نهجان ومحوران في الساحة الفلسطينية

تصريح لافت للنظر لخالد مشعل نقله د. أحمد يوسف في مقالته أمس في جريدة القدس، مفاده ( إن فشل المصالحة مرجعه الصراع على السلطة وتقسيم الكيكة). لافت للنظر لأنه، وعلى قدر علمنا، فلأول مرة يعترف قيادي حمساوي بأن حماس ليست خارج (تقسيم الكيكة)، وأنها وفتح سواسية على هذا الصعيد، وإن أضفنا لكل هذا (التهدئة) الحمساوية، والتي تبدو فعلية وغير معلنة في القطاع، وليس في الضفة من باب الإنصاف، فسنكون أمام طرفان كلاهما على ذات النهج، نهج التمسك بالسلطة وتقاسم كعكتها ونهج العلاقة مع المستعمر، ومرة أخرى ليس في الضفة فيما يتعلق بحماس.


أما ما لم يقله مشعل وقلناه مراراً ومراراً فهو أن مسرحية اجتماع الأمناء العامين حُكم عليها بالفشل قبل أن تنعقد، وهذا ما اشارت له تقارير صحفية ناهيك عن تصريح مشعل، ناهيك أن الصراع على السلطة يتمايز بظاهرتين اساسيتين: الأولى أنه صراع على سلطة تقوم بدور وظيفي يخدم المستعمِر، ولا نستثني حماس وسلوكها تجاه المقاومين في القطاع، والثانية انها سلطة، وخارج إطار دورها الوظيفي، ليست سلطة بمعايير السلطة السياسية الوطنية بما تقتضيه هذه من سيادة على الأرض وباطنها ومواردها وجوها وبحرها، ناهيك عن احتكارها ممارسة العنف المماسس.

هنا بالذات تكمن أزمة الساحة الفلسطينية سياسياً والتي ابتدأت بالكارثة التاريخية (اتفاقية أوسلو)، لتمر عبر حسم السلطة في القطاع بقوة السلاح، ولتصل للحدود التي أشار لها تصريح مشعل أعلاه.

تتوضح بالتالي قضايا عديدة، أولها أن لا مجال لنجاح اية محاولات، مهما كانت صادقة، في إعادة توحيد الساحة الفلسطينية وفق الشعارات/ الأهداف والآليات التي تحددت قبل أوسلو بكثير، اي وفق منظورات كلاسيكية للوحدة الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير. طالما أن القضية قضية صراع قطبي الساحة على السلطة وتقسيم كعكتها فكل المحاولات التي جرت وستجري وفق هذا المنطق، وآخرها مسرحية اجتماع الأمناء العامين، محكوم عليها بالفشل.

إن هذا لا يعني بالضرورة الاستسلام لهذا الواقع البائس، بل البحث عن خيار آخر لتوحيد القوى، ولا نراه سوى جبهة مقاومة وطنية ميدانية من كل المقاومين، بما فيهم الكادرات المقاومة من حماس وفتح مع غيرهم من قوى المقاومة. هذه الجبهة الميدانية لا تطرح نفسها بديلاً لهياكل المنظمة التي تعيش حالة غير مسبوقة من التهميش والغياب والتكلس والبيروقراطية، بل إطاراً تنسيقياً للفعل المقاوم المتصاعد، خاصة في الضفة الغربية، وكما تجسدت في أكثر من مواجهة في القطاع عبر الغرفة المشتركة.

ثانيهما، ان الساحة يتصارعها نهجان فيما يتعلق بالمرحلة الحالية، نهج التعلق بالتفاوض الذي يرفضه الصهاينة صراحة، وتصر عليه قيادة السلطة، وهي القيادة الفعلية في غياب قيادة المنظمة، إذ لا تملك الإرادة لغيره، والذي لم يجلب سوى الخيبات لأصحابه، خيبات يبدو أنها ليست بالكافية حتى الآن، لتعلّم مَنْ أصابتهم ان الصراع الوجودي مع المستعمر لا يُحل بالتفاوض. فقط ليتمعنوا بتجربتهم طوال ثلاثين عاماً والكوارث التي جلبوها لشعبنا عبر هذه السنين.

أما النهج الثاني فهو نهج المقاومة الذي يشهد التفافاً جماهيرياً ساحقاً، يتأكد باستمرار عند كل اشتباك مفتوح سواء في نابلس او جنين أو القطاع، نهج لا يرى نفسه خارج إطار محور المقاومة الإقليمي والعربي في مرحلة تتسم بتراجع النفوذ الأمبريالي الأمريكي، وطرح تساؤلات عديدة لسياسيين وباحثين وصحفيين صهاينة، حول مستقبل الكيان الصهيوني، كما وتشهد بالمقابل تصاعد دور وقدرات ومكانة محور المقاومة.

إن جبهة المقاومة الوطنية الميدانية كخيار لتوحيد الطاقات هي بالضرورة جزء من هذا المحور، كما هو نهج التفاوض البائس لسلطة أوسلو جزء من محور النظام العربي الرسمي الذي يدير ظهره لأية نزعات مقاوِمة للنفوذ الإمبريالي الأمريكي والصهيوني.

Comments are closed.