يستهدف الفلسطينيين.. ماذا تعرف عن مشروع “نيمبوس” الذي تدعمه غوغل وأمازون؟

تتجدد الاحتجاجات ضد شركات التقنية والتكنولوجيا الداعمة لدولة الاحتلال، أحدثها دعوات للتجمع أمام مقر مؤتمر (Google Cloud) التابع لشركة “غوغل، المقرر تنظيمه في 29 من آب/ أغسطس الجاري في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا.

وتأتي الفعالية الاحتجاجية رفضا لتقديم الشركة خدمات تكنولوجية، بالتعاون مع شركة “أمازون”، لصالح الاحتلال، ضمن مشروع “نيمبوس – Nimbus” سيء السمعة والضبابي في تفاصيله حتى الآن.

وتندرج الفعالية أيضا في سياق الاستكمال لعشرات التظاهرات التي تم تنظيمها منذ عام 2021، وكان أحدثها في نهاية تموز/ يوليو الماضي أمام قمة شركة “أمازون” في نيويورك خلال قمة خدمات الويب في أمازون “AWS”، رفضا لتعاقدها مع الاحتلال الإسرائيلي.
 

ما هي تفاصيل مشروع “نيمبوس”؟ وكيف يتم العمل ضده من داخل شركتي غوغل وأمازون؟

خدمات سحابية
يوفر مشروع “نيمبوس – Nimbus”، وهو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار، الخدمات السحابية لجيش وحكومة الاحتلال، ما يسمح من خلال هذه التكنولوجيا بمزيد من المراقبة وجمع البيانات غير القانونية عن الفلسطينيين، وتسهيل توسيع المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية.

ويتكون المشروع من أربع مراحل مخطط لها: الأولى هي شراء وبناء البنية التحتية السحابية، والثانية هي صياغة سياسة حكومية لنقل العمليات إلى السحابة، والثالثة نقل العمليات إلى السحابة، والرابعة هي تنفيذ العمليات السحابية وتحسينها.

وبموجب عقد بقيمة 1.2 مليار دولار، تم اختيار شركتي التكنولوجيا غوغل (Google Cloud Platform) وأمازون (Amazon Web Services) لتزويد وكالات الاحتلال الحكومية بخدمات الحوسبة السحابية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، بحسب ما جاء في صحيفة “جيروساليم بوست” الإسرائيلية.

بهذا، يمكن استخدام خدمات الشركتين السحابية لتوسيع المستوطنات غير القانونية من خلال دعم بيانات ما يُسمى إدارة الأراضي الإسرائيلية “ILA”، إضافة لمراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بما يعزز انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتهجير الفلسطينيين.

ويعتمد جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية بالفعل على نظام متطور للمراقبة الحاسوبية، وتطويره من قبل غوغل سيؤدي إلى تفاقم الاحتلال العسكري الذي يعتمد على البيانات بشكل متزايد، بحسب موقع “ذا انترسيبت”.

وقال أحد مهندسي البرمجيات في غوغل إنهم “قلقون من أن الموظفين لا يعرفون شيئًا عن المشروع مثلهم مثل عامة الناس، ويخشون من استخدام تكنولوجيا الشركة لقمع الفلسطينيين”.

وأضاف في حديثه إلى الموقع دون الكشف عن اسمه “لقد أصبح الأمر بمثابة نقطة عار، نحن نعلم أن أحد مشاريع الجيش الإسرائيلي هو المراقبة الجماعية المستمرة لمناطق مختلفة من الأراضي المحتلة، ولا أعتقد أن هناك أي قيود على الخدمات السحابية التي تريد الحكومة الإسرائيلية شراءها مع تحليل البيانات الضخمة والتعلم الآلي ومجموعات أدوات الذكاء الاصطناعي من خلال السحابة؛ ولا أعتقد أن هناك أي سبب لافتراض أنهم لا يستهلكون كل هذه المنتجات لمساعدتهم على العمل على هذا الأمر”.

تحليل المشاعر
بحسب وثائق تدريب ومقاطع فيديو مسربة من خلال بوابة تعليمية متاحة للعامة ومخصصة لمستخدمي مشورع نيمبوس، تقدم غوغل لحكومة الاحتلال مجموعة كاملة من أدوات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي المتاحة من خلال Google Cloud Platform. 

وتشير الوثائق إلى أن الخدمات الجديدة ستمنح الاحتلال قدرات للكشف عن الوجه، وتصنيف الصور الآلي، وتتبع الكائنات، وحتى تحليل المشاعر مع تقييم المحتوى العاطفي للصور والكلام، إذ يعد الأخير شكلا من أشكال التعلم الآلي المثير للجدل بشكل متزايد وفاقد للمصداقية. 

