أوروبا تستعد لوداع “أريان 5” في خضم أزمة يواجهها قطاع الفضاء
يُحال الصاروخ الأوروبي “أريان 5” على التقاعد الأسبوع المقبل بعد 27 عاماً حقق خلالها إنجازات لقطاع الفضاء الأوروبي الذي يعاني حاليا أزمة صواريخ في خضم احتدام المنافسة عالمياً في هذا المجال.
وسيحمل صاروخ “أريان 5” في مهمته الـ117 والأخيرة الى الفضاء، والمتوقع أن تنطلق الثلاثاء بين الساعة 21,30 و23,05 بتوقيت غرينتش من كورو في غويانا الفرنسية، قمراً اصطناعياً فرنسياً للاتصالات العسكرية (سيراكوز 4 ب) وقمراً اصطناعياً ألمانياً تجريبياً.
وكان إطلاق الصاروخ مقرراً في 16 حزيران/يونيو، لكنه أرجئ بسبب خلل في أحد محركات الدفع الذي تمّ استبداله.
وقالت مديرة مركز غويانا الفضائي ماري آن كلير لوكالة فرانس برس إنّ عملية الإطلاق ستكون “مشحونة بالعواطف” لأفراد المركز الذي ارتبط بالصاروخ على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.
وأكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للدراسات الفضائية فيليب باتيست أنّ الصاروخ كان “مغامرة بشرية مُذهلة”.
وعرف صاروخ “أريان 5” بدايات صعبة، إذ انفجر عقب إطلاقه في أول مهمة له سنة 1996، وواجه فشلاً آخر سنة 2002.
وقال إرفيه جيليبير الذي كان آنذاك مهندساً للصاروخ إنّ الحادثة تسببت “بصدمة”. ويقول المدير التقني الحالي لشركة “أريان غروب” “احتاج الأمر عامين للعودة إلى المهمات الفضائية”.
ودخل صاروخ “أريان 5” بعد الحادثة عصره الذهبي الذي تكلّل بسلسلة من النجاحات. ويقول جيليبير إنّ الفشل في إطلاق الصاروخ كان له “وقع إيجابي يتمثل في إبقائنا متيقظين بصورة تامة في شأن عمليات الإطلاق”.
واكتسب الصاروخ سمعة جيدة لناحية الموثوقية لدرجة أنّ “ناسا” اعتمدته لإرسال تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي بلغت تكلفته عشرة مليارات دولار. وعقب عملية الإطلاق هذه التي نُفّذت يوم عيد الميلاد سنة 2021 بات الصاروخ الذي أُرسل فيه مسبار روزيتا الفضائي إلى مذنب 67 بي/تشوريوموف جيراسيمنكو (2004) ومستكشف أقمار المشتري الجليدية إلى المشتري (نيسان/ابريل 2023)، يحظى بمكانة كبيرة.
ومن الناحية التجارية، كان الصاروخ “عنصراً تقدمياً في المجال الفضائي في أوروبا”، على ما أكد مدير النقل الفضائي لوكالة الفضاء الأوروبية دانيال نوينشفاندر.
وشاركت اثنتا عشرة دولة في تصنيع الصاروخ الثقيل الذي حلّ مكان “أريان 4” مع قدرة إطلاق مضاعفة عنه، وهي ميزة تنافسية مكّنت أوروبا من ترسيخ نفسها في سوق الأقمار الاصطناعية للاتصالات.
وقال نوينشفاندر إن أوروبا استفادت أيضاً من “فترة راحة” من الولايات المتحدة، إذ احتكر مكوك فضائي أميركي موارد كثيرة”.
وتابع “نشهد راهناً وضعاً معاكساً”، إذ تجد أوروبا نفسها محرومة تقريباً من الوصول المستقل إلى الفضاء.
ويعود سبب ذلك إلى التوقف المفاجئ لاستخدام صواريخ سويوز الروسية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، مما خفّض من نشاط قاعدة كورو التي شهدت ستّ عمليات إطلاق فقط عام 2022 مقارنة بـ15 عملية مماثلة خلال السنة الفائتة.
وما فاقم الوضع سوءاً هو فشل الإطلاق التجاري الأول لصاروخ “فيغا سي” الإيطالي في كانون الاول/ديسمبر 2022 والتأخيرات التراكمية لمستقبل “أريان 6”.
وستتبع الإطلاق الأخير لـ”أريان 5″ أشهر طويلة من الفراغ في انتظار تولّي “أريان 6″ زمام الأمور نهاية عام 2023 في أحسن الأحوال. وتتبقى عملية إطلاق واحدة لـ”فيغا” مُرتقبة في أيلول/سبتمبر، بينما تحوم شكوك حول عودة برنامج “فيغا-سي” نهاية العام بعد اكتشاف خلل جديد هذا الأسبوع.
وصُمّم “أريان 6″، وهو أكثر قوة وتنافسية من “أريان 5” وبلغت تكلفته نصف ما أنفق على سلفه “أريان 5″، لمواجهة المنافسة الشرسة في مجال الصواريخ بفعل هيمنة شركة “سبايس اكس” الأميركية التي تنفذ أكثر من عملية إطلاق واحدة في الأسبوع.
وتعيّن على وكالة الفضاء الأوروبية اللجوء إلى الشركة المملوكة لإيلون ماسك لإطلاق مهمتها العلمية “إقليدس”، وهي غير متأكدة من ضمان التوسّع الاستراتيجي لمسبار غاليليو، وهو نظام الملاحة التابع للاتحاد الأوروبي.
وكان المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية جوزيف أشباخر قال خلال معرض لو بورجيه “إنها مرحلة صعبة”، مؤكداً أنّ مختلف الفاعلين “يعملون بشكل مكثف” حتى يدخل “أريان 6” الخدمة وعودة برنامج “فيغا-سي” بأسرع وقت.
وتجرى اختبارات تأهيل “أريان 6” على قدم وساق. وخلال “تجربة عامة” في كورو بتاريخ 22 حزيران/يونيو، كُشف النقاب عن الصاروخ وهو على منصة الإطلاق قبل إجراء اختبار تشغيل محرك “فولكان 2,1”.
ولم يَسلَم المجال الفضائي من خطوة تقليص عدد الموظفين، إذ سيتم إلغاء 190 منصباً من أصل 1600، لأنّ الصاروخ لا يحتاج إلى قوى عاملة كثيرة ومتطلبات صيانة كبيرة.
Comments are closed.