أول شيء يجب معرفته عن النكبة أنها حدثت بالفعل. وقدم الضحايا الفلسطينيون روايات شهود عيان معاصرين. وتحتوي المحفوظات العسكرية والسياسية الإسرائيلية على تقارير مفصلة لمصممي الخطة ومنفذيها. فقد أشار «إيجال ألون» بأنه أريد بها «تطهير منطقة الخليل العليا ووصل المناطق اليهودية». ولتحقيق هذا الهدف، استخدمت القوات الإسرائيلية الطرد القسري وقتلت المدنيين لإرهاب الآخرين ودفعهم إلى المغادرة وفي النهاية اقتلعوا 700 ألف فلسطيني من جذورهم. ووصفها أول رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن جوريون، بأنها «معجزة مزدوجة» تمثلت في إقامة دولة أكبر وأكثر يهودية. وأشاد حاييم وايزمان، أول رئيس لإسرائيل، بالعملية ووصفها بأنها «تطهير معجز للأرض».
ونفى الإسرائيليون وقوع مذابح أو أن قواتهم أرهبت المدنيين. وتجوهلت شهادات الضحايا ورُفضت تحقيقات الكيانات الدولية ووُصفت بأنها متحيزة. وإذا فشل هذا، رد الإسرائيليون بأن العرب فروا لأن قادتهم أمروهم بذلك، لتمهيد الطريق أمام «الجيوش العربية الغازية».
إنه الانكار والكذب ثم الطمس. في عام 1971، عايشت انغماسي الأول في تجربة واقع النكبة. فأثناء سفري إلى لبنان والأردن مدعوما بمنحة لجمع قصص اللاجئين الفلسطينيين بعد 23 عاما فقط من عمليات الطرد، أجريت مقابلات مع كثيرين كان لديهم ذكريات حية عن المصاعب التي كابدوها. وبعد ذلك بوقت قصير، عايشت تجربتي الأولى في إنكار النكبة.
فعند عودتي، كتبت ما عايشته. وكتب عميد جامعي رسالة إلى المحرر، استنكر فيها عملي كمثال على «معاداة السامية من النازيين الجدد والبلشفيين الجدد». وحين دُعيت للتحدث عن المقالات، رد بعض أعضاء الجمهور بالرفض العنيف. وأوضح ممثل المجموعة التي دعتني رد الفعل العدائي قائلاً: «لقد تم تكييفهم لرؤية الفلسطينيين كأشياء. وبجعلهم يرون الفلسطينيين كأشخاص حقيقيين، فإنك هددت هذا الإنكار الذي يحميهم من الاعتراف بجريمة إسرائيل».
وآلية الإنكار هذه مازالت تعمل حتى اليوم. واعترضت منظمة يهودية أميركية كبرى عبر شكوى إلى رئيس مجلس النواب ضد استضافة احتفال بذكرى النكبة يوم 10 مايو في مركز زوار مقر الكونجرس، وكان من المزمع أن يضم الاحتفال فلسطينيين عايشوا الذكرى ومؤرخين فلسطينيين. ورد كيفن مكارثي رئيس المجلس بأن الحدث «يبدو كأنه» معاد للسامية وتعهد بأنه لن يسمح «بحدوث ذلك في هذه الهيئة أبدا».
وسحب تصريح المكان، مما أجبر منظمي حدث النكبة على البحث عن مكان آخر. ثم استخدم مكارثي المكان الذي طرد منه الفلسطينيين لاستضافة احتفال باستقلال إسرائيل، وقد غاب عنه فيما يبدو المفارقة. في نوفمبر 2022، بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة قراراً لإحياء ذكرى النكبة، بدأ الفلسطينيون في التخطيط لإحياء ذكرى النكبة في مقر الأمم المتحدة. وردا على ذلك، دعا الوفد الإسرائيلي إلى المقاطعة وضغط على الدول الأعضاء كي لا تشارك. هذا يشف عن ذعر متزايد بإصرارهم على أن انتقاد إسرائيل هو إلى حد كبير معاداة للسامية، قائلين إن النقاد «ينتقدون إسرائيل وحدها».
وفي الواقع، يصر هؤلاء المدافعون الإسرائيليون على أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لا يمكن انتقادها، وفي غضون ذلك، يحرمون الفلسطينيين من حقهم في سرد قصتهم والاعتراف بإنسانيتهم. وهذه عنصرية وهي أصل إنكار النكبة.
Comments are closed.