يطرح فيلم “فوي فوي فوي” الذي رشحته القاهرة لجوائز الأوسكار، موضوع الساعة وهو الهجرة غير الشرعية من الشرق الأوسط وإفريقيا، وتشكّل مصر أحد منابعها، وكذلك لبنان الذي بدأت فيه عروض الشريط الخميس.
وسيكون الفيلم الذي كتب حواراته وأخرجه عمر هلال، ضمن الأفلام الساعية للتأهل إلى المرحلة النهائية في فئة أفضل فيلم أجنبي من بين عشرات الترشيحات من مختلف دول العالم.
ويروي الفيلم قصة حارس أمن يؤدي دوره محمد فراج، يعيش مع والدته في حي فقير، ويسعى للهجرة الى أوروبا بحثاً عن مستقبل أفضل. ولكن ليس بالقارب نظراً إلى أن هذه الطريقة مكلِفة مادياً ومحفوفة بالمعاناة والخطر.
وما كان من الحارس لكي يتمكن من الانتقال إلى أوروبا إلاّ أن تظاهر بأنه فاقد البصر وانضم إلى فريق لكرة القدم للمكفوفين يستعد للمشاركة في بطولة كأس العالم في بولندا. وما لبث الكفيف المزيّف أن اكتشف أنه ليس وحده من اعتمد هذه الحيلة.
وشرح المخرج عمر هلال البالغ 48 عاماً، في حديث لوكالة فرانس برس خلال وجوده في بيروت مع أعضاء في طاقم العمل للترويج للفيلم، ظروف ولادة فكرته، فروى أنه قرأ “منشوراً على فيسبوك تَداوَلَه الكثير من المتابعين، عن مجموعة من الشبان المصريين انتحلوا صفة مكفوفين ووصلوا الى بولندا وفروا إلى جهات أخرى”.
وقال هلال الذي نشأ في السعودية وكندا “وجدتُ في القصة تماماً ما أبحث عنه”.
وجعل هلال هذه القصة العمود الفقري لفيلمه، لكنّه بنى نصه الدرامي على “أحداث ومفارقات” من صميم أفكاره.
وأضاف “في الخبر الحقيقي، لم يكن أعضاء الفريق لاعبي كرة قدم عادية بل لاعبي كرة بالجرس، وهي رياضة خاصة بالمكفوفين، قريبة من كرة اليد”.
و”فوي” كلمة إسبانية تعني “أنا قادم”، يقولها اللاعبون غير المبصرين حين تكون الكرة معهم للتواصل مع زملائهم.
وتؤدي نيللي كريم دور صحافية يستأثر الفريق باهتمامها. وقالت الممثلة المصرية الشهيرة لوكالة فرانس برس عن شخصيتها في الفيلم إنها “صحافية ملّت إعداد المواضيع التافهة، فذهبت ذات يوم لإجراء مقابلات مع شباب في نادي +الإحسان+، حيث تعرفت إلى عالم جديد بالنسبة إليها، ونشأت قصة إعجاب خفيفة وصدمات”.
وأضافت كريم أنها “الشخصية الوحيدة في الفيلم المتفائلة بالحياة”.
وأشار هلال الذي درس الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة، إلى أن حوادث الفيلم “تدور عام 2013، أي في مرحلة ضياع وخوف وقلق” تَلَت ثورة 25 كانون الثاني /يناير 2011 التي أطاحت الرئيس السابق حسني مبارك.
وأضاف “لم يحتمل أحد الحكم الجديد أنذاك برئاسة (محمد) مرسي (…)، فالحياة في ظل حكم +الإخوان (المسلمين)+ كانت لا تُطاق، وكان يوجد خوف على المستقبل (…) ورغبة جامحة في الخروج”.
ومع أن القضية التي يطرحها الفيلم مأسوية، شاء هلال أن يعالجها “بأسلوب كوميدي طريف، خلافاً للسائد في الأفلام التي تتناول الهجرة غير الشرعية عادة”.
ولم يعتمد الفيلم على “النحيب والبكاء”، بل تكمن قوته بحسب هلال في “الفرادة في طريقة رواية القصة”.
وأبدى الناقد السينمائي اللبناني الياس دُمَّر بعد حضوره العرض الأول في بيروت إعجابه باختيار “نهاية سعيدة لفيلم عن مأساة الهجرة غير الشرعية”.
ولا يحبّذ المخرج الذي يعمل أساساً في مجال الإعلانات الهجرة غير الشرعية. وقال في هذا الصدد “حين يصل المهاجر الى الجهة الأخرى، قد لا تكون حياته أفضل”. وشدد على ضرورة “تحسين أوضاع الشباب ليبقوا في بلدهم ولا يغامروا بحياتهم، فالهجرة غير الشرعية قد تقتلهم”.
وكان عدد من المصريين في حزيران/يونيو الفائت بين العشرات من المهاجرين الذين قضوا في غرق قارب صيد قديم قبالة سواحل اليونان، في واحد من أكبر حوادث غرق مراكب الهجرة إلى أوروبا.
أما نيللي كريم فلاحظت أن “الهجرة غير الشرعية موضوع مهم حالياً. فالناس يتوقون الى السفر (…) ليحققوا آمالهم، لكن (…) ليس بمجرد السفر الى الخارج تصبح ظروف الحياة أفضل”.
وأمل المخرج في أن يجذب “فوي فوي فوي” القيّمين على الأوسكار. وقال “كان طموحي أن أصل الى العالمية. وأثناء إدارتي للممثلين طلبت منهم أن يبذلوا جهداً إضافياً في أداء ادوارهم لأننا نريد ان نصل إلى الأوسكار”.
ومن المقرر الكشف عن الأفلام الـ15 المتأهلة إلى التصفية ما قبل النهائية للفوز بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي في 21 كانون الأول/ديسمبر المقبل، على أن تُعلن قائمة الأفلام الخمسة المتأهلة إلى المنافسة النهائية في هذه الفئة في 23 كانون الثاني/يناير 2024، تمهيداً لحفلة توزيع جوائز الأوسكار في العاشر من آذار/مارس في لوس أنجليس.
وتتمحور أفلام أخرى ضمن هذه الفئة حول موضوع الهجرة غير الشرعية، منها الإيطالي “إيو كابيتانو” للمخرج ماتيو غاروني.
وبات موضوع الهجرة حاضراً بقوة في أعمال الشاشة الكبيرة، ومنها فيلم “غرين بوردر” للمخرجة البولندية أنييشكا هولاند الذي حصل أخيراً على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي.
وتصاعدت المخاوف أخيراً في أوروبا جراء تدفّق المهاجرين بكثافة إلى جزيرة لامبيدوسا الإيطالية الصغيرة. وشددت روما إجراءاتها لمواجهة هذه الظاهرة، فيما اقترحت المفوضية الأوروبية خطة لمساعدتها.
وتُعدّ مصر أحد مصادر الهجرة غير النظامية، ويُقبل عدد متزايد من المصريين الشباب على الانتقال إلى اوروبا بواسطة قوارب صيد. ومثّل المصريون العام المنصرم واحدا من كل خمسة مهاجرين وافدين إلى إيطاليا بهذه الطريقة، بحسب بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء. وأطلقت القاهرة استراتيجية 2016- 2026 لـ”تجفيف منابع الهجرة غير الشرعية”.
Comments are closed.