في زيارة هي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات، غادر الرئيس الفلسطيني مركزه في المقاطعة في رام الله ووصل على متن مروحية اردنية، إلى مخيم جنين لتفقد احواله بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم عليه في مطلع هذا الشهر.
وقد جاءت زيارة الرئيس أبو مازن إلى مخيم جنين والمدينة بعد انقطاع دام عشر سنوات، حيث توجه الى هناك لدعم سكان المخيم الذين انتكبوا وللمرات العديدة بعد أن وصلوا الى هذا المخيم عام 1953 مباشرة بعد فترة وجيزة من النكبة، ويسود الغموض في الأوساط السياسية عن ماهية استمرار التنسيق الأمني، او عدم وجوده، بعد تدمير إسرائيل تدميرًا شبهَ كاملٍ لمخيم جنين واخلاء الالاف من سكانه الى مناطق قريبة مجاورة.
وكانت بعض الدول العربية قد قررت ارسال دعم ماليّ لإعادة بناء المخيم وسكانه، حيث سيتم ذلك فقط عن طريق السلطة الفلسطينية وليس بدعم مباشر للمخيم او المدينة، حيث سترسل الأموال للسلطة والسلطة ستقوم بعمليات إعادة البناء.
ومن غير المؤكد كمية هذه المبالغ المالية التي يمكن ان ترسل للسلطة الفلسطينية، لكن السياسة الإسرائيلية الشرسة التي تشن ضد الشعب الفلسطيني، خاصة ضد السلطة الفلسطينية التي هي في هذه الأيام ليست بأحسن احوالها، فإنها تهدف بالتالي الى الاسراع في انهيار السلطة الفلسطينية وإحداث فوضى عارمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة التي بقيت ليس تحت السيطرة الفلسطينية المباشرة كالمنطقة A و B فالمنطقة C تعمل إسرائيل جاهدة على تغيير معالمها حيث تصادر الأراضي وتهدم البيوت، تسمح لليهود بشراء الأراضي وبناء المستوطنات وفي نفس الوقت تمنع الفلسطينيين من أي عمليات بناء جديدة في هذه المنطقة وتشرف عليها وفي الكثير من الحالات تقوم بعمليات هدم مكثفة.
هذا وقد فرضت إسرائيل على السلطة الفلسطينية، التنسيق الأمني الذي لا نعرف بالظبط مدى نجاعته أو فعاليته، ولكنه في نهاية الامر يفيد الجانب الإسرائيلي فائدة جمة على المستوى الإعلامي والدعائي، فحين تقوم إسرائيل بعمليات هجومية او عدوانية ضد مخيم جنين نابلس او طولكرم، فإنها تعطي الانطباع على انها تعلم الجانب الفلسطيني عن نواياها.
لكن هذا الطرف الفلسطيني لا حول ولا قوة له ولا يستطيع منع أي هجوم أو تخفيفه.
في احدى المقابلات مع الصحفي او الوزير الاسبق زياد أبو زياد الذي كان مسؤولًا عن ملف القدس، قالها وبالعبرية وفي مقابلة مع احدى وسائل الاعلام المحلية، بأن إسرائيل تخلّت بالكامل عن التزاماتها اتجاه اتفاقية أوسلو في نهاية عام 1999 ومنذ عشرين عامًا، وهي تستمر في سياسة عدم التنسيق مع السلطة الفلسطينية، بل في دحر الوجود الفلسطيني في المنطقة C وإقامة العديد من المستوطنات، بحيث ازداد عددها اليوم الى خمسمئة الف مستوطن في هذه المناطق المحتلة بعد ان وصل الى 200000 مستوطن عام 2000 أي بزيادة قدرها 300000 مستوطن في العشرين عامًا الأخيرة.
وتهدف سياسة الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة لحكومة نتنياهو في السنوات الخمس المقبلة، الى زيادة تقدر بـ 200000 مستوطن جديد ليصل العدد الإجمالي إلى 750000 مستوطن في ظل هذه الحكومة الجديدة.
هذا وتدير الحكومة الإسرائيلية سياسة عنيفة تتمثل بالاستيطان الابارتهايد والغيتوات.
معتمدة على اتفاقيات باريس التي وقعت عام 1994 وكانت الاتفاقية قد وقعت كجزء من اتفاقية أوسلو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، و هو الاسم المتداول للبروتوكول الاقتصادي الملحق باتفاقية غزة – أريحا، الموقعة بين إسرائيل وممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية. ووقعت الاتفاقية بتاريخ 29 ابريل/ نيسان 1994، ثم تحوّل البروتوكول لجزء من اتفاقية أوسلو 2 (اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة) الذي وقع في 24 و28 سبتمبر/ ايلول 1995.