وتدعي غوغل أن أنظمتها يمكنها تمييز المشاعر الداخلية من وجه الشخص وأقواله، وهي تقنية مرفوضة عادة باعتبارها زائفة، ويُنظر إليها على أنها أفضل قليلا من علم فراسة الدماغ. 

وفشلت تقنية غوغل عند اختبارها في تصنيف ابتسامة الرجل الضاحك الشهير على مدخل “لونا بارك” في سيدني الأسترالية على أنها تعكس مشاعر إنسانية، كما قامت بتحليل الموقع كمعبد ديني بنسبة يقين 83 بالمئة مقابل 64 بالمئة فقط لمدينة ملاه.

عقب ذلك، حذر موظفون في غوغل، دون الكشف عن أسمائهم، عن ذعرهم من تحويل تقنية الذكاء الصناعي الخطيرة، إلى أداة عسكرية بيد جيش الاحتلال، رغم ضعف نتائجها وهامش الخطأ الكبير فيها، الذي سيتسبب بنتائج مرعبة على الأرض.

كما حذر تقرير “ذا انترسيبت” من أن غوغل الواثقة بقدرة الحوسبة على تطوير نظامها الجديد، تسعى لإقناع حكومة الاحتلال باختباره ميدانيا، وهو ما يعني أن الشركة تريد تطوير تقنياتها ومعالجة أخطائها على أرواح الفلسطينيين ودمائهم.

وأظهرت مجموعة واسعة من الأبحاث أن فكرة “جهاز كشف الكذب”، سواء كان جهاز كشف الكذب البسيط أو التحليل القائم على الذكاء الاصطناعي للتغيرات الصوتية أو إشارات الوجه، هي “علم تافه”. 

في ظل ذلك، بدا ممثلو غوغل واثقين من أن الشركة يمكن أن تجعل مثل هذا الشيء ممكنا من خلال القوة الحاسوبية المطلقة، بينما يقول الخبراء في هذا المجال إن أي محاولات لاستخدام أجهزة الكمبيوتر لتقييم أشياء عميقة وغير ملموسة مثل الحقيقة والعاطفة هي محاولات خاطئة إلى حد الخطر.

شرط المقاطعة
ويُطلب من غوغل وأمازون تقديم هذه الخدمات من منطقة إسرائيلية (محتلة عام 1948 أو مستوطنة تم شرعنتها)، مما سيضمن استمرارية عمل الحكومة وضمان سيادة وخصوصية المعلومات وفقًا لقانون الاحتلال. 

وتغلبت شركتا غوغل وأمازون على عمالقة الشركات التي تقدم خدمات سحابية مثل “مايكروسوفت” و”أوراكل” و”آي بي إم” في المناقصة، إذ تعد شركة AWS التابعة لشركة لأمازون أكبر شركة خدمات سحابية في العالم، وتقدر حصتها بنحو 47% من إجمالي هذا السوق.

ومن المقرر أن تقدم الشركتان خدماتهما في الأراضي المحتلة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، وفقًا لشروط العقد، الذي يتضمن بندا يمنعها من وقف الخدمات المقدمة للحكومة بسبب حملات المقاطعة المحتملة التي تقودها حركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.

وأوشكت الشركتان على الانتهاء من تطوير مراكز بيانات في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث سيتم توفير الخدمات السحابية من خلال مراكز بياناتها في أيرلندا وهولندا وألمانيا، مع ترحيل البيانات إلى المرافق لدى الاحتلال عندما تكون جاهزة.

كما يشرط العقد التأكيد على عدم أحقية الشركتين في رفض تقديم الخدمات لأي جهة حكومية لدى الاحتلال، بحسب تأكيد المحامي الإسرائيلي، زفيل غانز، العامل في وزارة مالية الاحتلال.

بداية الحراك 
وفي بداية أيار/ مايو 2021 أرسل أكثر من 250 موظفا في غوغل رسالة إلى الفريق التنفيذي للشركة يطالبون فيها بإنهاء العقود مع “المؤسسات التي تدعم الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين”، بما في ذلك جيش الاحتلال.
 

بعد ذلك صدر بيان مشترك من 390 عاملا في الشركتين للمطالبة بإنهاء المشروع مع الاحتلال، قائلين: “نحن نؤمن بأن التكنولوجيا التي نبنيها يجب أن تعمل على خدمة الأشخاص والارتقاء بهم في كل مكان، وباعتبارنا عمالا يحافظون على استمرارية عمل هذه الشركات، فإننا ملزمون أخلاقيًا بالتحدث علنا ضد انتهاكات هذه القيم الأساسية، ولهذا السبب نحن مضطرون إلى دعوة قادة أمازون وغوغل إلى الانسحاب من مشروع نيمبوس وقطع جميع العلاقات مع جيش الاحتلال”.

