إسرائيل اليوم – بقلم أيال سيزر- بات اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية حقيقة ناجزة على الورق. والحقيقة أن قطار السلام غادر محطة الرياض، لكن لا بد أن يخرج الأمريكيون والسعوديون روحنا قبل أن نحظى بشرف الصعود إليه.
السلام الإسرائيلي – السعودي لا يقض مضاجع أحد في الشرق الأوسط. صحيح أن الحكام العرب ينظرون بتحفظ، وأساساً بخوف، إلى بعض خطوات حكومة إسرائيل، ولا سيما بعض من أعضائها، لكن لا أحد منهم يتنكر ولا يشكك بضرورة تسوية النزاع مع إسرائيل وإقامة علاقات سلام معها.
الوحيدون الذين لا يشاركون في الفرحة هم الفلسطينيون، أما حماس فالأمر عندهم لا يقدم ولا يؤخر في شيء. وفد منها وإن كان زار السعودية في نيسان الماضي، بعد قطيعة تامة بل ومقاطعة سعودية للمنظمة استمرت عقدين من الزمان، فقد اختارت المنظمة إيران شريكاً كخيار استراتيجي، بل وحليف. على أي حال، اتفاق السلام الإسرائيلي – السعودي عديم الصلة بـ “دولة غزة”، حيث تموضع قيادة المنظمة ذاتها.
أما السلطة الفلسطينية فموضوع آخر. فوجودها متعلق بنية طيبة من إسرائيل والولايات المتحدة، وبشكل غير مباشر أيضاً باستعداد الدول العربية للعمل من أجلها في القدس وواشنطن.
لا شك أن السلطة تعيش تحت ضغط، وإذ ضاق الحال على أبو مازن فقد سار في نهاية تموز شوطاً بعيداً حتى العلمين في الصحراء الغربية كي يلتقي وفداً من حماس برعاية مصرية، وعاد والتقى زعماء حماس في أنقرة أيضاً، لدى الرئيس التركي اردوغان. وهو في هذه اللقاءات، عاد وأطلق فكرة إقامة حكومة وحدة فلسطينية تساعده على وقف الانجراف السعودي. ومع ذلك، يدرك أنها وحدة بين الجلاد (حماس) والمشنوق (قيادة السلطة، التي ترغب حماس في تعليقها على شجرة عالية في رام الله).
قصد أبو مازن عمان أيضاً، التي هي الأخرى لديها ما تخسره في حالة اتفاق إسرائيلي – سعودي. فمن شأن الأردن أن يجد نفسه في موضع سلام، بين السعودية وإسرائيل، ويتعرض للضغط لمشاركة أكبر في مشاريع تعاون إقليمية هي في صالح المملكة ومواطنيها، لكن ليس بالضرورة في صالح الشارع الأردني. لكن الأهم من هذا هو إحساس الأردن بأنه سيخسر مكانته في الحرم للسعوديين، “حراس الأماكن المقدسة” للإسلام.
كل هذا يحصل في الوقت الذي تجد فيه السلطة الفلسطينية نفسها في إحدى اللحظات القاسية التي تشهدها. لا يدور الحديث فقط عن فقدان تأييد الشارع الفلسطيني، الذي لم يؤيدها أصلاً، ولا حتى عن الأصوات التي تنطلق في أوساط حكومة إسرائيل لدفعها إلى الانهيار، إنما يدور عن معارك الخلافة التي قد تفتت ما لا يزال متبقياً منها.
الحقيقة هي أن عصر ما بعد أبو مازن لم يبدأ بعد بشكل رسمي، فالزعيم العجوز ابن الـ 88 لا يزال معنا، لكن الصراع قبيل اليوم التالي هو الآن في ذروته.
ما يهم أبو مازن اليوم هو ما سيخلفه وراءه. ومع غياب أي أمل للتقدم في المسيرة السلمية فالمهم أن يذكر على أنه “لم يتنازل”، ولم يتحرك ملليمتراً واحداً عن المواقف الفلسطينية الشائعة والمعروفة. ومع ذلك، يعلن التزامه بالمسيرة السلمية، وفي أوساط الخلفاء المحتملين من يعولون على الإسناد الإسرائيلي ويعملون على الإبقاء على التعاون الأمني مع إسرائيل. لهذا السبب، يواصل جهاز الأمن في إسرائيل الدفاع عن السلطة واعتبار استمرار وجودها مصلحة إسرائيلية. لكن في أوساط المتصارعين على التاج هناك من يعولون أيضاً على ورقة الصراع والتطرف بقدر ما يمكن لهما أن يخدماهم في يوم الأمر.
مهما يكن من أمر، يدور الحديث في نهاية المطاف عن معركة أخيرة. فاتفاق إسرائيلي – سعودي ربما يكون المسمار الأخير في نعش المسألة الفلسطينية ويعيدها مئة سنة إلى الوراء، إلى نقطة البداية، حين يدور الحديث عن مسألة مستقبل سكان بلاد إسرائيل العرب وليس عن مسألة موضوعها كفاح وطني فلسطيني لتقرير المصير.
Comments are closed.