من كارثة إنسانية جراء تشديد حصار القطاع لاسيما النفاد الوشيك للوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة، ما يهدد بتفاقم العجز الحاصل في توفير التيار الكهربائي.
وأمام مصاعب الحالة الإنسانية، تراهن الفصائل الفلسطينية على استمرار الدعم الشعبي لها في مواجهتها مع إسرائيل رغم أن بعض السكان يبدى غضبه من تكرار جولات التصعيد.
ودعت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الليلة الماضية، سكان القطاع لاعتلاء أسطح المنازل بالتزامن مع فتح مكبرات الصوت في المساجد للتكبير والتهليل دعما لإطلاق القذائف الصاروخية.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لعائلات على أسطح منازلها، وهي تتفاعل مع الرشقات الصاروخية التي تخرج من عدة مناطق في القطاع بشكل متزامن.
وقتل أمس (الخميس) إسرائيلي وأصيب 6 آخرون من مدينة رحوفوت وسط إسرائيل قرب العاصمة تل أبيب للمرة الأولى منذ اندلاع جولة التوتر بعد سقوط قذيفة صاروخية أطلقت من غزة على المبنى الذي يقيم به.
وعلى سطح منزل الفلسطيني علي بارود، وسط مدينة غزة، احتفت عائلة الرجل الستيني بإطلاق رشقات صاروخية من تخوم المدينة باتجاه إسرائيل.
كما سمع على نطاق واسع دعوات وابتهالات عبر مكبرات الصوت في عدد من المساجد في غزة دعما للرشقات الصاروخية التي تطلقها الفصائل الفلسطينية.
وقال بارود (62 عاما) لـ((شينخوا)) بينما كان يحدق في السماء بانتظار إطلاق دفعة جديدة من الصواريخ “إذا قعدنا جو الدار (داخل المنزل) راح (سوف) يموت أطفالنا من الخوف لكن هيك (هكذا) بنعلمهم الصمود وعدم الخوف”.
ولدى الرجل أربعة أبناء و17 حفيدا يعيشون جميعا في منزل مكون من أربعة طوابق وسط مدينة غزة تعرض في مرات سابقة للأضرار جراء غارات إسرائيلية على أهداف للفصائل المسلحة متاخمة له.
وقال عدد من أبناء بارود أثناء مغادرتهم سطح المنزل “رغم كل معاناتنا لن نتوقف عن دعم المقاومة لأننا نواجه احتلالا يمارس علينا العدوان ويحتل أرضنا ويحاصرنا”.
وكان الجيش الإسرائيلي قتل قائد الوحدة الصاروخية في حركة الجهاد الإسلامي ونائبه في ضربتين منفصلتين في خان يونس أمس، وواصل هجماته على منازل وأراض زراعية في القطاع، ما رفع إجمالي عدد القتلى إلى 31 خلال أربعة أيام من التوتر.
وقال الفلسطيني عمر حمدان، وهو سائق سيارة أجرة قبل نقل زبائنه من مدينة رفح إلى غزة ل(شينخوا) “صحيح أنا أؤيد المقاومة، لكن التصعيد مش (ليس) لازم (ضروري) يتكرر في العام مرتين وثلاثة”.
وتابع حمدان “نريد أن نحظى بحياة كريمة بدون حروب متكررة ورعب يحاصرنا”.
وأوقفت إسرائيل محادثات وقف إطلاق النار مع غزة بعد إطلاق صواريخ تجاه القدس، حسب ما نقلت الإذاعة العبرية العامة اليوم عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى.
Comments are closed.