في القدس وتقرير الإتحاد الأوروبي ومسئوليته الأخلاقيه

صدر عن ممثلية الإتحاد الأوروبي لدى السلطة الفلسطينية تقريرها الخاص بالأوضاع في مدينة القدس العام 2022. يشير التقرير، الذي دعمته 21 دولة عضو، إلى تسارع إستهداف القدس والمقدسيين من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية. وتنبع أهميته القصوى كونه يلخص حرفياً تساوق خطط وإجراءات الحكومة الأسرائيلية مع خطط ونشاطات جمعيات الإستيطان والتي تتسارع في سعيها لمحو التاريخ والرواية والهوية الأصيلة لمدينة القدس وتلغي أية آمال لحل سياسي مستقبلي.


يؤكد التقرير أن الخطط الإسرائيلية هدفها سلخ مدينة القدس والمقدسيين عن عمقهما الجغرافي والوطني من خلال الحواجز والإجراءات العسكرية، ومن خلال تعزيز غلاف المستوطنات وبنيتها التحتية حول القدس، والإجراءات العقابية التي تستهدف المقدسيين في جميع نواحي حياتهم، بما يشمل إستهداف مؤسسات التعليم والثقافة والصحة.

وبهذا الصدد يشير التقرير إلى إعتماد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نظام تفتيش سنوي صارم للمدارس المقدسية وإلزام المدارس بكتب المنهاج الفلسطيني المعدلة أو المنهاج الإسرائيلي، والى التهديد بسحب التراخيص وإغلاق المدارس التي “لا تتعاون” مع المؤسسة الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بالوضع الإجتماعي-الإقتصادي فأن التقرير يشير للحالة المزرية التي تعيشها الأحياء المقدسية نتيجة لعدم إهتمام بلدية القدس بها، بالرغم من جبايتها للضرائب منها، وأن ميزانيات التطوير في هذه الأحياء تقل عن 15% من ميزانية البلدية الكلية، على الرغم من أن المقدسيين يشكلون حوالي 40% من مجموع “ساكني” المدينة. وفي هذا السياق، يذكر التقرير أن 45% من المقدسيين فقط هم من يتصلون بشبكات المياه والصرف الصحي مما يزيد ويفاقم من الهشاشة الإجتماعية والإقتصادية للمقدسين ويرفع من نسب الفقر بينهم ال اكثر من 60%.

وفيما يتعلق بالمؤسسات المقدسية التي تشرف على الخدمات الثقافية والتعليمية فهي لا تزال مستهدفة من المؤسسة الإسرائيلية، وهذا يتضح من الإستمرار في إغلاق مؤسسة “بيت الشرق” ومديرية التربية والتعليم والعديد من المؤسسات التي تعنى بحقوق الإنسان وبالثقافة. كما يشير التقرير إلى عمليات هدم البيوت وسحب الهويات وإجراءات تراخيص البناء الطويلة والمعقدة والمكلفة للمقدسيين، في مقابل دعم البناء في المستوطنات الإسرائيلية والترويج للسكن في القدس وإبراز الطابع الديني اليهودي، في الوقت الذي يتم فيه تفتيت الأحياء المقدسية ومنع أي تواصل جغرافي بينها وبين بقية الضفة الغربية.

أفرد التقرير جانباً هاماً لوصف تسارع إجراءات المؤسسة الإسرائيلية في تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى وفي محيطه وبيّن أنه في الوقت الذي يُسمح للمستوطنين بدخوله بحرية وغض النظر عن ما يقومون به من مظاهر ممنوعة، يمنع المقدسيون من الصلاة فيه بحجة تحقيق الأمن للمستوطنين. وأن القيود التي تفرض على المقدسين سواء في أعيادهم، أو حتى خلال الأعياد اليهودية، هي للتضييق عليهم وخلق أمر واقع في المسجد الأقصى ومحيطه. ويسرد التقرير إجراءات إستهداف المقدسيين المسيحين وتوجهات المؤسسة الإسرائيلية لفرض ضريبة الأرنونا على الكنائس في سعيها للإستيلاء على الأملاك الكنسية، كما يحصل في منطقة باب الخليل، إضافة للتضييق على تنقل المقدسيين خلال الأعياد المسيحية.

يوصّف التقرير العديد من الإجراءات غير القانونية والتي تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية ضد التواجد المقدسي الفلسطيني بإعتبار أن الهدف الاساسي هو إلغاء الهوية التراثية والوطنية وحتى الدينية للمقدسين (مسلمون ومسيحيون) وأن هذه الإجراءات في تصاعد وتسارع دائمين. ويختم التقرير بتوصيات هامة للمفوضية الأوروبية للمحافظة على من تبقى من إمكانية “حل الدولتين!”.

ختاماً، أود أن أسجل تقديري لشخص ممثل الإتحاد الأوروبي في القدس الذي ينهي عمله قريباً، فقد كان دبلوماسيا تحلى بمبادئ إنسانية ومهنية، ولا شك أن القدس ستفتقده.

Comments are closed.