وجاء في البيان: “لا يمكننا أن نغض الطرف، لأن المنتجات التي نصنعها تُستخدم لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، وإجبار الفلسطينيين على الخروج من منازلهم، ومهاجمة الفلسطينيين في قطاع غزة – وهي الإجراءات التي دفعت المحكمة الجنائية الدولية إلى إجراء تحقيقات في جرائم الحرب”، بحسب ما قالت صحيفة “الغارديان“. 

وتضمن البيان التحذير من أن هذه الشركات بينما تتعهد لمستخدميها بحمايتهم ودعمهم، فإنها بمثل هذه العقود تسهل سرًا مراقبتهم واستهدافهم، إضافة للمطالبة برفض هذا العقد والعقود المستقبلية التي ستضر بالمستخدمين.

احتجاج متواصل 
ومنذ انطلاق الحملة انضم المئات من موظفي أكبر شركات التكنولوجيا في العالم لمنع تعاون أصحاب العمل مع الاحتلال، وجرى تأسيس حملة تحمل اسم “لا تكنولوجيا للفصل العنصري – No Tech for Apartheid”، رفضا لتواطؤ شركات التكنولوجيا، وبسبب انتهاك المعايير الأخلاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
 

وصدر بيان مشترك بتوقيع من ألف موظف في شركتي غوغل وأمازون على الموقع الإلكتروني المخصص للحركة، على أنه “يجب استخدام التكنولوجيا للجمع بين الناس، وليس تمكين الفصل العنصري والتطهير العرقي والاستعمار الاستيطاني”. 
 

تزامنا مع ذلك، أعلنت مديرة التسويق لمنتجات غوغل التعليمية، آرييل كورين، استقالتها من عملاق التقنيات الأمريكي، في 30 آب/ أغسطس 2022، بسبب تعرضها لـ “تصرفات انتقامية، وبيئة معادية، وإجراءات غير قانونية من قبل الشركة”.

وجاء قرار آرييل، التي عملت في غوغل طوال سبع سنوات، بعد 10 شهور على تخييرها وتهديدها من قبل مديرها المباشر بـ “إما الانتقال إلى البرازيل أو خسارة منصبها”، في خطوة تبدو على أنها انتقامية وقمعية لرفضها توقيع الشركة لعقد مشروع نيمبوس.

وقالت آرييل حينها: “بدلا من الاستماع إلى الموظفين الذين يريدون أن تلتزم غوغل بمبادئها الأخلاقية، تسعى الشركة بقوة وراء العقود العسكرية، وتجرد أصوات موظفيها من خلال نمط من الإسكات والانتقام مني وضد كثيرين آخرين”.
 

ويوجد حاليا أكثر من تجمع ومجموعة للعمل ضد تسليح الاحتلال بالتكنولوجيا، وهي تعمل للضغط على مختلف الشركات العالمية من أجل مقاطعة الاحتلال واحترام رسائلها ومسؤوليتها الاجتماعية التي تروجها باحترام حقوق الإنسان والخصوصية لكل المستخدمين.

ومن أبرز هذه الحملات حملة “عاملون ضد نيمبوس – Workers Against Nimbus” المكونة من قبل مجموعة من الموظفين الحاليين في شركتي غوغل وأمازون، الذين يتشاركون نفس المبادئ التي تطالب بإنهاء العقد مع حكومة وجيش الاحتلال.
 

نجاحات سابقة
وكان لمثل هذه الحملات تأثير سابق تمثل باضطرار شركة مايكروسوفت العملاقة إلى سحب كل تمويلها واستثمارها من شركة “أني فيجون – AnyVision” الإسرائيلية للتعرف على الوجه عام 2020 تحت ضغط دولي وحقوقي.

واضطرت غوغل أيضًا إلى إيقاف ما يسمى بمشروع  “مافين – Maven” مع وزارة الدفاع الأمريكية لأسباب مماثلة في 2018، إذ كان يُسخدم لتزويدها بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اكتشاف الأهداف التي تلتقطها صور الطائرات بدون طيار. 

كما نجح حراك المقاطعة في تحقيق منجزات وانسحابات لشركات وجهات عالمية أخرى تعمل في مجالات الأغذية والأمن والفن وغيرها، لا سيما مع تأكيد كبرى منظمات حقوق الإنسان في العالم أن دولة الاحتلال تمارس جريمة الفصل العنصري بشكل منهجي ضد الفلسطينيين.

Comments are closed.