قمة المناخ القادمة… والتحديات المتفاقمة

كتب: عقل أبو قرع

مع درجات حرارة في بلادنا هذه الأيام تحوم حول الأربعين درجة مئوية، وتصل الى الخمسين درجة في بلدان مثل المغرب والعراق والأردن وحتى في بلدان أوروبية، ومع أسوأ حرائق في تاريخ الولايات المتحدة أودت بحياة العشرات وربما المئات، ودمرت آلاف من المنازل والمعالم الحضارية واجتثت مناطق بأكملها، تنعقد خلال أشهر، وبالتحديد في بداية شهر كانون الأول القادم قمة المناح العالمية السنوية الدورية في مدينة دبي وتحت رقم القمة الـ 28.

 وحينها يبدأ العشرات من الرؤساء ورؤساء الحكومات والقادة والمسؤولين من كافة الأنواع والأصناف والتسلسل الوظيفي، بالتوافد الى دولة الإمارات العربية المتحدة، من أجل المشاركة في قمة المناخ، في ظل أوضاع قاتمة ومتفاقمة من التدهور البيئي ومن التغيرات المناخية، التي باتت تؤثر على الحياة اليومية لمئات الملايين من البشر، وعلى نوعية وتوفر سلع  وخدمات أساسية للرجال وللنساء، منها المياه والإنتاج الغذائي، مع تفاقم الجفاف والتصحر وتضاؤل الحيز المكاني بسبب الفيضانات وخسارة الأرض الزراعية، وتراكم النفايات والاحتمالات الكبيرة لانتشار أوبئة وأمراض جديدة قد تفتك بالمحاصيل والناس.
وتعصف هذه التغيرات المناخية العنيفة بالكرة الأرضية والتي بدأنا في التعايش معها بشكل شيه يومي، في ظل التحضير للقمة، والتي في العادة يشارك فيها ممثلو حوالى 200 دولة من دول العالم، ومن بينهم عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء والخبراء والباحثين، والتي سوف تستمر في المناقشات وعرض نتائج الابحاث لعدة ايام، ويتم التركيز خلال هذه القمة على عرض الأدلة والبيانات ونتائج الابحاث التي قام ويقوم بها المختصون والباحثون، بتخصصاتها وبرامجها المختلفة.
وتنعقد قمة دبي بعد العديد من القمم السنوية، وما زالت غازات التلوث البيئي من ثاني اكسيد الكربون ومن ميثان وغيرهما تنفذ الى طبقات الجو من خلال نشاطات دول التزمت بخفض نسبة الانبعاث ولم تف بالتزامها، وما زالت الصين والولايات المتحدة   تبث حوالي 45% من غازات التلوث العالمية، وما زالت الدول الغنية العشرون تبث حوالي 74% من الغازات في العالم، وقارة مثل أفريقيا تساهم فقط بأقل من 3% من بث غازات التلوث أو الدفيئة في العالم، وفي نفس الوقت فإن أفريقيا والمناطق الفقيرة الاخرى تتحمل التداعيات الاوخم لتغيرات المناخ في العالم، والتي تتسبب فيها الدول الغنية أو المتقدمة.
وسوف تنعقد قمة دبي هذا العام، في ظل دق ناقوس الحقيقي من الصورة القاتمة التي وصلت اليها الأرض وما تحويه من نظام بيئي، بسبب تعمق وتفاقم وتواصل النشاطات البشرية التي ما زالت تساهم في التلوث بأنواعه، وبالأخص تلوث الهواء، ومن ثم الاحتباس الحراري وتشكل ما بات يعرف بغازات الدفيئة، وانعكاسات ذلك من خلال ارتفاع درجة حرارة الارض الكبير والمستدام خلال السنوات الماضية، وتضاؤل كمية الأمطار، وتشكل الأمطار الحامضية، والتصحر أي عدم القدرة على زراعة التربة أو المحاصيل أو الجفاف وتهديد التنوع الحيوي، وتفشي الآفات المختلفة ومنها الجديدة وبالتالي انتشار الأمراض المعدية، وتداعي الأمن الغذائي، وتلوث المياه، وذوبان الجليد، والفيضانات وما يمكن أن يجر ذلك من كوارث لم يعتدها نظامنا البيئي من قبل.
وبغض النظر عن القرارات التي تم اتخاذها في قمم المناخ السابقة، او في غيرها من القمم، فيما يتعلق بمحاربة التلوث، وبغض النظر عن الآلية التي تم وضعها للتطبيق العملي لهذه القرارات والتي تهدف في الاساس الى تقليل كمية الغازات الملوثة التي يتم بثها الى الجو، والى التوجه أكثر نحو مصادر الطاقة النظيفة أو الخضراء، الا أن الآثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها وما زالت تحدثها هذه الدول بفعل الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية قد شملت معظم دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في إحداث التغيرات المناخية، ولكن تتحمل العواقب والآثار بشكل أكثر ايلاماً أو بدون إنصاف أو عدل، وهنا نشأ مصطلح ما بات يعرف ” العدالة المناخية” أو بالأحرى عدم وجود أو غياب عدالة مناخية في العالم.
وبالتالي فإن من أولويات قمة المناخ في دبي هي التعامل وبشكل منصف مع “العدالة المناخية أو البيئية”، والتي الغائبة منذ زمن، وهذا يعني بالتحديد الصورة القاتمة والظالمة التي باتت تحياها دول فقيرة أو ضعيفة ولا تملك المصادر أو الإمكانيات للتعامل مع تداعيات بيئية ومناخية وربما صحية، بسبب النشاطات التي تقوم بها دول أخرى، حيث بتنا هذه الأيام نلمس هذه التداعيات على أشكال مثل قلة الأمطار وارتفاع حرارة الأرض، وذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع منسوب المياه والفيضانات، والتصحر اي فقدان قدرة التربة على الزراعة والتلوث وانتشار بعض الأمراض بسبب ظهور آفات جديدة وما الى ذلك، وما ينتج عن ذلك من التداعيات الإنسانية والسياسية والاجتماعية.
ونعرف أن تحقيق العدالة المناخية يعني الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، وهذا يعني الحد من النشاطات الاقتصادية، او التوجه نحو الاستثمار اكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني او يؤثر على المال والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، او تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يعني مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمم العالم وبالأخص قمم الدول الصناعية الغنية.
ومع اقتراب انعقاد قمة دبي، ومع دق ناقوس الخطر الحقيقي لكوكب الأرض، ومع تواصل غياب العدالة المناخية في هذا العالم، فإن مفهوم العدالة المناخية ينطبق كذلك علينا في فلسطين، ورغم أننا لسنا بالبلد الصناعي او الزراعي ذي التأثير الملموس على البيئة والمناخ في العالم، إلا أننا نلمس هذه التداعيات، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والاعتداء على هذه المصادر من الاحتلال والاستيطان، فقد يكون هذا التأثير علينا  كبيراً وملموساً وبدأنا نلمس آثاره في مجالات المياه والإنتاج الغذائي والجفاف والتصحر وانتشار الآفات وضياع جزء كبير من المحاصيل وبالتالي استخدام المواد الكيميائية بشكل اكثر، وهذا التأثير له وسوف يكون له أبعاد واضحة في المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة التي تؤثر على طبيعة حياتنا اليومية.

Comments are closed.