حيث يحدد البروتوكول أن العملة الإسرائيلية (الشيكل الإسرائيل الجديد)، هي العملة المستخدمة في الاراضي الفلسطينية كعملة التداول التي تستخدم هناك كعملة التبادل والمدفوعات لكافّة الأغراض وقبولها من السلطة الفلسطينية وكل المؤسسات والسلطات المحلية والبنوك. ولا يسمح للفلسطينيين باستحداث عملة فلسطينية منفصلة.
اما الصادرات والواردات لبلد ثالث، بما فيه تحديد الكميّات، فانه خاضع للرقابة الإسرائيلية، واعطى البروتوكول إسرائيل السيطرة لها وحدها، على الحدود الخارجية وجبي ضرائب الاستيراد والقيمة المضافة، فبحسب الاتفاقية، فإن تجارة الفلسطينيين مع دول أخرى ستظل تمر عبر الموانئ البحرية والجوية الإسرائيلية، أو عبر المعابر الحدودية بين السلطة الفلسطينية والأردن ومصر، التي تتحكم بها إسرائيل أيضًا. بالرغم من أن مصر تتحكّم بمعبر رفح الحدودي، فان الحصار الإسرائيلي متواصل على غزة.
ويمكن القول إن التوقيع على اتفاقية باريس، الذي كان ملحقا لاتفاقية أوسلو، ابقى الاحتلال بشكله القاسي على الفلسطينيين بحيث ان إسرائيل لم تف بوعودها منذ عام 1999 بل أبقت اتفاقية باريس التي تسيطر فيه على تحركات الاقتصاد الفلسطيني وتقتطع منه الضرائب وضريبة القيمة المضافة.
فبحسب تقديرات الخبراء فان إسرائيل تربح سنويًا حوالي 9 مليارات دولار من تحركات الاقتصاد الفلسطيني في الضفة وغزة، وترجع للسلطة ما قيمته 2.7 مليار دولار وهو ما يسمى بالقيمة المضافة التي تدير فيه السلطة الفلسطينية امورها والتي تسمى أموال المقاصة.
ولا تكتفي إسرائيل بذلك ولكنها بدأت تقتطع وبشكل سنوي أموالًا كثيرة من أموال السلطة المعادة اليها، بحجة مطالبتها بـ “وقف الجانب الفلسطيني للدعاوى القانونية والتحركات السياسية في المحافل الدولية، وقف دفع مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، تغيير مناهج التدريس التي تعتبرها إسرائيل تحريضية، وقف التحريض على إسرائيل في وسائل الإعلام ووقف البناء غير القانوني في المنطقة C.
اما السلطة الفلسطينية التي ترى ما يحدث في المناطق الهائلة في الضفة الغربية وتخصيصها للاستيطان والمستوطنات والاسراع في مصادرة مئات الالاف من الدونمات وخصم كميات كبيرة من مخصصاتها فقد بات من الصعب ان تقوم بالتعاون مع هذه الحكومة المتطرفة التي يرأس قيادتها المالية المستوطن سموترتش وبن غفير ولذا بات من المؤكد بأن الوضع يتسارع اكثر واكثر باتجاه الانهيار.
فقد صادرت الحكومة الإسرائيلية في هذا العام ما يقارب 287 مليون شيكل من أموال السلطة الفلسطينية نظرا لدعمها عائلات الاسرى والشهداء وإعادة البناء كما ستفعله في مخيم جنين.
ولذا فقد بات من المؤكد ان الازمة حقيقية وستؤدي الى انهيار السلطة الفلسطينية الامر غير المرغوب دوليًا خاصة من قبل أوروبا والولايات المتحدة، ومن هنا جاء سعي نتنياهو باقتراح خطة مليئة بالحيلة وعدم المصداقية والتي تدعي بانه سيحاول انقاذ السلة الفلسطينية من الانهيار.
واذا دققنا في هذه الخطة، فإننا نرى أنها مشروطة حيث سيقيم مناطق صناعية بالقرب من ترقوميا والخليل، وذلك بهدف السيطرة المطلقة على الاقتصاد الفلسطيني، لكن حلفاءه يشترطون أيضًا زيادة الاستيطان في مناط القدس وتعميقه في المناطقC.
وسوف نرى كيف سيكون الرد الفلسطيني على ذلك وما هي ارتدادات ذلك على حكومة نتنياهو نفسها مع التأثيرات الإقليمية والدولية، بحيث ان هذه الأمور تتسارع بسرعة فائقة وسوف نرى كيف سيؤثر ذلك على العلاقة المتدهورة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
Comments are closed.